حسن التمام  حسن التمام
random

الموضوعات

random
recent
جاري التحميل ...
recent

حديث الطائفة المنصورة رواية ودراية

حديث الطائفة المنصورة رواية ودراية

حديث الطائفة المنصورة رواية ودراية


"لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله، وهم ظاهرون".

صحيح - جاء من حديث المغيرة بن شعبة، وجابر بن عبد الله، وثوبان، وأبي أمامة، وأبي هريرة، وعمر بن الخطاب، ومعاوية، وزيد بن أرقم، وعمران بن حصين، وسلمة بن نفيل، وعقبة بن عامر، وقرة بن إياس، وجابر بن سمرة، وسعد بن أبي وقاص:

أما حديث المغيرة:

فأخرجه البخاري (3640) و(7311) و (7459)، وفي "خلق أفعال العباد" (ص 42)، ومسلم (1921)، وأحمد 4/244 و248 و252، وأبو عوانة 5/108-109، والدارمي (2342)، والطبري في "تهذيب الآثار" (1154) و(1155) و (1156)، والطبراني 20/ (959) و(960) و (961) و (962)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (146)، وأبو نعيم في "الحلية" 8/ 373 من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول الله ﷺ: فذكره.

وأما حديث جابر بن عبد الله:

فأخرجه مسلم (156) و (1923)، وأحمد 3/384، وابن الجارود (1031)، وأبو عوانة (317) و (7500)، وابن حبان (6819)، وابن منده في "الإيمان" (418)، وابن بشران في "الأمالي" (46) و(942)، وابن منده في "الإيمان" (410)، وابن حزم في "المحلى" 1/ 28 و 6/ 58، والبيهقي 9/ 39 و 180 من طرق عن حجاج بن محمد، قال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: سمعت رسول الله ﷺ، يقول:
"لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة".
وتابع حجاج بنَ محمد: روحٌ:
أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (1164) – مسند عمر: حدثنا محمد بن معمر البحراني، حدثنا روح، حدثنا ابن جريج به.
وله طرق أخرى عن أبي الزبير:
أخرجه أحمد 3/345، والطبراني في "الأوسط" (9077) و (9078)، وابن بشران في "الأمالي" (986) من طريق ابن لهيعة، وأبو عوانة بإثر الحديث (317) من طريق معقل، والخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (46) من طريق موسى بن عقبة، ثلاثتهم عن أبي الزبير به.
وله طريق أخرى عن جابر:
أخرجه أبو يعلى (2078) من طريق موسى بن عبيدة، عن أخيه، عن جابر، قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا تزال أمتي ظاهرين على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم فيقول إمامهم: تقدم، فيقول: أنتم أحق بعضكم أمراء بعض، أمر أكرم الله به هذه الأمة".
قلت: وإسناده ضعيف لأجل موسى بن عبيدة الربذي فإنه ضعيف، وقيل إن أخاه وهو محمد بن عبيدة الربذي لم يسمع من جابر.

وأما حديث ثوبان:

فأخرجه مسلم (1920) و(2889)، وأبو داود (4252)، والترمذي (2176) و (2202) و (2219) و (2229)، وابن ماجه (10) و (3952)، وأحمد 5/ 279 و 284، والطيالسي (1084)، وابن أبي شيبة 11/458، وسعيد بن منصور في "سننه" (2372)، ومن طريقه البيهقي 9/181، وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" 3/ 956، وأبو عوانة في "الجهاد" (7509)، وفي "الفتن" كما في "إتحاف المهرة" 3/48، والروياني في "مسنده" (624) و (630)، وابن حبان (6714) و (7238)، وأبو عمرو الداني في "الفتن" (4) و (55) و (360) و (361)، والطبراني في "الأوسط" (8397)، وفي "الشاميين" (2690)، والطبري في "تهذيب الآثار" (1157) – مسند عمر، وابن أبي عاصم في "السنة" (287)، وفي "الآحاد والمثاني" (456) و (457)، وفي "الديات" (ص 18)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (914) و (1113) و (1166)، والحاكم 4/448 و4/449-450، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (464)، والبيهقي في "دلائل النبوة" 6/526-527، وبحشل في "تاريخ واسط" (ص: 164)، وابن حزم في "المحلى" 1/ 68، والبغوي (4015) مطولًا ومختصرًا من طريق أبي قلابة ، عن أبي أسماء، عن ثوبان قال: قال رسول الله ﷺ:
"إن ربي زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال لي: يا محمد، إني إذا قضيت قضاء، فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها - أو قال بأقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله " والسياق لأبي داود ورجاله رجال الشيخين سوى أبي أسماء فمن رجال مسلم.

وأما حديث أبي أمامة:

فأخرجه عبد الله بن أحمد في "المسند" وجادة 5/269، والمحاملي في "الأمالي" (499)، والطبري في "تهذيب الآثار" (1158) – مسند عمر، والطبراني 8/ (7643)، وفي "مسند الشاميين" (860) من طريق ضمرة بن ربيعة، حدثنا السيباني، عن عمرو بن عبد الله الحضرمي، عن أبي أمامة الباهلي:
أن رسول الله ﷺ، قال:
"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأوائهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".
وهذا إسناد ضعيف من أجل عمرو بن عبد الله الحضرمي فإنه مقبول حيث يُتابع وإلا فليّن الحديث.
وأخرجه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/298-299، والطبراني 20/ (754)، ومن طريقهما ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 1/ 210 و50/ 114 من طريق يحيى بن أبي عمرو السَّيْباني، عن أبي وعلة - شيخ من عَكٍّ - قال: قدم علينا كريب من مصر يريد معاوية، فزرناه، فقال: ما أدري عدد ما حدثني مُرّة البهزي في خلاء وفي جماعة أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين على من ناوأهم، وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم كذلك. قال: فقلنا يا رسول الله من هم؟ وأين هم؟ قال: بأكناف بيت المقدس".
وفي "المعرفة والتاريخ" (ابن وعلة) بدل (أبو وعلة)!
وأما الطبراني، فقال فيه: عن أبي زرعة الوعلاني.
وقال ابن عساكر:
" كذلك قال أبو زرعة الوعلاني والصواب ما تقدم".
يعني: أنه أبو وعلة، وهو مجهول لا يعرف، تفرد بالرواية عنه يحيى بن أبي عمرو السَّيْباني، وأورده البخاري في الكنى من "التاريخ الكبير" 9/78 وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 9/452، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا.

وأما حديث أبي هريرة:

