حسن التمام  حسن التمام
random

الموضوعات

random
recent
جاري التحميل ...
recent

تداعي الأمم على أمة الإسلام


تداعي الأمم على أمة الإسلام

تداعي الأمم على أمة الإسلام


"يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها، قال: قلنا: يا رسول الله، أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن. قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الحياة، وكراهية الموت" [1].

شرح الحديث:

يُخبرنا النبي ﷺ عن قرب زمن اجتماع فرق الكفر وأمم الضلالة بأن يدعو بعضهم بعضا لمقاتلة المسلمين وكسر شوكتهم وسلب ما ملكوه من الأراضي والأموال، قال في المجمع كما في "عون المعبود" 11/ 272:
"أي يقرب أن فرق الكفر وأمم الضلالة أن تداعى عليكم، أي: يدعو بعضهم بعضا إلى الاجتماع لقتالكم وكسر شوكتكم ليغلبوا على ما ملكتموها من الديار، كما أن الفئة الآكلة يتداعى بعضهم بعضا إلى قصعتهم التي يتناولونها من غير مانع فيأكلونها صفوا من غير تعب".
(فقائل ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل) هذا شبيه بالحال الآن: فالمسلمون اليوم عددهم كبير فهم كثير جدا، ولكن حين غربلة هذا العدد لا يبقى إلا القليل منهم، فالإسلام موجود ولكن ما هو حال أهله، حال أكثرهم بدع، ومعاصي، وجهل بدين الله، وبعد عن منهج الإسلام الصحيح فهم غثاء كغثاء السيل: وهو ما يحمله السيل من زبد ووسخ مما ارتفع على وجه الماء، وحمله السيل من الوسخ والجيف والأعواد مما لا ينفع الناس ولا يقوم به شيء، ومعلوم أن الغثاء تبع للسيل الجارف لا يقوى على المصادمة ولا خيار له في الطريق الذي يسلكه مع السيل، بل شأن هذا الغثاء السمع والطاعة من السيل الذي يحصد كل ما أتى أمامه، والسبب هو مرض الوهن الذي أصاب أعداءنا من قبل فكان هو سبب نصرنا عليهم، فإن حبهم للدنيا كما قال تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ وكان سبب نصر المسلمين حبهم للشهادة في سبيل الله، فهذا كان يزرع المهابة في قلوب عدوهم.
قال النبي ﷺ: "نصرت بالرعب مسيرة شهر" .
فعدوهم يخاف منهم ويهابهم هذه المسيرة كلها، ﴿إن تنصروا الله ينصركم﴾.
قال الطيبي:
"سؤال عن نوع الوهن أو كأنه أراد من أي وجه يكون ذلك الوهن ( قال حب الدنيا وكراهية الموت ) وهما متلازمان فكأنهما شيء واحد يدعوهم إلى إعطاء الدنية في الدين من العدو المبين، ونسأل الله العافية".
نعم إن كراهية الموت تُفضي إلى أن يخلد المسلم للدعة، ويقعد عن القيام بالمهام العظيمة ومنها الجهاد في سبيل الله، يشهد له قوله ﷺ:
"إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا، لا ينزعه عنكم حتى تراجعوا إلى دينكم".
أخرجه أبو داود (3462)، وأحمد 2/ 84.
إذا تركتم الجهاد، يعني: رضيتم بالدنيا، قعود الذي ركن إلى الدنيا واسترخى، وآثرها على الآخرة، متمتعًا بملذاتها، حينئذ يتسلط عليهم عدوهم، وتكون له الغلبة عليهم، عقوبة من الله تصيب هذه الأمة العزيزة لأنها تركت ما يكون فيه عزّها، سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".
قال الألباني:
"الهدف منه - أي هذا الحديث – ليس حمل الناس على الرضا بما نحن فيه... بل الغاية منه عكس ذلك تمامًا، وهو تحذيرهم من السبب الذي كان العامل على تكالُب الأمم وهجومهم علينا، ألا وهو حب الدنيا وكراهية الموت، فإن هذا الحب والكراهية هو الذي يستلزم الرضا بالذل، والاستكانة إليه، والرغبة عن الجهاد في سبيل الله على اختلاف أنواعه، من الجهاد بالنفس والمال واللسان وغير ذلك، وهذا هو حال غالب المسلمين اليوم مع الأسف الشديد، فالحديث يشير إلى أن الخلاص مما نحن فيه، يكون بنبذ هذا العامل، والأخذ بأسباب النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، حتى يعودوا كما كان أسلافهم: "يحبون الموت كما يحب أعداؤهم الحياة"، وما أشار إليه هذا الحديث قد صرَّح به حديث آخر، فقال ﷺ:
"إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"، فتأمل كيف اتفق صريح قوله في هذا الحديث: "لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " مع ما أشار إليه الحديث الأول من هذا المعنى، الذى دل عليه كتاب الله تعالى أيضًا، وهو قوله: ﴿إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ‌ مَا بِقَوْمٍ حتى يغيروا مَا بأنفسهم﴾، فثبت أن هدف الحديث إنما هو تحذير المسلمين من الاستمرار في "حب الدنيا وكراهية الموت، ويا له من هدف عظيم لو أن المسلمين تنبهوا له، وعملوا بمقتضاه، لصاروا سادة الدنيا، ولما رفرفت على أرضهم راية الكفار، ولكن لا بد من هذا الليل أن ينجلي، ليتحقق ما أخبرنا به رسول الله ﷺ في أحاديث كثيرة، من أن الإسلام سيعم الدنيا كلها، فقال عليه الصلاة والسلام: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلًّا يذل الله به الكفر".
ومصداق هذا الحديث من كتاب الله تعالى قوله عز وجل: ﴿يُرِ‌يدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ‌ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُوره وَلَوْ كَره الْكَافِرُ‌ونَ . هُوَ الَّذِي أَرْ‌سَلَ رَ‌سُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِره عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كره المشركون﴾، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾".

كتبه
أبو سامي العبدان
حسن التمام.
_______________________________
1 - أخرجه أبو داود (4297)، وأحمد 5/ 278، وابن أبي عاصم في "ذكر الدنيا والزهد فيها" (269)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 51/ 60 من حديث ثوبان.
وأحمد 2/ 359، والطبراني في "الأوسط" (7215) من حديث أبي هريرة.

إرسال تعليق

التعليقات



المتابعون

جميع الحقوق محفوظة لـ

حسن التمام

2015