حسن التمام  حسن التمام
random

الموضوعات

random
recent
جاري التحميل ...
recent

أيام الصبر

أيام الصبر


أيام الصبر


"إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن كقبض على الجمر، للعامل فيها أجر خمسين، قالوا: يا رسول الله، خمسين منهم أو خمسين منا؟ قال: خمسون منكم"[١].

شرح الحديث


قد يكون العمل الصالح فاضلا باعتبار الزمان لقلة العاملين به، ومما يؤكد هذا، وصفُ النبي ﷺ ذلك الزمان بأيام الصبر، لفساد الزمان، وظهور الفتن، وغلبة الباطل، واستيلاء التبديل والتغيير على الحق من الخلق، ومَن يُظن بهم علماء، وهم دعاة سوء، قال النبي ﷺ: "إن الله لا ينتزع العلم من الناس انتزاعا، ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم، ويبقي في الناس رؤوسا جهالا، يفتونهم بغير علم، فيضلون ويضلون".
أخرجه البخاري (100)، ومسلم (2673): من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما.
وقال النبي ﷺ: "إن أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المضلون".
أخرجه أحمد 6/ 441، والطيالسي (975)، والدارمي (211) من حديث أبي الدرداء، وأحمد من حديث أبي ذر.
وأبو داود (4252)، وأحمد 5/ 278 من حديث ثوبان.
وأحمد، والبزار (3291-كشف) من حديث شداد بن أوس، وقال الهيثمي في "المجمع" 7/ 221:
"رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح".
وأخرجه أحمد من حديث عمر رضي الله عنه.
قال أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن" 2/ 228:
"تذاكرت بالمسجد الأقصى طهره الله مع شيخنا أبي بكر الفهري هذا الحديث عن أبي ثعلبة، وقوله ﷺ فيه: "إن من ورائكم أيام الصبر للعامل فيها أجر خمسين منكم، فقالوا: بل منهم، فقال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير أعوانا، وهم لا يجدون عليه أعوانا".
وتفاوضنا كيف يكون أجر من يأتي من الأمة أضعاف أجر الصحابة، مع أنهم أسسوا الإسلام، وعضدوا الدين، وأقاموا المنار، وافتتحوا الامصار، وحموا البيضة، ومهدوا الملة؟ وقد قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح:
"دعوا لي أصحابي، فلو أنفق أحدكم كل يوم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه...
فتراجعنا القول فكان الذي تنخل من القول، وتحصل من المعنى لبابا أوضحناه في شرح الحديث الصحيح، الإشارة إليه أن الصحابة كان لهم أعمال كثيرة فيها ما تقدم سرده، وذلك لا يلحقهم فيه أحد، ولا يداني شأوهم فيها بشر، والأعمال سواها من فروع الدين يساويهم فيها في الأجر من أخلص إخلاصهم، وخلصها من شوائب البدع والرياء بعدهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم هو ابتداء الدين والإسلام، وهو أيضا انتهاؤه، وقد كان قليلا في ابتداء الإسلام، صعب المرام لغلبة الكفار على الحق، وفي آخر الزمان أيضا يعود كذلك بوعد الصادق ﷺ بفساد الزمان، وظهور الفتن، وغلبة الباطل، واستيلاء التبديل والتغيير على الحق من الخلق، وركوب من يأتي سنن من مضى من أهل الكتاب ، كما قال ﷺ:
"لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه ...
وقال ﷺ: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ ...
قال علماؤنا فلا بد - والله أعلم - بحكم هذا الوعد الصادق أن يرجع الإسلام إلى واحد كما بدأ من واحد، ويضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى إذا قام به قائم مع احتواشه بالمخاوف، وباع نفسه من الله تعالى في الدعاء إليه كان له من الاجر أضعاف ما كان لمن كان متمكنا منه، معانا عليه بكثرة الدعاة إلى الله تعالى، وذلك لقوله:
"لأنكم تجدون على الخير أعوانا وهم لا يجدون إليه أعوانا" حتى ينقطع ذلك انقطاعا باتا، لضعف اليقين، وقلة الدين كما قال ﷺ:
"لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله".
يروى برفع الهاء ونصبها من المكتوبة، فإن رويت برفع الهاء كان معناه لا تقوم الساعة حتى لا يبقى موحد يذكر الله عز وجل، وإذا نصبت الهاء كان معناه لا تقوم الساعة حتى لا يبقى آمر بمعروف، ولا ناه عن منكر يقول: خافوا الله، وحينئذ يتمنى العاقل الموت، كما قال ﷺ:
"لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه "انتهى.
وأما سبب جعل النبي ﷺ العمل الصالح في غربة الدين فاضلا وأن صاحبه تتضاعف له الأجور فذلك باعتبار الزمان لقلة العاملين به، كقوله ﷺ:
"سبق درهم مئة ألف درهم، قالوا: وكيف ذاك؟ يا رسول الله، قال: كان لرجل درهمان، فتصدق أجودهما، فانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم، فتصدق بها".