فأخرجه ابن ماجه (7)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/296-297، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (2781)، والطبراني في "الأوسط" (7948)، وأبو نعيم في "الحلية" 9/307 من طريق يحيى بن حمزة، عن أبي علقمة نصر بن علقمة، عن عمير بن الأسود وكثير بن مرة الحضرمي، عن أبي هريرة، مرفوعا:
"لا تزال من أمتي عصابة قوامة على أمر الله عز وجل لا يضرها من خالفها، تقاتل أعداءها، كلما ذهب حرب نشب حرب قوم آخرين، يزيغ الله قلوب قوم ليرزقهم منه، حتى تأتيهم الساعة كأنها قطع الليل المظلم، فيفزعون لذلك حتى يلبسوا له أبدان الدروع"، وقال رسول الله ﷺ: "هم أهل الشام"، ونكت رسول الله ﷺ بإصبعه يومئ بها إلى الشام حتى أوجعها". واللفظ ليعقوب، واقتصر ابن ماجه في روايته إلى قوله: "لا يضرها من خالفها".
وإسناده صحيح.
وقرن يعقوب، وابن أبي عاصم بأبي هريرة: ابن السمط.
وله طرق أخرى عن أبي هريرة، وهي الثالثة:
أخرجه أحمد 2/321 و340 و379، والبزار (8938)، والطبري في "تهذيب الآثار" (1153) – مسند عمر، وابن حبان (6835)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (34)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (171)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" 1/ 137 من طريق محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ، أنه قال:
" لا يزال لهذا الأمر - أو على هذا الأمر - عصابة على الحق، ولا يضرهم خلاف من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله".
وهذا إسناد رجاله ثقات، أبو صالح هو ذكوان السمان، إلا أن محمد بن عجلان، قال الحافظ في ترجمته: "صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث
أبى هريرة".
فلما راجعت "التهذيب" فإذا فيه: "قال يحيى القطان، عن ابن عجلان: كان سعيد المقبري يحدث عن أبى هريرة، وعن أبيه عن أبى هريرة، وعن رجل عن أبى هريرة، فاختلطت عليه فجعلها كلها عن أبى هريرة.
ولما ذكر ابن حبان في كتاب "الثقات" هذه القصة قال: ليس هذا بوهن يوهن الإنسان به، لأن الصحيفة كلها في نفسها صحيحة، وربما قال ابن عجلان: عن سعيد عن أبيه عن أبى هريرة، فهذا مما حمل عنه قديما قبل اختلاط صحيفته، فلا يجب الاحتجاج إلا بما يروى عنه الثقات".
قلت: فالكلام في هذه الصحيفة فقط، وهذا ليس منها فالحديث إسناده صحيح، والله أعلم.
الطريق الرابعة:
أخرجه أبو يعلى (6417)، والطبراني في "الأوسط" (47)، وابن عدي في "الكامل" 7/2545، وتمام في "الفوائد" (1551)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 1 / 254 من طريق إسماعيل بن عياش، عن الوليد بن عباد، عن عامر بن عبد الواحد الأحول، عن أبي صالح الخولاني، عن أبي هريرة، مرفوعا: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة".
وأخرجه القاضي عبد الجبار الخولاني في "تاريخ داريا" (ص 60)، وقال في إسناده: "عن عاصم الأحول، عن أبي مسلم الخولاني!".
وقال ابن عساكر:
"صحّف في إسناده في موضعين قال عاصم الأحول وإنما هو عامر بن
عبد الواحد الأحول البصري وليس بعاصم بن سليمان الأحول وهو بصري نزل المدائن وقال عن أبي مسلم الخولاني وإنما هو أبو صالح".
وقال الطبراني:
"لم يروه عن عامر الأحول إلا الوليد بن عباد، تفرد به إسماعيل بن عياش".
وقال ابن عدي:
"وهذا الحديث بهذا اللفظ ليس يرويه غير ابن عياش عن الوليد بن عباد".
قلت: والوليد بن عباد: مجهول، قاله الذهبي في "المغني"، وفي "الميزان" 4/ 340
وشيخه أبو صالح الخولاني، ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 9/ 43، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل " 9/362-363، وقال:
"روى عن أبي هريرة ومرة بن كعب، روى عنه عامر الاحول والوضين بن عطاء سمعت أبي يقول ذلك".
وقال أبو حاتم:
" لا بأس به".
وقال أبو زرعة:
"روى عنه عامر الأحول لا يعرف اسمه ".
وذكره ابن حبان في "الثقات" 5/ 589.
الطريق الخامسة:
أخرجه اسحاق بن راهويه في "مسنده" (455)، ومن طريقه الطبراني في "مسند الشاميين" (2386) أخبرنا كلثوم، حدثنا عطاء، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال:
"لا يزال من أمتي أمة يجاهدون في سبيل الله لا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يجيء أمر الله وهم ظاهرون".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وفيه ثلاث علل:
الأولى: عطاء الخرساني: صدوق يهم كثيرا ويرسل ويدلس.
الثانية: الانقطاع، فإن عطاء لم يسمع من أبي هريرة.
قال الطبراني:
"لم يسمع من أحد من الصحابة إلا من أنس".
الثالثة: كلثوم بن محمد بن أبي سدرة.
قال الذهبي في "الميزان":
"قال أبو حاتم: يتكلمون فيه.
وقال ابن عدي: كلثوم حلبي، يحدث عن عطاء الخراساني بمراسيل، وعن غيره مما لا يتابع عليه".
الطريق السادسة:
أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (1563) و (2496) عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، عن أبي الجماهر محمد بن عثمان، عن الهيثم بن حميد، عن أبي معيد حفص بن غيلان، عن نصر بن علقمة، عن عبد الرحمن بن عائذ، عن أبي هريرة رفعه:
"لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله، لا يضرها من خالفها، تقاتل أعداء الله، كلما ذهبت حرب نشبت حرب قوم آخرين حتى تأتيهم الساعة".
قلت: وهذا اسناد ضعيف، لأجل شيخ الطبراني.
قال الذهبي في "الميزان" 1/ 151:" له مناكير.
قال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر".
الطريق السابعة:
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 1/257 قرأت بخط أبي الحسين البجلي أخبرني أبو علي محمد بن محمد بن عبد الغني، حدثنا يزيد بن عبد الصمد، حدثنا محمد بن عايذ، حدثنا الهيثم بن حميد، حدثنا يزيد الحميري رفعه إلى
أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها وعلى أبواب بيت المقدس وما حولها لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة ".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، يزيد بن زياد الحميري.
قال الذهبي في "ديوان الضعفاء" (4720):
" مجهول".
وكذا قال الحافظ في "لسان الميزان" 8/494
ولم يترجم لمحمد بن محمد بن عبد الغني إلا ابن عساكر في "تاريخه " 54/128 بقوله:
"محمد بن عبد الغني أبو علي هو محمد بن محمد بن القاسم بن عبد الغني روى عنه أبو الحسين الرازي ونسبه إلى جد أبيه "، وترجم له في موضع آخر 23/ 195 و55/ 193 فذكر جملة ممن روى عنه، وروى عنهم.
الطريق الثامنة:
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 1/257 أخبرنا أبو الفضائل ناصر بن محمد بن علي القرشي، حدثنا علي بن أحمد بن زهير، حدثنا علي بن محمد بن شجاع، أخبرنا أبو الحسن فاتك بن عبد الله المزاحمي بصور، حدثنا أبو القاسم علي بن محمد بن طاهر بصور، حدثنا أبو عبد الملك محمد بن أحمد بن عبد الواحد بن جرير بن عبدوس، حدثنا موسى بن أيوب، حدثنا عبد الله بن قسيم، عن السري بن بزيع، عن السري بن يحيى، عن الحسن، عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ، قال:
"لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على أبواب بيت المقدس وما حولها، وعلى أبواب أنطاكية وما حولها، وعلى باب دمشق وما حولها، وعلى أبواب الطالقان وما حولها، ظاهرين على الحق لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم حتى يخرج الله كنزه من الطالقان فيحيي به دينه كما أميت من قبل".
وقال ابن عساكر:
"وهذا إسناد غريب وألفاظ غريبة جدا".
قلت: علي بن أحمد بن زهير التميمي المالكي الدمشقي.
قال الذهبي في "الميزان" 3/112:
"متأخر، ليس يوثق به.
سمع علي بن الخضر، وابن السمسار.
روى عنه أبو الحسن بن المسلم، ونصر بن مقاتل.
قال أبو القاسم بن صابر: كان غير ثقة.
وقال في "ديوان الضعفاء" (2904):
"ليس بثقة، كثير الخبط".
وأكثر الرواة لم أجد لهم تراجم، والحسن هو البصري، وهو مدلس وقد عنعنه!
الطريق التاسعة:
أخرجه نعيم بن حماد في "الفتن" (1660) حدثنا الحكم بن نافع، عن جراح، عن أرطاة، عمن حدثه عن كعب، قال: قال أبو هريرة، وعبد الله بن عمرو:
"ثم يرسل الله بعد يأجوج ومأجوج ريحا طيبة فتقبض روح عيسى وأصحابه، وكل مؤمن على وجه الأرض.
قال عبد الله بن عمرو: يبقى بقايا الكفار وهم شرار الخلق من الأولين والآخرين مائة سنة.
وقال أبو هريرة: ليس للكفار بقاء بعد المؤمنين حتى تقوم عليهم الساعة، وذلك لقول رسول الله ﷺ: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على الحق قائمين بأمر الله، لا يضرهم خلاف من خالفهم، كلما ذهب حزب نشأ آخرون، حتى تقوم الساعة".
وإسناده ضعيف، فيه من أبهم، ولا أدري مَن كعب؟!
الطريق العاشرة:
أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (2373) عن هشيم، قال: أخبرنا سيار، عن جبير بن عبيدة، أراه عن أبي هريرة، قال:
"لا تبرح هذه الأمة يجاهدون في سبيل الله ابتغاء مرضات الله منصورين أينما توجهوا، يقذف بهم كل مقذف، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".
وإسناده ضعيف، جبير بن عبيدة: مجهول.

