
(7) شبهة حول حلف الفضول
(الشبهة الأولى) قالوا: إن الدخول في التحالف الصليبي ضد "الإرهاب" يشبه "حلف الفضول" الذي كان في الجاهلية وأثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان لمكافحة الظلم!
و (الشبهة الثانية) قالوا: إن مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في حِلف الفضول يدل على جواز المشاركة في البرلمانات التشريعية الشركية.
جواب (الشبهة الأولى):
سنذكر أولًا قصة حلف الفضول، ثم نثني
بالجواب على هذه الشبهة، فقد جاء في كتب السير والتاريخ أن قبائل من قريش اجتمعوا في
دار عبد الله بن جدعان التيمي فتعاقدوا، وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا من
أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه، حتى ترد عليه
مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف: حلف الفضول، وفي ذلك يقول الشاعر:
إن الفضول تحالفوا وتعاقدوا
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم
حضر هذا الحلف وهو صغير - قبل أن يبعث - وأنه قال بعد النبوة كما في المسند وغيره:
(شهدت وأنا غلام مع عمومتي حلف الفضول - وفي رواية "حلف المطيبين" - فما
أحب أن لي به حمر النعم وأني أنكثه) [1].
الجواب في رد هذه الشبهة، نقول:
إن هناك فروقًا شاسعة بين الحلفين، بل
لا وجه شبه بينهما إلا باسم "الحلف" فقط، ويظهر الفرق بينهما من وجوه:
الوجه الأول: أن صاحب "حلف الفضول"
هو عبد الله بن جدعان التيمي، وهو وإن كان مشركًا إلا أنه كان حريصًا على مكارم الأخلاق،
فقد ثبت في الصحيح عن عائشة، قالت:
(يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية
يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يومًا: رب اغفر
لي خطيئتي يوم الدين).
والمقصود شهرة "ابن جدعان"
بمكارم الأخلاق.
وأما صاحب "تحالف أمريكا"
فهم "الأمريكيون": أكثر الناس ظلمًا وبغيًا وعدوانًا، ودونك نبذة من
"مكارمهم" انظره في الحاشية لئن الموضوع طويل [2].
الوجه الثاني: أن سبب "حلف الفضول"
هو بعض المظالم التي حصلت في "مكة" - من قومهم - فأرادوا التحالف بينهم لرفعها
وإنصاف المظلوم ممن ظلمه ولو كان من بني عمهم.
وأما سبب "تحالف أمريكا" فليس
لرفع المظالم التي تحصل من قومهم والتي بلي بها الناس من عشرات السنين، وراح ضحيتها
الملايين من القتلى والمشردين.
ولا بسبب مظالم "إسرائيل"
التي سفكت أنهارًا من الدماء، فقتلوا وشردوا الآلاف من المسلمين.
ولا بسبب مآسي الشعب العراقي الذي يحتضر
بسبب العدوان الأمريكي عليه من عشر سنوات وحتى الآن، حتى قتل وأصيب بسببهم الملايين.
ولا بسبب المظالم الأخرى التي يعانيها
الشيشان من الروس، أو المسلمون في الفلبين من النصارى، أو المسلمون الذين يقتلون في
جزر الملوك، أو الذين يقتلون في الصين، أو غيرهم من أبناء هذه الأمة المكلومة.
بل سبب هذا التحالف الصليبي مقتل بضعة
آلاف منهم على أيدي مجهولين، فأرادوا الانتقام من "المسلمين" وزيادة مظالمهم!
الوجه الثالث: أنهم في "حلف الفضول"
لم يلزموا أحدًا بالدخول في حلفهم، وأما "تحالف أمريكا" فأساسه - كما قالوا
-: إن من لم يكن معنا فهو ضدنا! بمعنى أنه هدف له! وهذا أول الظلم.
الوجه الرابع: أن هدف "حلف الفضول"
- كما ذكرنا - رفع الظلم عن جميع من في مكة، وأما هدف تحالف "أمريكا" فالقضاء
على "الإسلام"، أو على الأقل "تجفيف منابعه"، وضرب "الملتزمين"
منهم كما يظهر من أهدافهم الأولية، كما أن من أهدافه زيادة "الهيمنة الأمريكية"
على العالم، فهدفه الحقيقي زيادة الظلم واستعباد الشعوب.
