
إنها ستأتي على الناس سنون خداعة
"إنها ستأتي على الناس سنون خداعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة يا رسول الله ؟! قال: السفيه يتكلم في أمر العامة".
صحيح - أخرجه أحمد 2/ 291، والحاكم 4/ 465- 466 عن يزيد بن هارون، والحاكم 4/ 512 من طريق حجاج بن محمد، كلاهما عن عبد الملك ابن قدامة، حدثنا إسحاق بن بكر بن أبي الفرات، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: فذكره.
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" وأقره الذهبي.
قلت: إسناده ضعيف، فيه علتان:
الأولى: عبد الملك بن قدامة: ضعيف كما في "التقريب".
والثاني: جهالة إسحاق بن بكر بن أبي الفرات.
وجاء اسمه في الموضع الثاني من المستدرك (إسحاق بن أبي بكر).
والحديث معروف بهذا الإسناد من حديث سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، وسأذكر الاختلاف في إسناده وأنه لا يضره، ثم قال الحاكم:
"قال ابن قدامة: وحدثني يحيى بن سعيد الأنصاري، عن المقبري قال: "وتشيع فيها الفاحشة، وهو من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن المقبري غريب جدا".
قلت: وشيخ الحاكم في الإسناد الذي صححه إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الفقيه: وهو مجهول الحال.
وجاء هذا الحديث من طريق آخر عن يزيد بن هارون بإسقاط سعيد بن أبي سعيد:
أخرجه ابن ماجه (4036) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا عبد الملك بن قدامة الجمحي، عن إسحاق بن أبي الفرات، عن المقبري، عن أبي هريرة به.
وأخرجه الخرائطي في "مكارم الأخلاق" (183) من طريق أبي يعقوب الحنيني، حدثنا عبد الملك بن قدامة الجمحي، عن إسحاق بن الفرات، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة به.
فأسقط الحنيني من إسناده أبا سعيد.
وأبو يعقوب الحنيني: ضعيف الحديث.
وأخرجه الشجري في "الأمالي الخميسية" (2731) من طريق أبي بحر بن محمد ابن الحسن بن كوثر البربهاري، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عبد الملك بن قدامة الجمحي، قال: حدثني إسحاق بن بكر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة.
فسقط أبو سعيد من إسناده أيضا، وهذا لا يضرّ الإسناد بشيء لأن أبا بحر ابن محمد بن الحسن بن كوثر البربهاري، ليس ببحر ولا شيء فإنه معروف واه كما قال الذهبي.
وأخرجه أبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (331) ومن طريقه الشجري في
"الأمالي الخميسية" (2777)، والبزاز في "الأبدال العوالي" (8)، ومن طريقه الشجري في " الأمالي الخميسية" (2818) عن موسى بن سهل بن كثير، أنبأ يزيد بن هارون، أنبأ عبد الملك بن قدامة، عن المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة به.
فسقط من إسناده إسحاق بن بكر بن أبي الفرات، وهذا أيضا لا يعوّل عليه ولا يضرّ الإسناد بشيء لأن موسى بن سهل بن كثير: أحد الضعفاء الذين لا يحتمل حالهم كما قال الذهبي.
وله طريق آخر عن أبي هريرة:
أخرجه أحمد 2/ 338 حدثنا يونس، وسريج، قالا: حدثنا فليح، عن سعيد ابن عبيد بن السباق، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ:
"قبل الساعة سنون خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة" قال سريج: وينظر فيها للرويبضة".
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات سوى فليح وهو ابن سليمان بن أبي المغيرة الخزاعي، ويقال الأسلمي روى له الجماعة.
وقال فيه ابن معين، وأبو حاتم، والنسائي: ليس بالقوي.
وقال الدارقطني: يختلفون فيه، وليس به بأس.
وقال الساجي: هو من أهل الصدق، ويهم.
وذكره ابن حبان في "الثقات".
وقال الحاكم: اتفاق الشيخين عليه يقوي أمره.
وله شاهدان من حديث أنس بن مالك، وعوف بن مالك:
أما حديث أنس:
فأخرجه أحمد 3/ 220 حدثنا أبو جعفر المدائني وهو محمد بن جعفر، حدثنا عباد بن العوام، حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنكدر، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ:"إن أمام الدجال سنين خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الفويسق يتكلم في أمر العامة".
وهذا إسناد ضعيف، محمد بن إسحاق: مدلس، وقد عنعنه.
وأخرجه أحمد 3/ 220، وأبو يعلى (3715)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (465) و (466) من طريق عبد الله بن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن دينار، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ:
"إن بين يدي الساعة سنين خوادعة، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة. قالوا: يا رسول الله، وما الرويبضة؟ قال: الفويسق يتكلم في أمر العامة".
وأخرجه البزار تحت الحديث (2740) قال محمد بن إسحاق: وحدثني عبد الله ابن دينار، عن أنس به.
فزالت شبهة تدليس ابن اسحاق، وهو حسن الحديث.
وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (3258) من طريق عبد الله بن يوسف قال: حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر، عن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك، عن النبي ﷺ، قال:
"بين يدي الساعة سنون خداعة، يتهم فيها الأمين، ويؤتمن المتهم، وينطلق فيها الرويبضة. قالوا: وما الرويبضة؟ قال: السفيه ينطق في أمر العامة".
وابن لهيعة: صدوق، خلط بعد احتراق كتبه.
وأما حديث عوف بن مالك:
فأخرجه البزار (2740)، وأبو يعلى كما في "المطالب العالية" 18/ 426، والطبراني (125)، وفي "مسند الشاميين" (48) من طريق يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن أبيه، عن عوف بن مالك، قال: قال رسول الله ﷺ:"إن بين يدي الساعة سنين خداعة يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل: يا رسول الله: وما الرويبضة؟ قال: المرؤ التافه يتكلم في أمر العامة" واللفظ للبزار.
وقال البوصيري في " إتحاف الخيرة" 8/ 119:
"رواه أبو يعلى الموصلي والبزار بسند واحد، رواته ثقات".
قلت: اسناده ضعيف، وفيه علتان:
الأولى: عنعنة ابن اسحاق.
الثانية: جهالة حال أبي ابراهيم بن أبي عبلة.
وتابع ابنَ اسحاق: مسلمةُ بن علي:
أخرجه الطبراني 18/ (123) حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا مسلمة بن علي، حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة به.
ومسلمة بن علي: متروك، فهي متابعة لا قيمة لها.
وأخرجه الطبراني 18/ (124) حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، حدثنا أبي، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن عوف بن مالك، عن النبي ﷺ مثله.
واسماعيل بن عياش روايته عن الشاميين حسنة، وهذه منها، وإبراهيم بن أبي عبلة أدرك عوف بن مالك، قال الحافظ في تهذيب التهذيب 1 / 143:
"في كتاب ابن أبي حاتم عن أبيه: رأى ابن عمر وروى عن واثلة بن الأسقع، وهو صدوق ثقة.
وقال البخاري في "التاريخ": سمع ابن عمر.
وأخرج الطبراني في "مسند الشاميين" من طريق إبراهيم قال: رأيت ابن عمر يحتبي يوم الجمعة".
وقد توفي عوف بن مالك في نفس السنة التي توفي فيها ابن عمر، فخلاصة القول أن الحديث بمجموع طرقه صحيح، والله أعلم.
كتبه الفقير إلى الله تعالى
أبو سامي العبدان
حسن التمام
15 - ذو الحجة - 1436 هجري.
إرسال تعليق