وأما حديث عمر بن الخطاب:

فأخرجه الطيالسي (38)، ومن طريقه الدارمي (2433)، وكذا الطبري في "تهذيب الآثار" (1144) – مسند عمر، والبخاري في "التاريخ الكبير" 4/12، وابن الأعرابي في "المعجم" (1307)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (913)، والحاكم 4/449 عن همام، عن قتادة، عن ابن بريدة، عن سليمان ابن الربيع العدوي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" وأقره الذهبي!
قلت: الحديث منقطع، ورجال إسناده ثقات سوى سليمان بن الربيع العدوي: ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 4/117، وقال:
"سليمان بن الربيع العدوي بصري روى عن عمر بن الخطاب روى عنه عبد الله بن بريدة، ويقال سليمان بن الربيع، وحجير بن الربيع، وحريث بن الربيع إخوة سمعت أبي يقول ذلك".
وذكره ابن حبان في "الثقات" 4/309
وقال البخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 12:
"ولا يعرف سماع قتادة من ابن بريدة ولا ابن بريدة من سليمان".
وأعلّه الألباني في "الصحيحة" (1956) بــ (سليمان العدوي) بقوله: "لم أعرفه!".
وقد ترجم له البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، ووثقه ابن حبان، وهو يمشّي مَنْ كان هذا حاله لكن الصحيح أن الراوي لا يخرج بهذا عن حيّز الجهالة، نعم ترتفع عنه جهالة العين بهذا فقط وتبقى جهالة حاله.
وعليه فالحديث فيه علتان:
الأولى: جهالة حال سليمان العدوي.
والثانية: الانقطاع كما تقدم عن البخاري.
وله طريق أخرى عن عمر بن الخطاب:
أخرجه الحاكم 4/522 و593 أخبرني أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، أنبأ صالح بن محمد بن حبيب الحافظ، حدثنا عبد الله بن عمر بن ميسرة، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن أبي الأسود الديلي، قال: انطلقت أنا وزرعة بن ضمرة الأشعري، إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلقينا عبد الله بن عمرو، فقال: يوشك ألا يبقى في أرض العجم من العرب إلا قتيل أو أسير يحكم في دمه، فقال زرعة: أيظهر المشركون على الإسلام؟
فقال: ممن أنت؟ قال: من بني عامر بن صعصعة، فقال: لا تقوم الساعة حتى تدافع نساء بني عامر على ذي الخلصة - وثن كان يسمى في الجاهلية - قال: فذكرنا لعمر بن الخطاب قول عبد الله بن عمرو، فقال عمر ثلاث مرار:
عبد الله بن عمرو أعلم بما يقول، فخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الجمعة، فقال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول:
"لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين حتى يأتي أمر الله"، قال: فذكرنا قول عمر لعبد الله بن عمرو، فقال: صدق نبي الله ﷺ إذا كان ذلك كالذي قلت".
وقال الحاكم:
"على شرط البخاري ومسلم" وأقره الذهبي!
قلت: لا أدري مَنْ هذا عبد الله بن عمر بن ميسرة، ولعلّ الصواب عبيد الله ابن عمر بن ميسرة الجشمي مولاهم القواريري أبو سعيد، يروي عن معاذ بن هشام وهو من رجال الشيخين وجاء على الصواب عند الضياء في "المختارة" (142)، ومَنْ فوقه كلهم من رجال الشيخين، وأما شيخ الحاكم فقد ذكره الخليلي في "الإرشاد" 3/974 بقوله:
"أبو النصر أحمد بن سهل البخاري الفقيه ثقة، متفق عليه، روى عنه حفاظ بخارى، وحدثنا عنه الحاكم أبو عبد الله، وأثنى عليه".
وأما شيخ شيخه فقد ترجم له ابن قُطْلُوْبَغَا في "الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة" 5/300 بقوله:
"حافظ ذهن، عالم بهذا الشأن، أخذه عن ابن معين، انتقل إلى بخارى، ومات بها...".
وله طريق أخرى عن معاذ بن هشام:
أخرجه الضياء في "المختارة" (141) من طريق أبي يعلى الموصلي، حدثنا أبو خيثمة حدثنا معاذ بن هشام به.
وأخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (1145) من طريق إسماعيل بن عياش، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: حدثنا عبد الله بن أبي الأسود، قال: انطلقنا أنا وزرعة بن ضمرة، وعبد الله بن قيس حاجين، فجلسنا إلى ابن عمر، فقال: لا تقوم الساعة حتى لا يبقى في أرض العجم من العرب إلا أسير أو قتيل يحكمون في دمه ... فذكر نحوه.
وإسماعيل بن عياش الشامي: ضعيف في روايته عن غير أهل بلده، وروايته هنا عن ابن أبي عروبة البصري، وقد اضطرب في إسناده، فقد أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (1146) من طريقه قال: حدثني نافع بن عامر، وسعيد بن بشير، عن قتادة، قال: أنبأنا عبد الله بن أبي الأسود، عن عمر عن رسول الله ﷺ مثله.
وما أدري مَنْ عبد الله بن أبي الأسود، ولا نافع بن عامر.
وأما سعيد بن بشير الأزدي فضعيف، وقد تصحّف فيه ابن عمرو إلى ابن عمر!
والصحيح حديث معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي الأسود الديلي.

وأما حديث معاوية:

فله عنه ستة طرق:
الطريق الأولى:
أخرجه مسلم (1037)، وأحمد 4/ 93، والطبري في "تهذيب الآثار" (1147)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم "(ص 19) من طريق جعفر وهو ابن برقان، حدثنا يزيد بن الأصم، قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان، ذكر حديثا رواه عن النبي ﷺ، لم أسمعه روى عن النبي ﷺ على منبره حديثا غيره، قال: قال رسول الله ﷺ:
"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم، إلى يوم القيامة ".
الطريق الثانية:
أخرجه أحمد 4/ 97 و99، والطبري في "تهذيب الآثار" (1150)، والطبراني (869) و (870) من طريق عبد الله بن عامر اليحصبي، قال: سمعت معاوية ابن أبي سفيان، يقول: سمعت النبي ﷺ، يقول:
"لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا مَنْ خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس".
الطريق الثالثة:
أخرجه البخاري (71) و (3116) و (7312)، ومسلم (1037)، وأحمد 4/ 101، والدارمي 1/73-74، والطبري في "تهذيب الآثار" (1148) و (1149) والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (1683)، والطبراني (756)، وابن حبان (89)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" 1/7، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (ص 18 و19) يزيد بعضهم على بعض من طرق عن يونس، عن الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، أنه سمع معاوية يقول: قال رسول الله ﷺ:
"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، والله المعطي، وأنا القاسم، ولا تزال هذه الأمة ظاهرين على من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون ".
الطريق الرابعة:
أخرجه البخاري (3641) و (7460)، ومسلم (1037)، وأحمد 4/ 101، وأبو يعلى (7383)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/297،
وأبو يعلى (7383)، والطبري في "تهذيب الآثار" (1151)، وأبو نعيم في "الحلية" 5/158-159، والطبراني (899): من طريق عمير بن هانئ، أنه سمع معاوية، يقول: سمعت النبي ﷺ، يقول:
"لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك".
قال عمير: فقال مالك بن يخامر: قال معاذ: وهم بالشَّأْم، فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول: وهم بالشَّأْم " واللفظ للبخاري.
الطريق الخامسة:
أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (1152) حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد ابن سعيد الهمداني، قال: حدثنا أبي، عن بيان، عن قيس، قال: سمعت معاوية ابن أبي سفيان، يقول: سمعت النبي ﷺ، يقول:
"لا يزال هذا الدين ظاهرا على كل ما ناوأه وخالفه، لا يضره شيء أبدا".
واسناده ضعيف جدًا، فيه عمر بن اسماعيل وهو متروك.
الطريق السادسة:
أخرجه ابن ماجه (9) من طريق القاسم بن نافع قال: حدثنا الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال: قام معاوية، خطيبا فقال: أين علماؤكم؟ أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله ﷺ، يقول:
"لا تقوم الساعة إلا وطائفة من أمتي ظاهرين على الناس، لا يبالون من خذلهم ولا من نصرهم".
قلت: وهذا اسناد ضعيف فإن القاسم بن نافع: مستور، وشيخه الحجاج بن أرطأة: صدوق كثير الخطأ والتدليس، أحد الفقهاء.

وأما حديث زيد بن أرقم:

فأخرجه الطيالسي (689)، وعنه أحمد 4/369، وعبد بن حميد (268)، والبزار (4297)، والطبراني 5/ (4967) حدثنا شعبة، عن أبي عبد الله الشامي، قال: سمعت معاوية يقول أخبرني الأنصاري، يعني زيد بن أرقم، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا تزال طائفة من أمتي على الحق".
قال: فإني لأرجو أن تكونوا أنتم هم يا أهل الشام.
وقال البزار:
"لا نعلم روى معاوية عن زيد إلا هذا، وأبو عبد الله لا نعلم أحدا سماه، ولا رواه إلا شعبة".
وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/287، وقال:
"رواه أحمد والبزار والطبراني، وأبو عبد الله الشامي ذكره ابن أبي حاتم، ولم يجرحه أحد، وبقية رجاله رجال الصحيح".