الوجه الخامس: أنه ليس في "حلف
الفضول" غير رفع المظالم - وهو أمر تقره الشريعة وتدعو إليه - وأما "تحالف
أمريكا" فمنكراته كثيرة، عرفنا بعضها، وجهلنا أكثرها، ومن أهمها متابعة الإرهابيين
في كل مكان، والإرهابيون هم "المسلمون"، و "تجفيف منابع الإرهاب"
وهو "التعليم الإسلامي" ... ومكافحة دعم الإرهاب، وهو صدقات المسلمين وزكواتهم
التي تدفع للمجاهدين، ودعم النفوذ الأمريكي في أراضي المسلمين والاستمرار في استعبادهم،
وهكذا في سلسلة تخالف شرع الله تعالى وتناقضه.
الوجه السادس: أن الحلفاء في "حلف
الفضول" من تيم وزهرة وأسد وغيرهم لا مآرب لهم وراء هذا الحلف غير مكارم الأخلاق،
والتناصر بينهم ضد الظالمين من قومهم، مع أن دينهم واحد، وكلهم مشركون.
وأما الحلفاء في "حلف أمريكا"
فجميع الكفرة تقريبًا، وهم أساس الظلم الواقع على العباد والبلاد، ولهم مآرب سياسية
واقتصادية ودينية خبيثة من وراء هذا التحالف، وحلفهم جاء للنكاية بالمسلمين، وزيادة
مآسيهم، فدين المتحالفين شتى، وعدوهم واحد!
الوجه السابع: أن "حلف الفضول"
يعتمد في رفع الظلم على جاه ومنصب المتحالفين - كما ذكر أهل السير - فليس فيها وسيلة
محرمة في تحقيق هدف الحلف.
وأما "التحالف الأمريكي" فله
وسيلتان:
الأولى: الوسيلة السلمية: وهو أن يؤخذ
ما يسمونهم بـ "الإرهابيين" - وهم من المسلمين - ويعرضون على طاغوت أمريكا
"القانون".
الثانية: الوسيلة الحربية: وهو دك بلاد
الأفغان وسحقها - كما هو تعبير رئيسهم بوش - مع فعل الشيء نفسه في الأهداف الأخرى.
والتعاون في كلا الوسيلتين كفر وردة،
فالأول تحاكم إلى الطاغوت، والثاني مظاهرة للكفار على المسلمين ظلمًا وعدوانًا وبغيًا.
الوجه الثامن: في نتائج الحلفين:
أما "حلف الفضول" فرفعوا كثيرًا
من المظالم في بلدهم - حتى بقيت من مناقبهم بعد الإسلام - وأما "تحالف أمريكا"
فقد زادوا المظالم في الأرض بعد هذا التحالف، فمن نتائج تحالفهم بعد شهر تقريبًا:
(1) قتل أكثر من ألف مدني من الأفغان
- منهم النساء والشيوخ والأطفال -.
(2) إصابة أضعاف هذا الرقم من المدنيين
من الأفغان بجروح.
(3) تدمير عدد من المدن وضربها بأطنان
من القنابل.
(4) نسف عدد من القرى ومحوها من الوجود.
(5) زيادة معاناة الأفغان بتدمير مصالحهم
- على قلتها - كالمستشفيات والمستودعات والمرافق.
(6) زيادة الحصار على عشرين مليون من
الأفغان!
(7) تشريد الملايين من المدنيين وإخراجهم
من أراضيهم.
(8) اعتقال وسجن المئات من المسلمين
لمجرد الاشتباه بهم.
(9) زيادة تسليط الكفار على المسلمين،
كتسليط الروس على الشيشان، وتسليط عباد البقر على الكشميريين.
(10) التضييق على الهيئات الإغاثية الإسلامية
بحجة دعمهم للإرهاب.
وغير ذلك من المآسي التي حصلت بسبب هذا
التحالف.
