
الاستعاذة من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه، ونفثه
(137) "أعوذ بالله السميع
العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه، ونفثه، ثم يقرأ".
صحيح - جاء
من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا بإسناد حسن، ومن حديث عمر بن الخطاب مرفوعا، وقد تقدّم
تخريجهما ضمن شواهد الحديث رقم (136).
وله شواهد من حديث عبد الله بن مسعود، وجبير بن مطعم، وأبي أمامة، وابن عباس.
أما حديث عبد الله بن مسعود:
فأخرجه ابن ماجه (808)، وأحمد 1/ 404، وابنه
عبد الله في "زوائده" على "المسند" 1/ 404، وابن أبي شيبة 10/
185-186، وفي "المسند" (189)، وحرب الكرماني في "المسائل"
(797)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (8424)، والطبري في "تهذيب الآثار"
(955) - مسند عمر، وأبو يعلى (4994) و (5077)، وابن خزيمة (472)، وابن المنذر في "الأوسط" (1276)، والطبراني في "الدعاء"
(1381)، والحاكم 1/ 207، والبيهقي 2/ 36، وفي "السنن الصغير" (375) عن محمد
بن فضيل ( وهو عنده في "الدعاء" (118) )، وأحمد 1/ 403، وأبو يعلى
(5380) من طريق عمار بن رزيق، والبيهقي 2/ 36، وفي "الدعوات الكبير"
(355)، وفي "الشعب" (1904) من طريق ورقاء بن عمر اليشكري، ثلاثتهم عن عطاء
بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه كان، يقول:
"اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه
ونفثه ونفخه. قال: فهمزه الموتة، ونفثه الشعر، ونفخه الكبرياء".
وجاء تفسير الثلاث من قول عطاء عند البيهقي
2/ 36، وفي "الدعوات الكبير" (355)، وفي "الشعب" (1904)، وجاء
من تفسير ابن مسعود عند عبد الرزاق (2581) - ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط"
(1279)، والطبراني 9/ (9303) - عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عنه.
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد، وقد استشهد البخاري
بعطاء بن السائب" وأقره الذهبي!
قلت: عطاء بن السائب: كان قد اختلط أو تغيّر
في آخر حياته، فلا يصحّ إلا حديث من حدّث عنه قبل هذه الفترة، وعمار بن رزيق، وورقاء
بن عمر لم يذكر أحدٌ متى سمعا منه قبل الاختلاط أم بعده؟!
وأما رواية محمد بن فضيل عنه، فقد قال أبو
حاتم: فيه غلط واضطراب.
لكن متابعة اثنان له تجعلنا نأمن الغلط في
هذه الرواية لا سيما أن ورقاء بن عمر من كبار التابعين، وكانت وفاته سنة نيف وستين
ومائة كما في "تذكرة الحفاظ" 1/ 169، وأيضا عمار بن رزيق توفي قبل الثوري،
وشعبة، وقد قال ابن الصلاح في "المقدمة" (ص 392):
"احتج أهل العلم برواية الأكابر عنه،
مثل سفيان الثوري وشعبة، لأن سماعهم منه كان في الصحة، وتركوا الاحتجاج برواية من سمع
منه آخرا".
وأخرجه الطيالسي (369) - ومن طريقه البيهقي
2/ 36، وابن حجر في "نتائج الأفكار" 1/ 415 - والطبراني 9/ (9302) من طريق
حجاج بن المنهال، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي،
عن ابن مسعود موقوفا.
قال ابن معين: حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب
مستقيم، لكن قال العقيلي في "الضعفاء" 3/ 399:
"قال علي - يعني ابن المديني -: قلت ليحيى
- يعني القطان -: وكان أبو عوانة حمل عن عطاء بن السائب قبل أن يختلط؟ فقال: كان لا
يفصل هذا من هذا، وكذلك حماد بن سلمة".
وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل"
6/ 334:
"حديث البصريين الذين يحدثون عنه تخاليط
كثيرة لأنه قدم عليهم في آخر عمره".