وأما حديث عمران بن حصين:

فأخرجه أبو داود (2484)، وأحمد 4/ 429 و437، وحنبل في "الفتن" (11) و (12)، والطبراني (228)، والبزار (3524)، والدولابي في "الكنى" (1158)، والطبري في "تهذيب الآثار" (1159) و (1160) – مسند عمر، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (ص 177)، والحاكم 2/ 71 و 4/ 450، والخطيب في "شرف أصحاب الحديث" (46)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (168) و (169) من طريق قتادة، عن مطرف بن عبد الله الشخير، عن عمران بن حصين، أن رسول الله ﷺ، قال:
"لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، على من ناوأهم حتى يأتي أمر الله، وينزل عيسى ابن مريم " والسياق لأحمد، وزاد الطبري: "فكانوا يرون أنهم من أهل الشام".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه " وأقره الذهبي.
وله طريق أخرى عن مطرف بن عبد الله:
أخرجه أبو عوانة (7513)، والروياني في "مسنده" (118) من طريقين عن حماد بن زيد، عن سعيد الجريري، عن مطرف بن عبد الله، قال:
قال عمران بن حصين رضي الله عنه: أحدثك حديثا سمعت النبي ﷺ، يقول:
"لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين حتى تقوم الساعة".
قال مطرف: فنظرت في هذه العصابة فإذا هم أهل الشام.
وهذا إسناد صحيح.
وله طريق أخرى عنه:
أخرجه الطبراني 18/ (254) حدثنا محمد بن حمويه (كذا، والصواب: محمويه) الجوهري الأهوازي، حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق العلوي، حدثنا بكر ابن يحيى بن زبان، حدثنا حسان بن إبراهيم، عن محمد بن عبد الله، عن
عبد الرحمن بن مورق، عن ابن الشخير، عن عمران بن حصين، عن رسول الله ﷺ، قال:
"إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمادون، ثم لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون من ناوأهم من أهل الشرك حتى يقاتلون الدجال".
وإسناده ضعيف، فيه مَنْ لم يُعرف.
قال الهيثمي في "المجمع"10 /95:
"رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه".
وأخرجه الطبراني (211) حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا محمد، عن أبي مسعود الجريري، عن ابن الشخير، عن عمران بن حصين أنه قال: اعلم أن رسول الله ﷺ أعمر طائفة من أهله في العشر من ذي الحجة، فلم ينه عنها رسول الله ﷺ، ولم تنزل آية نسختها حتى توفي رسول الله ﷺ، وقال رسول الله ﷺ:
"لا تزال طائفة من أهل الإسلام يقاتلون على الإسلام ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتلون الدجال".
قلت: أحمد بن المعلى الدمشقي: صدوق كما في "التقريب".
واسماعيل بن عياش: صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم، ولا أدري مَنْ هو شيخه محمد في هذا الإسناد!

وأما حديث سلمة بن نفيل:

فأخرجه النسائي (3561)، وفي "الكبرى" (4386) من طريق مروان وهو ابن محمد، قال: حدثنا خالد بن يزيد بن صالح بن صبيح المري، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة، عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي، عن جبير بن نفير، عن سلمة بن نفيل الكندي، قال:
"كنت جالسا عند رسول الله ﷺ، فقال رجل: يا رسول الله، أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله ﷺ بوجهه، وقال: كذبوا، الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفنادا، يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشام".
وهذا إسناد صحيح.
وتابع خالد بن يزيد: هانئ بنُ عبد الرحمن:
أخرجه الطبراني 7/ (6357) من طريق العباس بن إسماعيل، حدثنا هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة، عن عمه إبراهيم بن أبي عبلة، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير، عن سلمة بن نفيل، قال: كنت جالسا عند النبي ﷺ، فقال: "يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث، وأنكم متبعي أفنادا، يضرب بعضكم رقاب بعض، ولا يزال من أمتي ناس يقاتلون على الحق، ويزيغ الله بهم قلوب أقوام، ويرزقهم الله منهم، حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله".
وأخرجه الطبراني 7/ (6358) من طريقين عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي بنحوه.
إسناد الأول منهما حسن، والثاني فيه بكر بن سهل، قال فيه الذهبي من "الميزان" 1/346:
"حمل الناس عنه، وهو مقارب الحال، قال النسائي: ضعيف".
وأخرجه النسائي في "الكبرى" (8659) من طريق أبي علقمة نصر بن علقمة، عن جبير بن نفير الحضرمي، عن سلمة بن نفيل به.
وقال الحافظ في "التهذيب" 10 / 429:
"قال ابن أبى حاتم عن أبيه: نصر بن علقمة عن جبير بن نفير مرسل".

وأما حديث عقبة بن عامر:

فأخرجه مسلم (1924)، والروياني في "مسنده" (192)، وابن حبان 15/250، والطبراني (869) من طريق يزيد بن أبي حبيب، حدثني عبد الرحمن بن شماسة المهري، قال: كنت عند مسلمة بن مخلد، وعنده عبد الله ابن عمرو بن العاص، فقال عبد الله: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم، فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر، فقال له مسلمة: يا عقبة، اسمع ما يقول عبد الله، فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله ﷺ، يقول:
"لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك".
فقال عبد الله: "أجل ثم يبعث الله ريحا كريح المسك مسها مس الحرير، فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة".

وأما حديث قرة بن إياس:

فأخرجه الترمذي (2192)، وابن ماجه (6)، وأحمد 3/ 436 و 5/ 34 و 35، وفي "فضائل الصحابة" (1722)، والطيالسي (1172)، وابن أبي شيبة 12/190، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (1076)، وسعيد بن منصور في "سننه" (2375)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/295 و296، والروياني في "مسنده" (946) و (949)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1101)، والبزار (3303)، وابن حبان (61) و (6834) و (7302) و (7303)، وابن قانع في "معجم الصحابة" 2/ 357، والطبراني 19/ (55) و (56)، والإسماعيلي في "معجم شيوخه" (306)، والخطيب 8/417- 418، و10/182، وفي "شرف أصحاب الحديث" (8) و (11) و (39) و (40) و (45)، والحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص 2)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (172) تاما ومختصرا من طرق عن شعبة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله ﷺ:
"إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة".
وفي لفظ " إذا هلك أهل الشام فلا خير فيكم".
وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح ... قال محمد بن إسماعيل - يعني البخاري - قال علي بن المديني: هم أصحاب الحديث".
وأخرجه مختصرا أبو نعيم في "الحلية" 7/230 من طريق مسعر، عن إياس بن معاوية، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله ﷺ:
"إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم".
وقال أبو نعيم:
"مشهور من حديث إياس، غريب من حديث مسعر".
وقال الحاكم:
"سمعت أبا عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الآدمي بمكة، يقول: سمعت موسى بن هارون، يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: وسئل عن معنى هذا الحديث، فقال: إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم.
قال أبو عبد الله: وفي مثل هذا قيل: من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحق فلقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث، ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا محجة الصالحين، واتبعوا آثار السلف من الماضين ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أجمعين من قوم آثروا قطع المفاوز والقفار على التنعم في الدمن والأوطار وتنعموا بالبؤس في الأسفار، مع مساكنة العلم والأخبار، وقنعوا عند جمع الأحاديث والآثار بوجود الكسر والأطمار، قد رفضوا الإلحاد الذي تتوق إليه النفوس الشهوانية، وتوابع ذلك من البدع والأهواء والمقاييس والآراء والزيغ جعلوا المساجد بيوتهم، وأساطينها تكاهم، وبواريها فرشهم".