الوجه التاسع: وهو أهم الأوجه، وهو حكمهما
الشرعي:
وذلك أن الدخول في مثل "حلف الفضول"
مشروع، لأنه قائم على أساس إسلامي وهو "رفع الظلم"، والظلم محرم في الشريعة،
كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إياكم والظلم: فإن الظلم ظلمات يوم
القيامة)، وكما في الصحيح أيضًا في الحديث القدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي،
وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، ونحوها من النصوص، ولا يلزم من الدخول في مثله ارتكاب
أمر محرم، وليس فيه مظاهرة للكفار على المسلمين، ولا تحاكم إلى غير ما أنزل الله.
وأما الدخول في "التحالف الأمريكي"
فهو مركّب من منكرات كثيرة، منها:
(1) مظاهرة الكفار على المسلمين، وهذا
كفر.
(2) تحاكم إلى الطواغيت، وهذا كفر.
(3) زيادة البلاء على المسلمين في الأفغان،
وقتل أولادهم ونسائهم وشيوخهم، وإجلاء الكثيرين عن أرضهم.
(4) زيادة الظلم والبغي في الأرض بغير
الحق.
(5) مد النفوذ الأمريكي الظالم إلى مناطق
المسلمين في وسط آسيا.
نسأل الله تعالى أن ينتقم من "أمريكا"
وأحلافها عاجلاً غير آجل، وأن يقر عيون المسلمين بانتصار الإسلام والمسلمين.
جواب (الشبهة الثانية)
إنَّ
المحتج بهذه الشبهة إما أنه لا يعرف ما حلفُ الفضول فيهرفُ بما لا يعرف ويتكلمُ فيما
لا يعلم، أو أنه يعرف حقيقته فيخلط الحق بالباطل على الخلق ليلبس النور بالظلام والشرك
بالإسلام، وذلك لأن حلف الفضول كما ذكر ابن اسحاق في "السيرة" وابن كثير
في "البداية والنهاية" 2/ 291، والقرطبي في "تفسيره" 6/ 33 و
1/ 169، وغيرهم: تكوَّن لما اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جُدْعان - لشرفه
ونسبه - فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلومًا من أهلها أو غيرهم إلا قاموا
معه حتى تُرَدّ عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحِلف حلفَ الفضول - أي حِلف الفضائل
-.
ويقول
ابن كثير:
"كان
حلفُ الفضولِ أكرمَ حِلفٍ سمع به وأشرفه في العرب، وكان أولُ من تكلم به ودعا إليه
الزبير بن عبد المطلب، وكان سببه أنَّ رجلاً من زبيد قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه العاص
بن وائل فحبس عن حقه، فاستعدى عليه الزبِيدي أقوامًا من الأحلاف فأبوا أن يُعينوا على
العاص بن وائل وانتهروا الزبِيدي، فلما رأى الزبيديُّ الشرَّ أوفَى على جبل أبي قُبيْس
عند طلوع الشمس وقريش في أنديتهم حول الكعبة مناديًا بأعلى صوته:
يا
آل فهرٍ لمظلومٍ بضاعته ببطنِ مكة نائي الدار والنفرِ
ومحرمٍ
أشعتٍ لم يقضِ عُمرته يا للرجال وبين الحِجْر والحَجرِ
إنَّ
الحرام لمن ماتت كرامته ولا حرامٌ لثوب الفاجر الغدرِ
فقام
لذلك الزبير بن عبد المطلب وقال: ما لهذا مُترك؟ فاجتمعت هاشم وزُهرة وتيم بن مُرة
في دار عبد الله بن جُدعان، فصنع لهم طعامًا وتحالفوا في ذي القعدة في شهر حرام فتعاقدوا
وتعاهدوا بالله ليكونن يدًا واحدةً مع المظلوم على الظالم حتى يؤدي إليه حقه ما بلَّ
بحرٌ صوفة وما رسيَ ثبير وحراء مكانهما، وعلى التأسي في المعاشي، فسمَّت قريش ذلك الحلف
حِلْف الفضول، وقالوا لقد دخل هؤلاء في فضلٍ من الأمر، ثم مشوا إلى العاص بن وائل فانتزعوا
منه سلعة الزبِيدي فدفعوها إليه.