أخرجه النسائي (2527)، وأحمد 2/379، وابن خزيمة (2443)، وابن حبان (3347)، والحاكم 1/ 416، والبيهقي 4/ 181-182 من حديث أبي هريرة.
وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم" وأقره الذهبي!
فصاحب الدرهمين لما تصدق بدرهم كأنه تصدّق بنصف ماله، وإن كان الآخر الذي تصدق بمائة ألف أنفع للمسلمين وأكبر أثرًا لكثرة المتصدق به.
قال السندي في حاشيته على النسائي:
"ظاهر الأحاديث أن الأجر على قدر حال المعطي، لا على قدر المال المعطى، فصاحب الدرهمين حيث أعطى نصف ماله في حال لا يعطي فيها إلا الأقوياء، يكون أجره على قدر همته، بخلاف الغني، فإنه ما أعطى نصف ماله، ولا في حال لا يعطى فيها عادة".
وقد يكون العمل فاضلا ويفضل غيره بما يقع في القلب من حسن النية والرحمة، فقد روى البخاري (3467)، ومسلم (2245) من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ، قال:
"بينما كلب يطيف بركية، كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فسقته فغفر لها به".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 10/ 735:
"إذ الكلمات والعبادات وإن اشتركت في الصورة الظاهرة فإنها تتفاوت بحسب أحوال القلوب تفاوتا عظيما، ومثل هذا الحديث الذي في حديث: المرأة البغي التي سقت كلبا فغفر الله لها، فهذا لما حصل في قلبها من حسن النية والرحمة إذ ذاك ومثله قوله ﷺ:
"إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله بها رضوانه إلى يوم القيامة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة".
فسمّى النبي ﷺ زمان غربة الدين وأهله بأيام الصبر، فخص المتمسّك فيهن بالأجر على شدة التمسك، لأن الإمساك يكون برفق بخلاف التمسك، لأنه متمسك بما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه لا دين مبتدع من أديان ملفقة، ولا دين مرقع، أو مُميّع، فحين كثُر الشر والفساد، وظهرت البدع والفتن، كان أجر المتمسك بالسنة أعظم، ومنزلته أعلى وأكرم، لأنه يعيش غربة الدين بما يحمل من نور وسط ذلك الظلام، وبسبب ما يسعى من إصلاح ما أفسد الناس، ثم إن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يجدون على الخير أعوانا، والمتمسك في أيام الصبر قد لا يجد على الخير أعوانا، بل ربما كان محاربا مطاردا متهما منبوذا لتمسكه بدينه، كما هو الحال اليوم في أكثر البلاد، فإنك لا تكاد تنهى عن منكر أو ضلالة إلا قالوا لك: متشدد ورموك عن قوس واحدة، فلا حول ولا قوة إلا بالله، وكل ذلك بسبب ما آل إليه حال أكثر المنتسبين إلى الإسلام والمسلمين من ضياع وتشتت لبعدهم عن المنهج الذي ارتضاه الله لنبيه ﷺ وأصحابه، فأقول: لا تلتفت إلى مَنْ يُخَذِّلك أو من يحقرك أو يستهزئ بك، فقل كلمتك وامضِ فإن الله ناصِرُ دينَه ومظهره ولا بد.
ولما ذكر الذهبي عمر بن عبد العزيز في "سير أعلام النبلاء" 5/ 120، قال:
"قد كان هذا الرجل حَسَنَ الخَلْقِ وَالخُلُقِ، كامل العقل، حسن السمت، جيد السياسة، حريصا على العدل بكل ممكن، وافر العلم، فقيه النفس، ظاهر الذكاء والفهم، أواها، منيبا، قانتا لله، حنيفا، زاهدا مع الخلافة، ناطقا بالحق مع قلة المعين، وكثرة الأمراء الظلمة الذين ملوه وكرهوا محاققته لهم، ونقصه أعطياتهم، وأخذه كثيرا مما في أيديهم مما أخذوه بغير حق، فما زالوا به حتى سقوه السُّمَّ، فحصلت له الشهادة والسعادة، وعد عند أهل العلم من الخلفاء الراشدين، والعلماء العاملين".
قلت: لا شك أن عمر بن عبد العزيز من الخلفاء، وأما القول بأنه خامس الخلفاء فهذا القول بعيد عن الحق والصواب لأن معاوية رضي الله عنه أعظم منزلة من عمر بن عبد العزيز، ولازم هذا القول هو تفضيل عمر بن عبد العزيز رحمه الله على معاوية رضي الله عنه، وقد قيل لابن المبارك أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال الغبار الذي دخل في أنف فرس معاوية مع النبي ﷺ خير من مثل عمر بن عبد العزيز كذا وكذا".
وقال أبو هريرة المكتب:
" كنا عند الأعمش فذكروا عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال الأعمش: فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا: يا أبا محمد يعني في حلمه، قال: لا والله، لا بل في عدله.
وعن محمد بن عبد الله بن عمار قال سمعت المعافي بن عمران وسأله رجل وأنا حاضر أيما أفضل معاوية بن أبي سفيان أو عمر بن عبد العزيز؟! فرأيته كأنه غضب وقال: يوم من معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز، ثم التفت إليه فقال تجعل رجلا من أصحاب محمد ﷺ مثل رجل من التابعين".