وأما حديث جابر بن سمرة:

فأخرجه مسلم (1922)، وأحمد 5/ 92 و 103 و 105، والطيالسي (792)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 1/281-282، والبزار (4246)، وأبو عوانة (7498) و (7499)، وابن حبان (6837)، والحاكم 4/ 449، والطبراني 2/ (1891) و (1922) و(1996) و (2011)، والبغوي في "شرح السنة" (4012) من طرق عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عن النبي ﷺ أنه قال:
"لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط مسلم!".
وفاته أنه عند مسلم!
وأخرجه أحمد 5/ 106 حدثنا معاوية بن عمرو، وأحمد أيضا 5/ 108 حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، كلاهما عن زائدة، حدثنا سماك، عن جابر بن سمرة، قال: نبئت أن النبي ﷺ قال:
"لن يبرح هذا الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة".
وأخرجه الطبراني 2/ (1931) من طريق حسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن سماك بن حرب، عن جابر، أن النبي ﷺ: فذكره.
وأخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائده" على "المسند" 5/ 98 من طريق أسباط، عن سماك، عن جابر بن سمرة، عمن حدثه به.

وأما حديث سعد بن أبي وقاص:

فأخرجه البزار (1216) حدثنا أبو كريب، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (35)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (170)، والهروي في "ذم الكلام" (664) من طريق أحمد بن عبد الجبار العطاردي، والهروي في "ذم الكلام" (664) من طريق عثمان بن أبي شيبة، ثلاثتهم عن أبي معاوية الضرير، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الدين عزيزة إلى يوم القيامة".
ولفظ البزار "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة".
وقال البزار:
"وهذا الحديث لا نعلم أحدا رواه عن إسماعيل، عن قيس، عن سعد إلا أبو معاوية، ورواه غير أبي معاوية، عن إسماعيل، عن قيس، عن المغيرة بن شعبة".
وقال الهروي:
"صوابه المغيرة بن شعبة".
وله طريق أخرى عن سعد بن أبي وقاص:
أخرجه مسلم (1927) من طريق هشيم، عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة".
كذا في أكثر نسخ "صحيح مسلم"، وفي بعضها: "أهل المغرب".
وهو الذي اعتمده المتقي الهندي في "كنز العمال" 12/ 304 إذ قال: "لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة" م - عن سعد".
ولعلّه أقرب إلى الصواب فقد أخرجه أبو عوانة (7510) و(7511) من طريق سعيد بن سليمان، وسعيد بن منصور، وخضر بن محمد: ثلاثتهم عن هشيم، عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان النهدي، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة".
وأخرجه الدورقي في "مسند سعد" (116) حدثنا محمد بن الصّبّاح، حدثنا هشيم، حدثنا داود بن أبي هند، حدثنا أبو عثمان النهدي، عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا تزال العرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة".
كذا بالعين المهملة، وبه فسّره علي بن المديني كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وأخرجه أبو العرب القيرواني في "طبقات علماء إفريقيا" حدثني محمد بن بسطام الضبي، عن الحسن.. أحمد بن صالح، قال: حدثنا محمد بن الصّبّاح، عن هشيم بن بشير الواسطي، عن داود بن أبي هند، عن عبد الرحمن بن مَلٍّ النهدي، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ".
قلت: وهذه الطريق لا تعكّر على رواية محمد بن الصّبّاح، لأن الطريق إليه ضعيفة، في إسنادها محمد الضبي: وهو مجهول.
وتابع هُشيمًا: عبدُ الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، وشعبةُ، وعمر بن حبيب:
فأما متابعة عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي:
فأخرجها نعيم بن حماد في "الفتن" (1676) حدثنا هشيم، وعبد الوهاب، عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة".
وأخرجه أبو العرب القيرواني في "طبقات علماء إفريقيا" عن يحيى بن عمر، قال: حدثنا حرملة بن يحيى، عن نعيم بن حماد، عن عبد الوهاب بن الصلت الثقفي به، بلفظ: "أهل المغرب"، والطريق إلى نعيم فيها مجهول وهو شيخ أبي العرب القيرواني، وقد تقدمت طريق نعيم بن حماد نفسه في كتابه " الفتن" بلفظ: " الغرب".
وأخرجه البزار (1222)، وأبو يعلى (783) من طريق عبد الوهاب، عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سعد، قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة".
وقال:
"وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن سعد إلا بهذا الإسناد".
وأخرجه السهمي في "تاريخ جرجان" 1/ 466 من طريق أحمد بن حفص السعدي، حدثنا موسى بن عمر بن علي، قاضي جرجان، حدثنا مسدد بن مسرهد البصري، حدثنا عبد الوهاب به، بلفظ: "لا يزال العرب ظاهرين.. الحديث".
قلت: وفي إسناده أحمد بن حفص السعدي: منكر الحديث، وشيخه موسى بن عمر بن علي: مجهول!
وأما متابعة شعبة:
فأخرجها أبو عوانة تحت الحديث رقم (7511)، والداني في "السنن الواردة في الفتن" (362) من طرق عن عمرو بن حكَّام، قال: حدثنا شعبة، عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان النهدي، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال
رسول الله ﷺ:
"لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة".
وأخرجه الشاشي في "مسنده" (159)، وابن الأعرابي في "المعجم" (298) عن محمد بن شاذان، عن عمرو بن حكَّام، حدثنا شعبة، عن داود بن أبي هند، عن أبي عثمان، عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله ﷺ:
"لا يزال أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة".
وأخرجه ابن الأعرابي عن إبراهيم بن صالح أبي إسحاق الشيرازي، حدثنا عمرو ابن حكام، حدثنا شعبة به، بلفظ: "العرب".
قلت: ومدار متابعة شعبة على عمرو بن حكّام وهو متروك الحديث، ترك حديثه الأئمة، فتُطرح روايته وكأنه لا وجود لها!
وأما متابعة عمر بن حبيب:
فأخرجها أبو نعيم في " الحلية " 3/ 95-96 من طريق محمد بن يونس الكديمي، قال: حدثنا عمر بن حبيب، قال: حدثنا داود بن أبي هند، عن أبي عثمان النهدي، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول:
"لا يزال أهل المغرب ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة".
وقال أبو نعيم:
"هذا حديث ثابت مشهور رواه عن داود، الأئمة منهم: شعبة، وابن عيينة، وغيرهما، لم نكتبه عاليا إلا من حديث عمر بن حبيب عنه".
قلت: وفي إسناده الكديمي: اتهم بالوضع!
وجملة القول في هذا أن الحديث ثابت عن هشيم بلفظ: "المغرب"، فقد اتفق ثلاثة من الثقات عنه به، وهو بهذا اللفظ في بعض نسخ "صحيح مسلم"، وقد اعتمده المتقي الهندي في "الكنز"، والمراد به الجهة، وبهذا تكون موافقة لرواية الغرب، وأما رواية "العرب" فلا تخالف رواية "المغرب"، و"الغرب"، لأن العرب هم غالب تلك الجهة، وقد فسّره بهذا الإمام علي بن المديني.
قال القرطبي في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" 12/ 63:
"وقد اختلف من هذه الطائفة، وأين هم؟ فقال علي بن المديني: هم العرب، واستدل برواية من روى "وهم أهل الغرب"، وفسَّر "الغرب" بالدلو العظيمة. 
وقيل: أراد بالغرب: أهل القوة، والشدَّة، والحدّ، وغرب كل شيء حدَّه.
وقيل: أراد به غرب الأرض، وهو ظاهر حديث سعد بن أبي وقاص، وسعد بن مالك! وقد روى الدارقطني في "فوائده" حديث سعد بن أبي وقاص، وقال فيه:
"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب حتى تقوم السَّاعة"، ورواه عبد بن حميد الهروي، وقال فيه: "لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم السَّاعة، أو يأتي أمر الله"، ورواه بقي بن مخلد في "مسنده" كذلك: "لا يزال أهل المغرب" كذلك.
قال القرطبي: وهذه الروايات تدل على بطلان التأويلات المتقدَّمة، وعلى أن المراد به أهل المغرب في الأرض، لكن أول المغرب بالنسبة إلى المدينة - مدينة النبي ﷺ إنما هو الشام، وآخره: حيث تنقطع الأرض من المغرب الأقصى وما بينهما، كل ذلك يقال عليه: مغرب، فهل أراد المغرب كله، أو أوله؟
كل ذلك محتمل، لا جرم قال معاذ في الحديث الآخر: "هم أهل الشام"، ورواه الطبري وقال: "هم ببيت المقدس"، وقال أبو بكر الطرطوشي في رسالة بعث بها إلى أقصى المغرب، بعد أن أورد حديثًا في هذا المعنى، قال - والله تعالى أعلم -: هل أرادكم رسول الله ﷺ، أو أراد بذلك جملة أهل المغرب، لما هم عليه من التمسُّك بالسُّنة والجماعة، وطهارتهم من البدع والإحداث في الدِّين، والاقتفاء لآثار من مضى من السَّلف الصالح؟ والله تعالى أعلم ".