وذكر
قاسم بن ثابت في غريب الحديث: أنَّ رجلاً من خثعم قدم مكة حاجًا أو معتمرًا ومعه ابنة
له يقال لها القتول من أوضأ نساء العالمين، فاغتصبها منه نبيه بن الحجاج وغيبها عنه،
فقال الخثعمي: من يعديني على هذا الرجل؟ فقيل له: عليك بحلف الفضول، فوقف عند الكعبة
ونادى: يا لحلف الفضول: فإذا هم يعنقون إليه من كلِّ جانب، وقد انتضوا أسيافهم يقولون:
جاءك الغوث فما لك؟ [3] فقال:
إنَّ نبيهًا ظلمني في بنتي وانتزعها مني قسرًا، فساروا معه حتى وقفوا على باب داره،
فخرج إليهم فقالوا له: أخرج الجارية ويحك! فقد علمت ما نحن وما تعاقدنا عليه، فقال:
أفعل، ولكن متعوني بها الليلة، فقالوا: لا،
ولا شَخْب لقحة [4] فأخرجها إليهم.
وقال
الزبير في حِلْفِ الفضول:
إنَّ
الفضول تعاقدوا وتحالفوا ألا يُقيم ببطن مكة ظالمُ
أمرٌ
عليه تعاقدوا وتواثقوا … فالجارُ والْمُعْتَرُّ فيهمُ سالمُ [5]
ففي
هذا الحِلف وحول هذه الأهداف يتنزل ما يحتج به هؤلاء القوم، مما رواه البيهقي والحميدي
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
(شهدتُ
في دار عبد الله بن جُدعان حِلفا ما أُحب أن لي به حمر النَّعم ولو أُدعَى به في الإسلام
لأجبت).
ولذا
زاد الحميدي (تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها وألا يعِد ظالمٌ مظلومًا).
فنسأل
القوم ها هنا فتقول:
ما
وجه الدلالة يا أهل الفقه والاستدلال في هذا الحلف وما حواه من فضائل على جواز دخول
مجلسٍ يُشَرَّعُ فيه مع الله وِفقًا لدستور إبليس، ويستفتح أهل المجلس مجلسهم هذا بالقسم
على احترام ياسق الكفر وقوانينه والولاء لعبيده وطواغيته المحاربين لدين الله وأوليائه،
المتولين لأعداء الله وكُفرياتهم؟
هل
كان في حلف الفضول كفرٌ وشركٌ وتشريعٌ مع الله واحترامٌ لدين غير دين الله، حتى يصح
الاستدلال به؟
إنْ
قلتم نعم، فأنتم تزعمون إذن أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شارك بالكفر والتشريع
واتبع دينًا غير دين الله، وأنه لو دُعي في الإسلام لمثل ذلك لأجاب!
ومن
زعم هذا فقد أشهد الثقلين على كُفره وردتِه وزندقتِه.
وإنْ
قلتم: لا، لم يكن فيه كفرٌ ولا تشريعٌ بل ولا منكرٌ من المنكرات، وكلُّ ما كان فيه
نصرة المظلوم وإغاثةُ الملهوف ونحوه من الفضائل.
فكيف
إذن تستحلون وتستجيزون مقايسته بمجالس الكُفر والفسوق والعصيان؟
ثم
نحن نسألهم سؤالاً واضحًا ونُريد منهم شهادةً صريحةً على رسول الله صلى الله عليه وسلم
في جواب هذا السؤال {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19]:
لو كان المشارك في حِلْفِ الفضول هذا مهما كانت صفته - أعني الحلف - لا يُشارك فيه
إلا إذا أقسم بين يدي دخوله للحلف على احترام اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى والولاء
لدين قريش الكفري ولأوثانها وجاهليتها، ثُمَّ على نُصرة المظلوم وإغاثة المكروب، ونحو
ذلك.
أقول:
لو كان الحالُ كذلك، لشارك به النبي صلى الله عليه وسلم أو أجاب إليه لو دُعي في الإسلام
لمثله؟ أجيبونا يا أصحاب المصالح والاستحسانات! ويا أهل الحفلات والمهرجانات!
فإن
قالوا: نعم سيجيب إليه وسيشارك فيه، وكذلك كان، فقد برئت منهم الأمة وأشهدوا الخلق
على كُفرهم.
وإن
قالوا: كلا وحاشاه من ذلك، قلنا: فخلوا إذن عنكم هذه السفسطات والشقشقات وتعلموا كيف
وبماذا يكون الاستدلال.