وإن مخالفة حماد بن سلمة لثلاثة من الثقات
تجعلنا نطمئن لرواية الرفع لا سيما أن حماد بن سلمة تغيّر حفظه بأخرة.
وأما حديث جبير بن مطعم:
فأخرجه أبو داود (764)، وابن ماجه (807)، وأحمد
4 /85، والطيالسي (989)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (105)، والبزار
(3445)، والطبري في "تهذيب الآثار" (949) - مسند عمر، وأبو يعلى (7398)،
وابن خزيمة (468)، وابن الجارود في "المنتقى" (180)، وابن حبان (1779) و
(1780) و (2601)، والطبراني 2/ (1568)، وفي "الدعاء" (522)، والحاكم 1/
235، والبيهقي 2/ 35، وفي "الشعب" (2865) من طرق عن شعبة، عن عمرو بن مرة،
عن عاصم العنزي، عن نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال:
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين
دخل في صلاة، فقال: الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الحمد لله
بكرة وأصيلا - ثلاثا - سبحان الله بكرة وأصيلا - ثلاثا - اللهم إني أعوذ بك من الشيطان
الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه. قال عمرو: وهمزه: الموتة، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعر".
وفي رواية أبي داود "قال عمرو: لا أدري
أي صلاة هي".
وأخرجه الطبري في "تهذيب الآثار"
(950) - مسند عمر: من طريق زيد بن حباب، عن شعبة بن الحجاج، عن عمرو بن مرة، عن رجل
من عنزة، عن نافع به.
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"
وأقره الذهبي!
قلت: إسناده ضعيف، عاصم بن عمير العنزي: مجهول
الحال، روى عنه اثنان، وترجمه البخاري في "التاريخ الكبير" 6/ 488، وابن
أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 6/ 349، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره
ابن حبان في "الثقات" 5/ 238، وقد اختُلف في اسمه:
فأخرجه البيهقي 2/ 35، وفي "المعرفة"
(3010) من طريق يزيد بن هارون، عن مسعر، عن عمرو، عن رجل من عنزة يقال له عاصم، عن
نافع بن جبير بن مطعم به.
وهذا موافق لرواية شعبة.
وأخرجه أحمد 4/ 80، والطبري في "تهذيب
الآثار" (951)، والطبراني 2/ (1569) عن وكيع، والطبري (952)، والطبراني 2/
(1569) من طريق محمد بن بشر، كلاهما عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن رجل من عنزة، عن نافع
بن جبير به.
فلم يسمه في هذه الرواية لكن ذكر نسبه.
وأخرجه أبو داود (765)، وأحمد 4/ 80 عن يحيى
بن سعيد، عن مسعر، قال: حدثني عمرو بن مرة، عن رجل، عن نافع بن جبير بن مطعم به، لكن
رفع التفسير، وأبهم عاصم العنزي!
وأخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان"
1/ 210 من طريق نائل بن نجيح، حدثنا مسعر بإسناده مختصرا، وأنه "في التطوع"،
وليس فيه عاصم!
ونائل بن نجيح: ضعيف.
وأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 231 و 10/ 192، وعنه
أحمد 4/ 83، وابنه عبد الله في "زوائده" على "المسند" 4/ 83 -،
والطبري في "تهذيب الآثار" (948) - مسند عمر: عن محمد بن العلاء، وابن خزيمة
(469) عن عبد الله بن سعيد الأشج، ثلاثتهم عن عبد الله بن إدريس، عن حصين بن عبد الرحمن،
عن عمرو بن مرة، عن عباد بن عاصم، عن نافع بن جبير بن مطعم به.
وخالفهم يحيى الحماني، عن عبد الله بن إدريس
كما عند الطبراني 2/ (1570) فسماه (عمارا) بدلا عن عباد.
وأخرجه الطبراني 2/ (1571) من طريق أبي عوانة،
عن حصين، عن عمرو بن مرة، حدثني عمار بن عاصم، حدثني نافع بن جبير بن مطعم، عن أبيه:
"أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي
الضحى".