سياق الحديث

"إن ربي زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال لي: يا محمد، إني إذا قضيت قضاء، فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها - أو قال بأقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضا، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي" (1)
[لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله، وهم ظاهرون] (2)
[والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفنادا، يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشام] (3)
[من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم، إلى يوم القيامة] (4)
[قوامة على أمر الله عز وجل لا يضرها من خالفها، تقاتل أعداءها، كلما ذهب حرب نشب حرب قوم آخرين، يزيغ الله قلوب قوم ليرزقهم منه، حتى تأتيهم الساعة كأنها قطع الليل المظلم، فيفزعون لذلك حتى يلبسوا له أبدان الدروع"، وقال رسول الله ﷺ: "هم أهل الشام"، ونكت رسول الله ﷺ بإصبعه يومئ بها إلى الشام حتى أوجعها] (5)
[قال: "فينزل عيسى ابن مريم ﷺ، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة"] (6).


شرح الحديث


الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية الموعودة بالنصر في الدنيا، وبالنجاة من عذاب الآخرة: هي الملازمة للجماعة، وهي الملازمة لما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه، ولهذا تنوّعت أسماء هذه الفئة إلى عدة أسماء:
فهم أهل السنة والجماعة، باعتبار أن النبي ﷺ نصّ على أنها الجماعة، وأنها على مثل ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه من الأمر العتيق، وهم الفرقة الناجية من النار من بين ثلاث وسبعين فرقة، وهم الطائفة المنصورة لأنهم المتمسكون بالحق حتى تقوم الساعة، فالحق الذي عليه الفرقة الناجية وتميّزت به من بين ثلاث وسبعين فرقة ما كان عليه الأمر الأول، فهم الفرقة الموعودة بالنجاة من النار، ووصفها النبي ﷺ بأنها منصورة، فهذه أسماء لشيء واحد ولمسمى واحد ولطائفة واحدة، فيقال أهل السنة والجماعة، والطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، وهم الغرباء وهذه أسماء متقاربة متحدة الدلالة، وفي المعنى بعضها يدل على الآخر .
إذا تبين لك ذلك فإن هذه الفئة والطائفة لا شك أنها وُصفت بأنها على الجماعة، وأنها ملازمة لطريق النبي ﷺ ولطريق صحابته، وأنها على الحق، وهذا يدل على أنها لم تبدل في دينها عما كان عليه الرسول ﷺ وصحابته الأخيار رضي الله عنهم أجمعين، وهذا هو الأصل العظيم في معرفة الصلة الكبرى التي تندرج تحتها جميع السمات والصفات والخصائص في أنهم يلازمون طريقة النبي ﷺ وهديه وسنته وهدي الصحابة وطريقة الصحابة.
فقول النبي ﷺ ( لا تزال طائفة من أمتي ) فيه دليل على أنّها فئـة من الأمّة وليست كل الأمّة، وقول النبي ﷺ ( لا يضرهم من خالفهم ) يدلّ أن هناك فرقا أخرى تخالف الطائفة المنصورة فيما هم عليه من أمر الدين، وهذا كذلك يوافق مدلول حديث الافتراق، حيث إن الفرق الثنتين والسبعين تخالف الفرقة الناجية فيما هم عليه من الحق، وإن أهل الحديث هم الفرقة التي تعظم السنة وتقوم على نشرها، وتعتقد عقيدة أصحاب النبي ﷺ، وترجع في فهم دينها إلى الكتاب والسنة على فهم خير القرون، فكانت هذه الفرقة هي الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، والتي ذكر كثير من الأئمة أنها المقصودة في قوله ﷺ " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".
وقد جاء في أوصافهم الشيء الكثير من كلام الأئمة المتقدمين والمتأخرين، ويمكن أن نختار منها ما يلي:
قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص 2):
"سمعت أبا عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الآدمي بمكة، يقول: سمعت موسى بن هارون، يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: وسئل عن معنى هذا الحديث، فقال: إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم.
قال أبو عبد الله: وفي مثل هذا قيل: من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحق، فلقد أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يرفع الخذلان عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث، ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا محجة الصالحين، واتبعوا آثار السلف من الماضين ودمغوا أهل البدع والمخالفين بسنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أجمعين من قوم آثروا قطع المفاوز والقفار على التنعم في الدمن والأوطار وتنعموا بالبؤس في الأسفار، مع مساكنة العلم والأخبار، وقنعوا عند جمع الأحاديث والآثار بوجود الكسر والأطمار، قد رفضوا الإلحاد الذي تتوق إليه النفوس الشهوانية، وتوابع ذلك من البدع والأهواء والمقاييس والآراء والزيغ جعلوا المساجد بيوتهم، وأساطينها تكاهم، وبواريها فرشهم".
وقال الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (ص 15):
"وقد جعل الله تعالى أهله - يعني : أهل الحديث - أركان الشريعة وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله من خليقته، والواسطة بين النبي ﷺ وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته، أنوارهم زاهرة، وفضائلهم سائر، وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحججهم قاهرة، وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه أو تستحسن رأيا تعكف عليه سوى أصحاب الحديث فإن الكتاب عدتهم، والسنَّة حجتهم، والرسول فئتهم، وإليه نسبتهم، لا يعرجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء، يقبل منهم ما رووا عن الرسول، وهم المأمونون عليه والعدول، حفظة الدين وخزنته، وأوعية العلم وحملته، إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع، فما حكموا به فهو المقبول المسموع، ومنهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارئ متقن، وخطيب محسن، وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر، من كادهم قصمه الله، ومن عاندهم خذله الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله على نصرهم لقدير".
وقال ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" (ص 127):
"أما أصحاب الحديث فإنهم التمسوا الحق من وجهته، وتتبعوه من مظانه، وتقرّبوا من الله تعالى باتباعهم سنن رسول الله ﷺ وطلبهم لآثاره وأخباره برًّا وبحرًا وشرقـًا وغربـًا، يرحل الواحدُ منهم راجلاً مقويـًّا في طلب الخبر الواحد أو السنة الواحدة حتى يأخذها من الناقل لها مشافهة، ثم لم يزالوا في التنقير عن الأخبار والبحث لها حتى فهموا صحيحَها وسقيمها وناسخها ومنسوخها، وعرفوا من خالفها من الفقهاء إلى الرأي، فنبّهوا على ذلك حتى نجم الحق بعد أن كان عافيـًا، وبسق بعد أن كان دارسـًا، واجتمع بعد أن كان متفرِّقـًا، وانقاد للسنن من كان عنها معرضـًا، وتنبّه لها من كان عنها غافلاً، وحكم بقول رسول الله ﷺ بعد أن كان يحكم بقول فلان وفلان، وإن كان فيه خلاف على رسول الله ﷺ تمييز الأحاديث الموضوعة للتحذير منها، وقد يعيبهم الطاعنون بحملهم الضعيف، وطلبهم الغرائب، وفي الغريب الداء ، ولم يحملوا الضعيف والغريب لأنهم رأوهما حقـًّا، بل جمعوا الغثّ والسمين، والصحيح والسقيم، ليميزوا بينهما، ويَدُلُّوا عليهما، وقد فعلوا ذلك".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى " 3 / 347 - 348:
"وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله ﷺ، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها، وأئمتهم فقهاء فيها، وأهل معرفة بمعانيها، واتباعا لها: تصديقا وعملا وحبّا وموالاة لمن والاها ومعاداة لمن عاداها، الذين يروون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول، بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه، وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف، فما كان من معانيها موافقاً للكتاب والسنَّة أثبتوه، وما كان منها مخالفا للكتاب والسنَّة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس، فإن اتباع الظن جهل، واتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم".
وقال أيضا كما في "مجموع الفتاوى" 4/ 26:
"وإذا كانت سعادة الدنيا والآخرة هي باتباع المرسلين، فمن المعلوم أن أحق الناس بذلك: هم أعلمهم بآثار المرسلين، وأتبعهم لذلك فالعالمون بأقوالهم وأفعالهم المتبعون لها: هم أهل السعادة في كل زمان ومكان، وهم الطائفة الناجية من أهل كل ملة، وهم أهل السنة والحديث من هذه الأمة فإنهم يشاركون سائر الأمة فيما عندهم من أمور الرسالة ويمتازون عنهم بما اختصوا به من العلم الموروث عن الرســول ممـا يجهلــه غيرهـم أو يكذب به، والرسل -صلوات الله وسلامه عليهم - عليهم البلاغ المبين وقد بلغوا البلاغ المبين، وخاتم الرسل محمد أنزل الله كتابه مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، فهو الأمين على جميع الكتب، وقد بلغ أبين البلاغ وأتمه وأكمله، وكان أنصح الخلق لعباد الله، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، وعبد الله حتى أتاه اليقين، فأسعد الخلق وأعظمهم نعيما وأعلاهم درجة: أعظمهم اتباعا وموافقة له علما وعملا".
وقال أيضا كما في "مجموع الفتاوى" 4 /95:
"ونحن لا نعني بأهل الحديث المقتصرين على سماعه أو كتابته أو روايته بل نعني بهم: كل من كان أحق بحفظه ومعرفته وفهمه ظاهرا وباطنا واتباعه باطنا وظاهرا وكذلك أهل القرآن، وأدنى خصلة في هؤلاء محبة القرآن والحديث، والبحث عنهما وعن معانيهما والعمل بما علموه من موجبهما ".
وقال البخاري: 
"هم أهل العلم".
وذكر كثير من العلماء أن المقصود بالطائفة المنصورة هم أهل الحديث.
وقال النووي:
"ويحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين: منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فـقـهـاء، ومنهم محدّثون، ومنهم زهّاد، وآمرون بالمعروف وناهـون عن المنكر ومنهم أنواع أخرى من الخي".
وقال أيضا:
"يجوز أن تكون الطائفة جماعة متعددة من أنواع المؤمنين، ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدّث ومفسّر وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد".
وقال الحافظ:
"ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد بل يجوز اجتماعهم في قطر واحد وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد وأن يكونوا في بعض منه دون بعض، ويجوز إخلاء الأرض كلها من بعضهم أولاً أولاً، إلى أن لا يبقى إلا فرقة واحدة ببلد واحد فإذا انقرضوا جاء أمر الله ".
ولا شك أن المشتغلين بعلوم الشريعة من عـقيدة وفقه وتفسير وتعلم وتعليم ودعوة وتطبيق، إذا كانوا متابعين في علومهم الحديث، فإنهم من أهله، فكل مَنْ ينصر ويحب أهل الحديث ويسلك سبيلهم في الدعوة والتعلّم والتعليم يكون منهم، وإن من أولى القوم بصفة الطائـفة المنصورة هم القائمون بالدعوة والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرد على أهل البدع إذ إن ذلك كله لابد أن يـقترن بالعلم الصحيح المأخوذ من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، فالفرقة المنصورة هي القائمة بأمر الله، المستقيمة على دين الله، وإن من علامات أهل البدع بغض أهل الحديث ومنهجهم، والتَّنَكُّب عن طريقتهم.