كتبه أحوج الناس لعفو ربه
أبو سامي العبدان
حسن التمام
17 - ربيع الثاني - 1437 هجري
______________________________________
1 - أخرجه البزار (١٧٧٦) من حديث ابن مسعود.
والمروزي في "السنة" (٣٣)، والطبراني (٢٨٩) من حديث عتبة.
وابن أبي الدنيا في "الزهد" (539)، وفي "الأمر بالمعروف" (29)، وأبو الشيخ في "الأمثال" (233)، وأبو نعيم في "الحلية" ٨/ ٤٩ من حديث أنس بلفظ: "القائمون يومئذ بالكتاب والسنة لهم أجر خمسين صديقا، قالوا: يا رسول الله منا أو منهم قال: لا بل منكم".
والدارقطني في " الفوائد المنتخبة " (٨٨) من حديث أبي هريرة.
والبزار (٢٦٣١) من حديث معاذ ولفظه "القائلون يومئذ بالكتب والسنة كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار".
وأبو داود (٤٣٤١)، والترمذي (٣٠٥٨) من حديث أبي ثعلبة الخشني.
وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (١٨٩) من حديث ابن عمر.
وابن وضاح أيضا في "البدع والنهي عنها" (١٩١) من مرسل القاسم أبي عبد الرحمن.

إرسال تعليق

التعليقات



المتابعون

جميع الحقوق محفوظة لـ

حسن التمام

2015