______________________________________
[1] - صحيح - أخرجه أحمد 1/ 190 و 193، والبخاري
في "الأدب المفرد" (567)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"
(221) و (222)، والبزار (1000)، وأبو يعلى (845) و (846)، والشاشي (238)، وابن حبان
(4373)، والحاكم 2/ 219-220 وصححه، والبيهقي 6/ 366، وفي" دلائل النبوة"
2/ 37-38 من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه،
عن عبد الرحمن بن عوف به.
وأخرجه أبو يعلى (844) من طريق خالد الواسطي،
عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن عبد الرحمن بن عوف
به.
[2] - الكلام على فساد أمريكا يطول، وسأتكلم عليها من
جهتين، فسادها في نفسها، وإفسادها في الأرض:
أما الجهة الأولى: وهو فسادها في نفسها:
فـ "أمريكا" رأس الكفر والإلحاد،
وأصل الفساد والانحلال، وبلاد العهر والفجور، والفواحش والمنكرات، قد عشش عليها الشيطان،
وضرب فيها قبابه.
أكثر دول العالم في عدد دور الدعارة، واللواط،
والسحاق، وأندية العري، وحمل السفاح، ومواليد الزنا، وزنا المحارم، وجرائم الأخلاق،
وقنوات الانحلال، وشرب الخمور، وأندية اللهو والميسر والرقص والفسق، وسأذكر فيما يلي
قليلًا من الإحصائيات تشير إلى ما ذكرت - مع العلم أن هذه الإحصائيات قديمة -:
(1) فيها أكثر من 20 مليون شاذ جنسيًا [المجتمع:
15/ 350]، عدد الشواذ - اللوطية والسحاقيات - في "أمريكا" أكثر من سكان
"أفغانستان" مجتمعين!.
(2) يباع فيها أكثر من 5000 طفل كل سنة [المجتمع:
44/ 249].
(3) حوالي ثلث المواليد هناك من الزنا [المجتمع:
10/ 14]، واللاتي يلدن سفاحًا من المراهقات فقط أكثر من نصف مليون مراهقة سنويًا [المجتمع:
53/ 648].
(4) من كل 20 شخصًا في أمريكا يوجد لقيط واحد
[المجتمع:12/ 209].
(5) قتل فيها أكثر من 15 مليون طفل من خلال
الإجهاض القانوني [المجتمع: 35/ 625].
(6) تعتبر مدينة سان فرانسيسكو عاصمة: (اللوطية)،
ويمثلون ربع ناخبي المدينة: (المجتمع: 32/ 637].
(7) فيها نحو من 100 مليون من المدمنين على
شرب الخمر [المجتمع: 42/ 199].
(8) تنتج شركات الخمور في أمريكا ما قيمته
أكثر من 24 مليارًا من الدولارات: [المجتمع: 30/ 157].
وأما الجرائم فيها فأكثر من أن تحصر، ومن
ذلك:
(1) في إحصائيات الحكومة الأمريكية بلغ عدد
الجرائم عام 2000 حوالي 26 مليون جريمة.
(2) وفي إحصائيتهم للجرائم عام 1999 كان ما
يلي:
أ - كل 3 ثوان يحصل جريمة على ممتلك
"عقار".
ب - جريمة سرقة كل 15 ثانية.
جـ - جريمة بشعة كل 22 ثانية.
د - جريمة قتل كل 34 ثانية.
هـ - جريمة اغتصاب كل 6 دقائق.
و - جريمة اعتداء جسدي كل 34 ثانية.
وما ذكرته هنا شيء يسير جدًا من فساد هذه
الدولة الكافرة.
وإذا علمت - أخي المسلم - أن الله سبحانه
ذكر ما ذكر عن قوم لوط، فقال تعالى عنهم: {أَإِنَّكُمْ لَتَاتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ
السَّبِيلَ وَتَاتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ}
[العنكبوت: من الآية 29].
وأكثر ما وجدت من سردٍ للمنكرات التي كان
عليها قوم لوط هو ما رواه ابن عساكر بسنده [تاريخ دمشق: 50/ 321] عن أبي أمامة، قال:
(كان في قوم لوطٍ عشر خصال يعرفون بها: لعب
الحمام، ورمي البندق، والمكاء، والخذف في الأنداء، وتبسيط الشعر، وفرقعة العلك، وإسبال
الإزار، وحبس الأقبية، وإتيان الرجال، والمنادمة على الشراب).