قال أحمد بن الحسن الترمذي للإمام أحمد: " يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه فقال: زنديق، زنديق، زنديق، ودخل بيته".
وعن الأوزاعي وغيره: أن من علامة المبتدعة عدم انقيادهم للحديث.
قال أحمد بن سنان القطان:
"ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يُبْغِضُ أهل الحديث، وإذا ابتدع الرجل، نُزِعَ حلاوة الحديث من قلبه".
وقال اللالكائي في "شرح الاعتقاد" 1/ 23:
"فلم نجد في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وآثار صحابته إلا الحث على الاتباع، وذم التكلف والاختراع، فمن اقتصر على هذه الآثار، كان من المتبعين، وكان أولاهم بهذا الاسم، وأحقهم بهذا الوسم، وأخصهم بهذا الرسم أصحاب الحديث، لاختصاصهم برسول الله ﷺ، واتباعهم لقوله، وطول ملازمتهم له، وتحملهم علمه، وحفظهم أنفاسه وأفعاله، فأخذوا الإسلام عنه مباشرة، وشرائعه مشاهدة، وأحكامه معاينة، من غير واسطة ولا سفير بينهم وبينه واصلة، فجاولوها عيانا، وحفظوا عنه شفاها، وتَلَقَّفوه من فيه رطبا، وتلقنوه من لسانه عذبا، واعتقدوا جميع ذلك حقّا، وأخلصوا بذلك من قلوبهم يقينا فهذا دين أخذوا أوله عن رسول الله ﷺ مشافهة، لم يَشُبْهُ لبس ولا شبهة، ثم نقلها العدول عن العدول من غير تحامل ولا ميل، ثم الكافة عن الكافة، والصافة عن الصافة، والجماعة عن الجماعة ...
فهؤلاء الذين تُعُهِّدت بنقلهم الشريعة، وانحفظت بهم أصول السنة، فوجبت لهم بذلك المنة على جميع الأمة، والدعوة لهم من الله بالمغفرة، فهم حملة علمه، ونقلة دينه، وسفرته بينه وبين أمته، وأُمناؤه في تبليغ الوحي عنه، فَحَريٌّ أن يكونوا أولى الناس به في حياته ووفاته، وكل طائفة من الأمم مرجعها إليهم في صحة حديثه وسقيمه، ومعولها عليهم فيما يختلف فيه من أموره.
ثم كل من اعتقد مذهبا، فإلى صاحب مقالته، التي أحدثها يَنْتَسب، وإلى رأيه يستند إلا أصحاب الحديث، فإن صاحب مقالتهم رسول الله ﷺ، فهم إليه ينتسبون، وإلى علمه يستندون، وبه يستدلون، وإليه يفزعون، وبرأيه يقتدون، وبذلك يفتخرون، وعلى أعداء سنته بقربهم منه يصولون، فمن يوازيهم في شرف الذكر، ويباهيهم في ساحة الفخر وعلو الاسم.
إذ اسمهم مأخوذ من معاني الكتاب والسنة يشتمل عليهما، لتحققهم بهما أو لاختصاصهم بأخذهما، فهم مترددون في انتسابهم إلى الحديث بين ما ذكر الله - سبحانه وتعالى - في كتابه، فقال تعالى ذكره: ﴿الله نزل أحسن الحديث﴾ [الزمر: 23] فهو القرآن، فهم حملة القرآن وأهله وقراؤه وحفظته، وبين أن ينتموا إلى حديث رسول الله - ﷺ - فهم نقلته وحملته، فلا شك أنهم يستحقون هذا الاسم لوجود المعنيين فيهم لمشاهدتنا أن اقتباس الناس الكتاب والسنة منهم، واعتماد البرية في تصحيحهما عليهم، لأنا ما سمعنا عن القرون التي قبلنا، ولا رأينا نحن في زماننا مبتدعا رأسا في إقراء القرآن، وأخذ الناس عنه في زمن من الأزمان، ولا ارتفعت لأحد منهم راية في رواية حديث رسول الله ﷺ فيما خلت من الأيام، ولا اقتدى بهم أحد في دين ولا شريعة من شرائع الإسلام، والحمد لله الذي كمل لهذه الطائفة سهام الإسلام، وشرفهم بجوامع هذه الأقسام، وميزهم من جميع الأنام، حيث أعزهم الله بدينه، ورفعهم بكتابه، وأعلى ذكرهم بسنته، وهداهم إلى طريقته وطريقة رسوله، فهي الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، والعصبة الهادية، والجماعة العادلة، المتمسكة بالسنة، التي لا تريد برسول الله بديلا، ولا عن سنته تحويلا، ولا يثنيهم عنها تقلب الأعصار والزمان، لا يلويهم عن سمتها تغير الحدثان، ولا يصرفهم عن سمتها ابتداع من كاد الإسلام ليصد عن سبيل الله يبغيها عِوَجاً، ويصرف عن طرقها جدلا ولجاجا، ظنّا منه كاذبا وتمنيًا باطلا أن يطفئ نور الله ﴿والله متم نوره ولو كره الكافرون﴾ واغتاظ بهم الجاحدون، فإنهم السواد الأعظم، والجمهور الأضخم، فيهم العلم والحكم، والعقل والحلم، والخلافة والسيادة، والملك والسياسة، وهم أصحاب الجمعات والمشاهد، والجماعات والمساجد، والمناسك والأعياد، والحج والجهاد، وباذلي المعروف للصادر والوارد، وحماة الثغور والقناطر، الذين جاهدوا في الله حق جهاده، واتبعوا رسوله على منهاجه، الذين أذكارهم في الزهد مشهورة، وأنفاسهم على الأوقات محفوظة، وآثارهم على الزمان متبوعة، ومواعظهم للخلق زاجرة، وإلى طرق الآخرة داعية ... ".
وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير سورة الروم آية 30 و31:
"فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء وملَل باطلة، وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء، وهذه الأمة أيضًا اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلا واحدة، وهم أهل السنة والجماعة، المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه، كما رواه الحاكم في مستدركه أنه سئل، عليه السلام عن الفرقة الناجية منهم، فقال: "ما أنا عليه اليوم وأصحابي".
وكل ملتزم بما كان عليه الصدر الأول فهو غريب منبوذ، قال سفيان الثوري:
"استوصوا بأهل السنة خيرا فإنهم غرباء".
وقال ابن القيم:
"فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون، المغبوطون، ولقلتهم في الناس جدا سموا غرباء فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فهم غرباء، والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا فلا غربة عليهم".
قال إبراهيم بن إسحاق الحربي لأصحابه: من تعدون الغريب عندكم، وفي زمانكم؟ فقال رجل: الغريب من نأى عن وطنه، وقال آخر: الغريب من فارق أحبابه.
فقال إبراهيم: الغريب في زماننا رجل صالح عاش بين قوم صالحين إن أمر بالمعروف آزروه وإن نهى عن المنكر أعانوه وإن احتاج إلى سبب من الدنيا أعطوه ثم ماتوا وتركوه في غربته يعاني مع الهمج الرعاة.
وقال الرامهرمزي في "المحدث الفاصل":
"اعترضت طائفة ممن يشنأ الحديث ويبغض أهله، فقالوا بتنقُّص أصحاب الحديث والإزراء بهم، وأسرفوا في ذمِّهم والتقوُّل عليهم، وقد شرَّف الله الحديث، وفضَّل أهله، وأعلى منزلته، وحكَّمه في كل محلة، وقدَّمه على كل علم، ورفع من ذكر من حمله وعني به، فهم بيضة الدين، ومنار الحجة، وكيف لا يستوجبون الفضيلة ولا يستحقون الرتبة الرفيعة وهم الذين حفظوا على الأمة هذا الدين، وأخبروا عن أنباء التنزيل، وأثبتوا ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه، وما عظَّمه الله عزَّ وجلَّ به من شأن الرسول ﷺ، فنقلوا شرائعه، ودوَّنوا مشاهده، وصنَّفوا أعلامه ودلائله، وحقَّقوا مناقب عترته ومآثر أبائه وعشيرته، وجاؤوا بسير الأنبياء، ومقامات الأولياء، وأخبار الشهداء والصديقين، وعبَّروا عن جميع فعل النبي ﷺ، في سفره وحضره، وظعنه وإقامته، وسائر أحواله، من منام ويقظة، وإشارة وتصريح، وصمت ونطق، ونهوض وقعود، ومأكل ومشرب وملبس ومركب، وما كان سبيله في حال الرضى والسخط، والإنكار والقبول، حتى القَلامة من ظُفره ما كان يصنع بها، والنخامة من فيه أين وجهتها، وما كان يقوله عند كل فعل يحدثه، ويفعله عند كل موقف ومشهد يشهده ، تعظيماً له ﷺ، ومعرفة بأقدار ما ذكر عنه وأسند إليه؟!
فمن عرف للإسلام حقه وأوجب للرسول حرمته أكبر أن يحتقر من عظَّم الله شأنه، وأعلى مكانه، وأظهر حجته، وأبان فضيلته، ولم يرتق بطعنه إلى حزب الرسول وأتباع الوحي وأوعية الدين ونقلة الأحكام والقرآن، والذين ذكرهم الله عزَّ وجلَّ في التنزيل، فقال: ﴿وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾، فإنك إن أردت التوصل إلى معرفة هذا القرن، لم يذكرهم لك إلا راوٍ للحديث متحقق به، أو داخل في حيز أهله، ومن سوى ذلك، فربك بهم أعلم".
قلت: والنصر من الله للطائفة علمًا وقتالًا، واستمراريَّةُ فريضة الجهاد باقيَةٌ ما وُجِدتْ مقوِّماتها وشروطها.
قال شيخ الإسلام في "الصارم المسلول" (ص 222):
"فلما أتى الله بأمره الذي وعده من ظهور الدين وعز المؤمنين أمر رسوله بالبراءة إلى المعاهدين وبقتال المشركين كافة وبقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
فكان ذلك عاقبة الصبر والتقوى اللذين أمرهم بهما في أول الأمر وكان إذ ذاك لا يؤخذ من أحد من اليهود الذين بالمدينة ولا غيرهم جزية وصارت تلك الآيات في حق كل مؤمن مستضعف لا يمكنه نصر الله ورسوله بيده ولا بلسانه فينتصر بما يقدر عليه من القلب ونحوه وصارت آية الصغار على المعاهدين في حق كل مؤمن قوي يقدر على نصر الله ورسوله بيده أو لسانه وبهذه الآية ونحوها كان المسلمون يعملون في آخر عمر رسول الله ﷺ وعلى عهد خلفائه الراشدين وكذلك هو إلى قيام الساعة لا تزال طائفة من هذه الأمة قائمين على الحق ينصرون الله ورسوله النصر التام فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف أو في وقت هو فيه مستضعف فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشركين وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكفر الذين يطعنون في الدين وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون".
فالجهاد باق، ما بقِيَ الصراع بين الحقِّ والباطلِ، فالجهاد بالحجة واللسان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان، ولهذا أمر الله تعالى به في السور المكية، حيث لا جهاد باليد، انذارا وتعذيرا، فقال تعالى: ﴿فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا﴾، وأما الجهاد الذي هو الطعن باليد والمبارزة في القتال قد يَعْظُم أثرُه في بعضِ الأزمانِ ويَضْعُفُ في أزمانٍ أخرى، ويَكْثُرُ انتشارُه في أماكنَ من الأرضِ ويَقِلّ في أخرى حتى ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام بعسكر المسلمين عند المنارة البيضاء شرقي دمشق ينزل وقد أقيمت صلاة الصبح ويتقدم إمام المسلمين ليصلي بالناس فما أن يرى عيسى عليه السلام فيتأخر ويرجع القهقري ويقول: (تعال يا روح الله فصل)، فيأبى عيسى عليه الصلاة والسلام، ويقول: (لا إن بعضكم على بعض أمير) يقول رسول الله ﷺ:
"لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة"، وقال النبي ﷺ: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم".
ثم بعد انصرافه من الصلاة مباشرة يتولى بنفسه قتل الأعور الدجال ثم القضاء على بقية اليهود، ثم يدعو الناس إلى الإسلام، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، يقول رسول الله ﷺ:
"والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال، حتى لا يقبله أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها".
يقول أبو هريرة: واقرءوا إن شئتم ﴿وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا﴾ متفق عليه.
وقال ﷺ:
"يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين .. فيبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه".
أخرجه مسلم، وفي رواية أبي داود: "فيدركه عند باب لد فيقتله".


