
فضل قراءة سورة الكهف غير مختص بيوم الجمعة
"من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق".
هذا الحديث مداره على أبي هاشم الرماني عن أبي مِجْلَز عن قيس بن عباد، عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.
وقد اختُلف فيه على أبي هاشم الرماني من حيث الوقف والرفع وكذا في ألفاظه، فقد رواه عن أبي هاشم الرماني، هشيمُ بن بشير، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري:
فأما رواية هشيم بن بشير فقد اختلف عليه أيضا في رفعه ووقفه، فأما رواية الوقف فقد جاءت من أربعة طرق عن هشيم:
أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في "فضائل القرآن" (ص 244) حدثنا هشيم قال: أخبرنا أبو هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبي سعيد الخدري به.
وتابع القاسم بن سلام على وقفه أبو نعمان السدوسي، وأحمد بن خلف، وسعيد بن منصور:
أما رواية أبي النعمان محمد بن الفضل السدوسي فعند الدارمي (3407) لكنها بلفظ " ليلة الجمعة "! ولعل ذلك من أوهامه فهو وإن كان ثقة فإنه قد تغير في آخر حياته، وقد خالف من هم أكثر وأحفظ منه.
وأما رواية أحمد بن خلف البغدادي فعند ابن الضريس في" فضائل القرآن" (211)، ومن طريقه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 4/ 358، بلفظ رواية أبي عبيد القاسم بن سلام.
وأما رواية سعيد بن منصور فعند البيهقي في "شعب الإيمان" (2220) بلفظ رواية أبي عبيد القاسم بن سلام.
وقال البيهقي:
"هذا هو المحفوظ موقوف".
وقد اتفق هؤلاء الأربعة على وقفه، وكلهم ثقات سوى أحمد بن خلف البغدادي، وهو شيخ غير مشهور، كما قال الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد".
وأما الذين رفعوا الحديث فهم: نعيم بن حماد وهو أبو عبد الله الخزاعي المروزي، صدوق يخطئ كثيرا، فقيه، عارف بالفرائض، كما قال الحافظ، ويزيد بن خالد بن يزيد، وقد ترجم له ابن أبي حاتم، وأبو أحمد الحاكم في "الكنى"، والذهبي في "المقتنى" ولم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا فهو مجهول الحال، والحكم بن موسى وهو أبو صالح القنطري البغدادي وهو صدوق.
أما رواية نعيم بن حماد فهي عند الحاكم 2/ 368، والبيهقي 3/ 249 بلفظ "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه!".
فتعقبه الذهبي بقوله: "نعيم ذو مناكير".
وأما رواية يزيد بن خالد بن يزيد فعند البيهقي في "شعب الإيمان" (2777) بلفظ "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق".
وأما روية الحكم بن موسى فقد علقها الدارقطني في "العلل" 11/ 308 وهو الراوي الوحيد الذي عليه المعوّل في رواية الرفع إذ هو الوحيد الذي قيل في ترجمته أنه صدوق مطلقا، فلا ندري صحة الطريق إلى روايته ومهما يكن فإن رواية الوقف هي الثابتة بلا أدنى شك وقد صوّبها الإمام الدارقطني في "العلل"، ولها حكم الرفع إذ هو مما لا يُقال بالرأي ولا مسرح للإجتهاد فيه، إن سلمت من الشذوذ، فيتلخص من رواية هشيم أن المحفوظ عنه فيها الوقف على أبي سعيد الخدري، وبلفظ "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق".
وخالفا هشيمًا في لفظه جبلا الحفظ شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري.
فأما رواية شعبة بن الحجاج فقد اختُلف عليه أيضا في رفعه ووقفه، فوقفه عنه غندر محمد بن جعفر وهو الهذلي مولاهم، أبو عبد الله البصري: ثقة، من أثبت الناس في حديث شعبة، وعمرو بن مرزوق وهو الباهلي مولاهم، أبو عثمان البصري: ثقة، إلا أن له أوهاما، ومعاذ بن معاذ وهو العنبري، أبو المثنى البصري: ثقة متقن.
أما رواية غندر فهي عند النسائي في "السنن الكبرى" (10723)، و"عمل اليوم والليلة" (953) بلفظ "من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نورا من حيث يقرؤه إلى مكة، ومن قرأ آخر الكهف فخرج الدجال لم يسلط عليه".
وأما رواية عمرو بن مرزوق فعند الطبراني في " الدعاء" (391) بلفظ "من قال إذا توضأ: بسم الله، وإذا فرغ قال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك طبع عليها بطابع ثم وضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة".
وأما رواية معاذ بن معاذ فقد علقها البيهقي في "شعب الإيمان" 4/ 269.