وإذا قرنت هذه العشر بجانب الأرقام الفلكية
للفساد الأمريكي تبين لك الفرق العظيم، وأن فساد أمريكا قد زاد على فساد قوم لوط بأضعافٍ
مضاعفة.
وإذا علمت أن الله سبحانه عاقب قوم لوطٍ بعقوبة
لم يعاقب بها أحدًا غيرهم، فقال تعالى عنهم: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى
قَوْمٍ مُجْرِمِينَ . لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ . مُسَوَّمَةً عِنْدَ
رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات: 32 - 34]، وقال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ
أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ
سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ} [هود: 82]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ
فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: 37]، وقال تعالى:
{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} [الحجر: 73]، فعاقبهم الله سبحانه
على منكراتهم بأن طمس على أعينهم، وأخذتهم الصيحة، وجعل أرضهم عاليها سافلها، وأمطر
عليهم حجارة من سجيل.
فما ظنك بالعقوبة التي تستحقها "أمريكا؟
وهل تستحق - مثل هذه البلاد - أن يبكي عليها
أحد من ذوي الإيمان؟
الجهة الثانية: إفسادها في الأرض:
فـ "أمريكا" لو كان فسادها قاصرًا
عليها لكانت تستحق من العقوبات الإلهية الشيء العظيم، فكيف وقد تعدى فسادها إلى غيرها،
فعاثت في الأرض فسادًا.
فأصل الفساد الأخلاقي والانحلال في كثير من
المجتمعات كانت أمريكا تقف وراءه:
(1) فبانكوك - عاصمة الفساد الجنسي في العالم
- كان الوجود العسكري الأمريكي العامل الرئيس في تفشي الفساد والانحلال فيها [المجتمع:
8/ 248].
(2) أكبر مصدر للأفلام الخبيثة في العالم
هي "هوليود" - عاصمة السينما - في "أمريكا".
(3) أكبر دولة من حيث عدد قنوات "الجنس"،
والمواقع الإباحية في "الإنترنت" هي "أمريكا".
(4) أكبر الشركات المصدرة للخمور والدخان
توجد في "أمريكا".
(5) أكبر مصانع الأسلحة التي يقتتل بها البشر
توجد في "أمريكا".
وغير ذلك من أسباب نشر الفساد والرذيلة في
المجتمعات.
وأما جرائمها بحق البشر الآخرين من غير المسلمين
فكثيرة جدًا، إليك بعضًا منها:
(1) قاموا بإبادة ملايين الهنود الحمر - يصل
عددهم في بعض الإحصائيات إلى أكثر من مائة مليون - وهم السكان الأصليون لأمريكا.
(2) قاموا بإبادة كثير من الأفارقة في تجارة
الرقيق - يصل عددهم في بعض الإحصائيات إلى ملايين.
(3) في ليلة من ليالي عام 1944 - في الحرب
العالمية الثانية - دمرت 334 طائرة أمريكية ما مساحته 16 ميلاً مربعًا من طوكيو، بإسقاط
القنابل الحارقة، وقتلت 100 ألف شخص، وشردت مليون نسمة، ولاحظ أحد كبار جنرالاتهم بارتياح
أن الرجال والنساء والأطفال اليابانيين قد أحرقوا، وتم غليهم وخبزهم حتى الموت، وكانت
الحرارة شديدة جدًا حتى أن الماء قد وصل في القنوات درجة الغليان، وذابت الهياكل المعدنية،
وتفجر الناس في ألسنة من اللهب، وتعرضت أثناء الحرب حوالي 64 مدينة يابانية، فضلاً
عن هيروشيما" و "ناغازاكي"، إلى مثل هذا النوع من الهجوم، ويشير أحد
التقديرات إلى مقتل زهاء 400 ألف شخص بهذه الطريقة.
(4) بين عامي 1952 و 1973 ذبحت الولايات المتحدة
في تقدير معتدل زهاء عشرة ملايين صيني وكوري وفيتنامى ولاووسي وكمبودي.