وتابع أبا عوانة على هذا اللفظ: ابن فضيل كما
عند ابن أبي شيبة 1/ 231 لكن ليس فيه عمار بن عاصم!
والحديث عند البزار (3446) عن علي بن المنذر،
وابن خزيمة (469) عن هارون بن إسحاق [1]،
كلاهما عن ابن فضيل، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن مرة، عن عباد بن عاصم، عن نافع
بن جبير بن مطعم، عن أبيه بنحو رواية شعبة.
وقال البزار:
"وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرويه عن النبي
صلى الله عليه وسلم إلا جبير بن مطعم، ولا نعلم له طريقا إلا هذا الطريق وقد اختلفوا
في اسم العنزي الذي رواه عن نافع بن جبير، فقال شعبة عن عمرو عن عاصم العنزي، قال ابن
فضيل عن حصين عن عمرو عن عباد بن عاصم، وقال زائدة: عن حصين عن عمرو عن عمار بن عاصم،
والرجل ليس بمعروف، وإنما ذكرناه لأنه لا يروي هذا الكلام غيره عن نافع بن جبير عن
أبيه، ولا عن غيره يروى أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال ابن الجارود:
"اختلف عن حصين عن عمرو بن مرة فمنهم
من قال: عن عمار بن عاصم، ومنهم من قال عمارة، وقال ابن إدريس: عن حصين عن عمرو عن
عباد بن عاصم".
وقال ابن خزيمة:
"وعاصم العنزي، وعباد بن عاصم مجهولان،
لا ندري من هما، ولا نعلم في هذا خبرا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وقال الحافظ في "إتحاف المهرة"
4/ 20:
"وكذا قال أبو بكر بن المنذر".
وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين"
(1343) من طريق إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله، عن عمرو بن مرة، عن نافع
بن جبير بن مطعم، عن أبيه به.
ليس فيه عاصم، وإسناده ضعيف من أجل عبد العزيز
بن عبيد الله بن حمزة.
وأخرجه الطبري في "تهذيب الآثار"
(954) من طريق العلاء بن هلال، عن عبيد الله، عن زيد، عن عمرو بن مرة، عن نافع بن جبير
بن مطعم، عن أبيه، قال:
"صلينا مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم صلاة جهر فيها بالقراءة...الحديث".
ليس فيه عاصم، وزيد هو ابن أبي أنيسة، وعبيد
الله هو ابن عمرو بن أبي الوليد الرقي.
وإسناده ضعيف من أجل العلاء بن هلال.
وأما حديث أبي أمامة:
فأخرجه أحمد 5/ 253 من طريق شريك، عن يعلى
بن عطاء، عن رجل حدثه أنه سمع أبا أمامة الباهلي، يقول:
"كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا
قام إلى الصلاة كبر ثلاث مرات، ثم قال: لا إله إلا الله ثلاث مرات، وسبحان الله وبحمده
ثلاث مرات، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه".
وهذا إسناد ضعيف فيه من لم يسم، وشريك القاضي
لم يتفرّد به فقد تابعه حماد بن سلمة:
أخرجه أحمد 5/ 253، ومن طريقه ابن عساكر في
"تاريخ دمشق" 68/ 121 من طريقه أخبرنا يعلى بن عطاء، أنه سمع شيخا من أهل
دمشق، أنه سمع أبا أمامة الباهلي به، لكن فيه (شركه) بدلا عن (نفثه).
وأما حديث ابن عباس:
فأخرجه البزار (5208) حدثنا إسحاق بن سليمان
البغدادي، قال: حدثنا سعيد بن محمد الوراق، قال: حدثنا رشدين بن كريب، عن أبيه، عن
ابن عباس، رضي الله عنهما:
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:
اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفخه - أحسبه قال -: ونفثه ومن عذاب القبر.
فقيل: يا رسول الله ما هذا الذي تعوذ منه؟ قال: أما همزه فالذي يوسوسه، وأما نفثه فالشعر،
وأما نفخه فالذي يلقى من الشبه - يعني: في الصلاة ليقطع عليه صلاته، أو على الإنسان
صلاته - وأما عذاب القبر فكان يقول: أكثر عذاب القبر من البول".
