حسن التمام  حسن التمام
random

الموضوعات

random
recent
جاري التحميل ...
recent

وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية

وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية



وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية



(141) عن عبادة بن الصامت قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة فثقلت عليه القراءة فلما انصرف قال: إني لأراكم تقرءون وراء إمامكم. قلنا: نعم، والله يا رسول الله، إنا لنفعل هذا، قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها".

صحيح
- أخرجه أحمد 5/ 316، وابن خزيمة (1581) ، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 215، والشاشي في "مسنده" (1275) ، وابن حبان (1792)، والدارقطني 2/ 97-الرسالة ، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (109) و (111) من طرق عن يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد ابن إسحاق، عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت به .
وله طرق أخرى عن ابن اسحاق :
أ- أخرجه أبو داود (823)، وأحمد 5/ 313و322، والطبراني في "مسند الشاميين" (3624)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (917)، وفي "القراءة خلف الإمام" (112)، والضياء في "المختارة" (412) عن محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت به .
وهذا إسناد حسن، وقد أُعلّ بعلتين:
الأولى: عنعنة مكحول فقد ذكره الذهبي بالتدليس وهو مشهور بالإرسال عن جماعة لم يلقهم، وهذه العلة مدفوعة هنا، فإن روايته هنا عن محمود بن الربيع وهو من صغار الصحابة، ومكحول لا يدلّس عن صغار الصحابة فلا تضر عنعنته هنا على أن مكحولا لم يتفرّد به فقد توبع عليه كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
الثانية: محمد بن اسحاق: مدلس أيضا، وهذه أيضا لا تضر الحديث فإنه صرّح بالتحديث في عدة طرق كما سيأتي.
ب - أخرجه أحمد 5/ 321-322، والدارقطني 2/ 97 - الرسالة، والبيهقي 2/ 164، وفي "القراءة خلف الإمام" (113) و (114)، والضياء في "المختارة" (413) من طريق يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني مكحول، عن محمود بن ربيع الأنصاري، عن عبادة بن الصامت، قال:
" صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فثقلت عليه فيها القراءة فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته أقبل علينا بوجهه فقال: إني لأراكم تقرءون خلف إمامكم إذا جهر. قال: قلنا: أجل والله يا رسول الله، هذًّا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها".
وأخرجه الدارقطني 2/ 97، والبيهقي 2 / 164، وفي "القراءة خلف الإمام" (114) من طريق عبيد الله بن سعد، حدثنا عمي، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني مكحول به.
وقال البيهقي :
" وهذا إسناد صحيح ذكر فيه سماع محمد بن إسحاق من مكحول وأخرج محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله هذا الحديث في كتاب وجوب القراءة خلف الإمام عن أحمد بن خالد الوهبي، عن محمد بن إسحاق، واحتج به وقال: رأيت علي بن عبد الله المديني يحتج بحديث ابن إسحاق قال: وقال علي عن ابن عيينة: ما رأيت أحدا يتهم ابن إسحاق ".
جـ - أخرجه ابن خزيمة (1581)، وعنه ابن حبان (1785)، والدارقطني 2/ 97، والحاكم 1 / 238 من طريق إسماعيل ابن علية، عن محمد بن إسحاق، حدثني مكحول، عن محمود بن الربيع الأنصاري وكان يسكن إيلياء، عن عبادة بن الصامت، قال:
"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: إني لأراكم تقرءون وراء إمامكم؟ قال: قلنا: أجل والله يا رسول الله هذا، قال: فلا تفعلوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها".
وقال الدارقطني:
"هذا إسناد حسن ".
د - أخرجه ابن خزيمة (1581)، وعنه ابن حبان (1848)، والضياء في "المختارة" (411) من طريق عبد الأعلى، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني مكحول به .
ه - أخرجه ابن خزيمة (1581) من طريق يحيى بن سعيد الأموي، عن محمد بن إسحاق، عن مكحول به.
و - أخرجه الترمذي (311)، والبخاري في "القراءة خلف الإمام" (159)، والشاشي في "مسنده" (1280) من طريق عبدة بن سليمان، عن محمد بن إسحاق، عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت به .
وقال الترمذي:
"حديث حسن".
ز - أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 373-374، وابن حبان (1792)، والضياء في "المختارة" 8/ 341 من طريق ابن نمير، عن ابن إسحاق، عن مكحول به .
حـ - أخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام " (32)، والبزار (2703)، والبيهقي 2 / 164، وفي "السنن الصغير" (534)، وفي "المعرفة" (917)، وفي "القراءة خلف الإمام" (108)، وابن الجارود في "المنتقى" (321) من طريق أحمد بن خالد الوهبي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن مكحول به .
وقال البزار:
"وهذا الحديث قد رواه الزهري أيضا بنحو هذا الكلام عن محمود، عن عبادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومحمود بن الربيع قد أدرك النبي عليه السلام".
ط - أخرجه الدارقطني 2/ 97 من طريق عمر بن حبيب القاضي، حدثنا محمد بن إسحاق به .
ي - أخرجه الطبراني في "الصغير" (230) من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن محمد ابن إسحاق، عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال :
" صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة جهر فيها بالقراءة، ثم انصرف إلينا، فقال: ألا أراكم تقرءون مع إمامكم ؟، قلنا: أجل، يا نبي الله، فقال: إني أقول مالي أنازع القرآن، لا تفعلوا إذا جهر الإمام بالقرآن فلا يقرأ إلا بأم القرآن ، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن".