كتبه
أبو سامي العبدان
حسن التمام.
___________________________________
1 - ما بين المعقوفتين أخرجه أبو داود (4252) من حديث ثوبان بإسناد رجاله رجال الشيخين سوى أبي أسماء وهو من رجال مسلم، وأخرجه مسلم (2889) ولكن سياق أبي داود أتمّ منه.

2 - ما بين المعقوفتين أخرجه البخاري (3640) و(7311)، ومسلم (1921) وغيرهما من حديث المغيرة بن شعبة وغيره.

3 - ما بين المعقوفتين أخرجه النسائي (3561)، وفي "الكبرى" (4386) و(8659)، والطبراني (6357) من حديث سلمة بن نفيل، وهو صحيح.

4 - ما بين المعقوفتين أخرجه مسلم (1037)، واحمد 4/ 93، والطبري في "تهذيب الآثار" (1147)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم " (ص19) من حديث معاوية، وفي رواية لمسلم (1925) وغيره من حديث سعد " لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق، حتى تقوم الساعة "، والمراد بهم أهل الشام.

5 - ما بين المعقوفتين أخرجه ابن ماجه (7)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/296-297، وأبو نعيم في "الحلية" 9/307، والطبراني في "الأوسط" (7948) من حديث أبي هريرة، واللفظ ليعقوب، واقتصر ابن ماجه في روايته إلى قوله: "لا يضرها من خالفها"، وإسناده صحيح.

6 - ما بين المعقوفتين أخرجه مسلم (156) وغيره من حديث جابر بن عبد الله.

إرسال تعليق

التعليقات



المتابعون

جميع الحقوق محفوظة لـ

حسن التمام

2015