وقال البزار:
"وهذا الحديث قد روي نحو كلامه عن النبي
صلى الله عليه وسلم من غير وجه، وفي هذا الحديث تفسير ليس في حديث غيره فلذلك ذكرناه".
وإسناده ضعيف، رشدين بن كريب، وسعيد بن محمد
الوراق الثقفي: ضعيفان.
وإسحاق بن سليمان البغدادي: ترجمه الخطيب في
"تاريخ بغداد" 6/ 362، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
غريب الحديث:
(الشيطان) اسم لكل متمرد عات، سمي شيطانا لشطونه
عن الخير، أي: تباعده. وقيل: لشيطه، أي: هلاكه واحتراقه. فعلى الأول النون أصلية، وعلى
الثاني زائدة.
(الرجيم) المطرود والمبعد. وقيل: المرجوم بالشهب.
كذا في "شرح المهذب" 3/ 323 للنووي.
(همزه) الْمُوتَةُ: قال السندي: بضم ميم وهمزة
أو بلا همز: نوع من الجنون والصرع يعتري الإنسان، فإذا أفاق عاد إليه كمال العقل، كالسكران.
وقيل: خنق الشيطان، وقيل: هو الجنون.
قال أبو عبيد في "غريب الحديث"
3/ 78:
"الموتة الجنون: وإنما سماه همزا لأنه
جعله من النخس والغمز وكل شيء دفعته فقد همزته".
(نفخه) جاء تفسيره في الرواية بــ (الْكِبْر)
قال الطيبي:
"النفخ: كناية عن الكبر، كأن الشيطان
ينفخ فيه بالوسوسة فيعظمه في عينه، ويحقر الناس عنده".
(نفثه) جاء تفسيره في الرواية بــ (الشِّعْر).
يستفاد من الحديث
أولًا: مشروعية
التعوذ في الصلاة من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه.
ثانيًا: أن
الشيطان يصرع الإنسان، ويصيبه بالجنون، ولا عاصم من شره إلا بالاستعاذة بالله تعالى
منه، فكان استفتاح الصلاة بهذا الذكر طرد للشيطان وخلاص من كيده، وشره.
ثالثًا: بالافتقار
إلى الله تعالى يتجرّد قلب العبد من كل حظوظ النفس وأهوائها، ويُقبل بكليته على ربه
عـز وجل متذللا بين يديه، مستسلما لأمره ونهيه، متعلقًا قلبه بمحبته وطاعته، ولْمّا
كان الْكِبْر منافيًا للصلاة التي هي مبنية على الذل والافتقار لله رب العالمين كان
لا بدّ من دفع هذا الكبر الذي ينافيهما بطلب العصمة من الله تعالى، فيذلّ العبد لربه
بالركوع والسجود، فيصف ربه وهو على هذا الحال بصفات العز والكبرياء والعظمة والعلو.
رابعًا: لْمّا
كان الشيطانُ حريصًا على إفساد عبادة المسلم بأي وسيلة، ناسب هذا الاستعاذة بالله من
نفث الشيطان وهو الشعر ولو كان منه ما هو حكمة - كما في الحديث عند البخاري (6145)،
وغيره - ليستفرغ قلب العبد من كل شيء سوى كتاب ربه وذكره فيؤدي أعظم أركان الإسلام
بعد الشهادتين بخشوع تام تاليًا أو مستمعًا لكلام ربه معرضًا عما سواه.
___________________________________
[1] - وقد قع تحريف في مطبوع "صحيح ابن خزيمة"
فقد جاء بعطف هارون بن إسحاق، على ابن فضيل، والصواب: أن بينهما (عن) وليس (و)، فهارون
بن إسحاق الهمداني شيخ ابن خزيمة يروي عن محمد بن فضيل، وقد جاء على الصواب في
"إتحاف المهرة" (3903).
إرسال تعليق