وأما الذين رفعوه عن شعبة فهم يحيى بن كثير وهو العنبري مولاهم، أبو غسان البصري: ثقة: وعبد الصمد بن عبد الوارث وهو التميمي العنبري مولاهم، أبو سهل البصري التنوري: ثبت في شعبة، صدوق في غيره، وربيع بن يحيي وهو الأشناني، أبو الفضل البصري: صدوق له أوهام.
فأما رواية يحي بن كثير فهي عند النسائي في "السنن الكبرى" (10722)، و"عمل اليوم الليلة" (952)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (1455)، والحاكم 1/ 564 - وعنه البيهقي في "الشعب" (2499) - وأتم لفظ هو عند الحاكم "من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نورا يوم القيامة من مقامه إلى مكة، ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يسلط عليه، ومن توضأ ثم قال سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة" .
وقال الحاكم :
"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ورواه سفيان الثوري عن أبي هاشم فأوقفه" وأقره الذهبي.
وأما رواية عبد الصمد بن عبد الوارث فعند البيهقي في "الشعب" (2499) من طريق عبد الرحمن بن أبي البختري وهو مجهول.
وأما رواية ربيع بن يحي فقد علقها الدارقطني بصيغة التمريض في "العلل 11/ 308، وقال:
"لم يثبت".
وقد صوب الأئمة رواية الوقف على الرفع.
فقد قال النسائي عن الرفع:
"هذا خطأ، والصواب موقوف".
وقال الدارقطني:
"ورواه غندر، وأصحاب شعبة، عن شعبة موقوف".
وقال الطبراني:
"رفعه يحيى بن كثير عن شعبة، ووقفه الناس".
فلم يعتد الطبراني بمتابعة عبد الصمد وربيع لأنهما لم تثبتا عنهما من طريق صحيح، فيكون يحيى بن كثير قد تفرد برفعه عن شعبة!
وأما من حيث المتن فلفظه:
"من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نورا من حيث يقرؤه إلى مكة، ومن قرأ آخر الكهف فخرج الدجال لم يسلط عليه".
فليس للجمعة ذكر في أي شيء من ألفاظه لا الموقوف ولا المرفوع.
وأما حديث سفيان الثوري، فرواه عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الرزاق، ووكيع بن الجراح، وقبيصة بن عقبة:
أما رواية عبد الرحمن بن مهدي فعند النسائي في "عمل اليوم والليلة" (954)، والحاكم 1/ 565 و 4/ 511 "من قرأ سورة الكهف كما أنزلت ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه، أو لم يكن له عليه سبيل، ومن قرأ سورة الكهف كان له نورا من حيث قرأها ما بينه وبين مكة".
وقال الحاكم:
"صحيح الإسناد" وأقره الذهبي .
وأما رواية عبد الرزاق ففي "مصنفه" (730) - ومن طريقه الطبراني في "الدعاء" (391) - ولفظه:
"من توضأ ثم فرغ من وضوئه فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا الله أستغفرك وأتوب إليك ختم عليها بخاتم ثم وضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة، ومن قرأ سورة الكهف كما أنزلت ثم أدرك الدجال لم يسلّط عليه ولم يكن له عليه سبيل ورفع له نور من حيث يقرأها إلى مكة".
وأما رواية وكيع بن الجراح فعند ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 3، و 10/ 450-451 بلفظ "من قال إذا فرغ من وضوئه سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ختمت بخاتم ثم رفعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة".
وأما رواية قبيصة بن عقبة فعند البيهقي في "الشعب" (2776) حدثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبي سعيد الخدري، قال: "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فأدرك الدجال لم يسلط عليه، - أو قال: لم يضره - ومن قرأ خاتمة سورة الكهف أضاء له نورا من حيث كان بينه وبين مكة".
فخالف قبيصةُ بن عقبة الثلاثة بتفرده عنهم بذكر يوم الجمعة ، وروايته عن الثوري ضعيفة عند التفرّد، فكيف وقد خالف غيره؟!.
قال ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين:
"هو ثقة، إلا في حديث سفيان الثوري ليس بذاك القوي".
وقال أحمد في روايته عنه:
"كان كثير الغلط".
ومن خلال هذا التخريج يتبين لنا أن هشيما تفرّد بذكر يوم الجمعة، وهو وإن كان من الثقات الأثبات إلا أنه قد خالف شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري، وهما أحفظ منه وأتقن، ذكر الحافظ في "التهذيب":
"عن عبد الرحمن بن مهدي هشيم أثبت منهما - يعني في حصين - إلا أن يجتمعا".
فالقول بشذوذ هذه الزيادة متجه على طريقة المحدثين، والأقرب صحة الحديث أن هذا الفضل في قراءة سورة الكهف بدون تحديد يوم الجمعة والله أعلم .
كتبه أحوج الناس لعفو ربه
أبو سامي العبدان
حسن التمام.
إرسال تعليق