(5) بحلول منتصف عام 1963 سببت حرب فيتنام:
مقتل 160 ألف شخص، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأة، ونزعت أحشاء
3000
شخص وهم أحياء، وأحرق 4000 حتى الموت، وهوجمت
46 قرية بالمواد الكيماوية السامة.
(6) أدى القصف الأمريكي لهانوي وهايفونغ في
فترة أعياد الميلاد وعام 1972 إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم.
(7) قتل الجيشُ الأمريكي المدرب في غواتيمالا
أكثر من 150 ألف فلاح بين عامي 1966 و1986.
وأما جرائمها بحق المسلمين والمنتسبين إلى
الإسلام فكثيرة جدًا، ولو أردنا تفصيلها لخرجنا عن موضوعنا، ولكننا نشير إلى إحصائيات
يسيرة تشير إلى ما وراءها:
(1) قتل أكثر من مليون طفل عراقي بسبب قصف
القوات الأمريكية للعراق وحصارها الظالم له خلال عشر سنوات، وقد رفع أحد المحامين النصارى
الأمريكيين دعوى على "جورج بوش" الأب يطالب فيها بمحاكمته على أنه مجرم حرب،
بسبب ما أحدثه في "العراق" من قتل وتدمير!
(2) أصيب الآلاف من الأطفال الرضع في العراق
بالعمى لقلة الإنسولين.
(3) هبط عمر العراقيين 20 سنة للرجال، و11
سنة للنساء، بسبب الحصار والقصف الأمريكي.
(4) أكثر من نصف مليون حالة وفاة بالقتل الإشعاعي.
(5) قتل الآلاف من الشيوخ والنساء والأطفال
الفلسطينين بالسلاح الأمريكي.
(6) قتل الآلاف أيضًا من اللبنانيين واللاجئين
الفلسطينين في المجازر التي قامت بها إسرائيل بحماية أمريكية.
(7) بين 1412 - 1414: قتل الجيش الأمريكي
الآلاف من الصوماليين أثناء غزوهم للصومال.
(8) 1419: شنت أمريكا هجومًا بصواريخ كروز
على السودان وأفغانستان، دمروا خلاله مصنعًا سودانيًا للدواء، وقتل أكثر من مائتين.
(9) قتلت إسرائيل بمباركة أمريكا أكثر من
17000 شخص في غزوها لجنوب لبنان.
(10) قتل عسكريو أندونيسيا أكثر من مليون
شخص بدعم من أمريكا.
(11) تسبب حصارهم لأفغانستان في قتل أكثر
15000 طفل أفغاني.
هذا غير المجازر التي باركها الأمريكان في
الشيشان والبوسنة ومقدونيا وكوسوفا وكشمير والفلبين وجزر الملوك وتيمور وغيرها من أراضي
الإسلام.
ولو حلف حالف بأنه ما حصلت - في السنوات الأخيرة
- مجزرة لقوم من المسلمين، أو تشريد لهم، أو احتلال لأرضهم، إلا ووراءها أيدٍ أمريكية،
فإنني لا أظنه
يحنث...فتاريخها مليء بالظلم والخبث والفساد
والإفساد، وملفها الأسود معروف
لكل الناس، وهذا مما يجعل الحق أشد وضوحًا.
[3] - تنبيه: لو أننا استدللنا بهذا على جواز تنظيم جماعة
أو مجموعة مسلحة لنصرة المظلوم وانكار المنكر باليد وإن عُدمت الدولة الإسلامية ولم
يوجد الإمام، بدليل أنَّ رسول الله (قد أثنى على هذا الحلف ومدحه مع أنه كان قائمًا
في زمن دولة الكفر وليس ثَمَّ إمام، أقول: لو أننا احتججنا بدليلهم هذا على هذه المسألة
لبدّعونا ولشنوا علينا الغارات ولشنعوا فينا المقال، لكن الاستدلال به على جواز القسم
على احترام الشرك والمشاركة في التشريع وِفقًا لدستور إبليس وغير ذلك من ضلالاتهم وشركياتهم
وانحرافاتهم فذلك أمرٌ تُسوِّغه عقولهم النخرة، فبُعدًا بعدًا.
[4] - ولا شخب لقحة: أي: ولا مقدار وقت حلب ناقة.
[5] - من كتاب "البداية والنهاية" للحافظ ابن
كثير.
إرسال تعليق