وقال الطبراني :
" لم يروه عن يزيد بن أبي حبيب، إلا ابن لهيعة، والوليد بن مزيد ممن سمع ابن لهيعة قبل احتراق كتبه ".
ك - أخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (158) حدثنا محمد بن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق، عن مكحول به .
وقال البيهقي في "القراءة خلف الإمام":
"وقد تابع محمد بن إسحاق بن يسار على هذه الرواية عن مكحول غيره من ثقات الشاميين".
قلت: تابعه العلاءُ بن الحارث، وسعيد بن عبد العزيز، وابن جابر :
أما متابعة العلاء بن الحارث :
فأخرجها البيهقي في "القراءة خلف الإمام" (115) من طريق أبي علي الحسين بن علي الحافظ، حدثنا أحمد بن عمير الدمشقي، حدثنا موسى بن سهل الرملي، حدثنا محمد بن أبي السري ،حدثنا يحيى بن حسان، حدثنا يحيى بن حمزة، عن العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:
"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إمام وغير إمام".
قلت: ومحمد بن أبي السري هو محمد بن المتوكل: قال الحافظ في ترجمته من "التقريب":
"صدوق عارف له أوهام كثيرة".
وأما متابعة سعيد بن عبد العزيز :
فأخرجها الطبراني في "مسند الشاميين" (296) و (3626)، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 37/ 373 حدثنا عبدوس بن ديزويه الرازي، حدثنا الوليد بن عتبة الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت، قال:
"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة يجهر فيها بالقراءة فالتبست عليه القراءة فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فقال: هل تقرءون خلفي إذا جهرت؟ فقال بعضنا: إنا لنفعل ذلك، قال: فلا تقرءوا خلفي بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن".
قلت: عبدوس، لم أقف له على تجريح أو تعديل، لكن قد روى عنه جماعة، منهم الطبراني، والعقيلي، وأبو بكر بن خروف، وابن الورد، واحتج العقيلي في "الضعفاء" 2/ 65 بروايته ليثبت تجريح رفدة بن قضاعة الغساني، فالجهالة عنه مرتفعة، وظاهر ترجمته أنه مهتم بالحديث، فسماعاته في دمشق، وحمص، وغيرها، وانتقل إلى مصر وحدث بها، والرواة عنه من شتى البلاد، لكن هذه الطريق قد رواها أبو زرعة، فَذُكِر أبو نعيم المؤذن ضمن سلسلة الإسناد:
أخرجه الدارقطني 2/ 100، والحاكم 1/ 238 من طريق أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو بدمشق، حدثنا الوليد بن عتبة، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني غير واحد منهم: سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن محمود، عن أبي نعيم، أنه سمع عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
"هل تقرءون في الصلاة معي؟، قلنا: نعم، قال: فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ".
وقال ابن صاعد:
"قوله عن أبي نعيم - يعني خطأ - إنما كان أبو نعيم المؤذن وليس هو كما قال الوليد، عن أبي نعيم، عن عبادة" .
والدليل على هذا الوهم يتبيّن من خلال هذه القصة وهو ما أخرجه أبو داود (824)، والدارقطني 2/ 99 من طريق عبد الله بن يوسف، حدثنا الهيثم بن حميد، أخبرني زيد بن واقد، عن مكحول، عن نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري، قال نافع:
"أبطأ عبادة بن الصامت عن صلاة الصبح، فأقام أبو نعيم المؤذن الصلاة، فصلى أبو نعيم بالناس، وأقبل عبادة وأنا معه حتى صففنا خلف أبي نعيم، وأبو نعيم يجهر بالقراءة، فجعل عبادة يقرأ بأم القرآن، فلما انصرف قلت لعبادة: سمعتك تقرأ بأم القرآن وأبو نعيم يجهر، قال: أجل، صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة، قال: فالتبست عليه القراءة، فلما انصرف أقبل علينا بوجهه وقال: هل تقرؤون إذا جهرت بالقراءة؟ فقال بعضنا: إنا نصنع ذلك. قال: فلا، وأنا أقول: ما لي ينازعنى القرآن! فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن".
وقال الدارقطني:
" كلهم ثقات".
وأخرجه النسائي (920)، وفي "الكبرى" (994) أخبرنا هشام بن عمار، عن صدقة، عن زيد بن واقد، عن حرام بن حكيم، عن نافع بن محمود بن ربيعة، عن عبادة بن الصامت، قال:
"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة فقال :لا يقرأن أحد منكم إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن".
وأخرجه الدارقطني 2/ 101، والبيهقي 2 / 165، والضياء في "المختارة" (421) وقرنا بحرام مكحولا .
وقال الدارقطني:
"هذا إسناد حسن ورجاله ثقات كلهم".
وقال البيهقي:
"الحديث صحيح".
وأخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (35)، وفي "خلق أفعال العباد"(ص 106) عن صدقة بن خالد، حدثنا زيد بن واقد، عن حرام بن حكيم، ومكحول، عن ابن ربيعة الأنصاري:
"عن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه - وكان على إيلياء - فأبطأ عبادة عن صلاة الصبح، فأقام أبو نعيم الصلاة، وكان أول من أذن ببيت المقدس فجئت مع عبادة، حتى صف الناس، وأبو نعيم يجهر بالقراءة، فقرأ عبادة بأم القرآن، حتى فهمتها منه، فلما انصرف قلت: سمعتك تقرأ بأم القرآن، فقال: نعم صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقرآن، فقال: لا يقرأن أحدكم إذا جهر بالقراءة إلا بأم القرآن".
قلت: وهذا إسناد صحيح لا غبار عليه، وهي متابعة صحيحة لمكحول، والروايتان محفوظتان، ونافع بن محمود روى عنه اثنان أو ثلاثة، وذكره ابن حبان في "الثقات" 5/ 470، وقال الدارقطني في إسناد هو أحد رجاله:
"رجاله ثقات".
وقال الذهبي في "الكاشف" (5787):
"ثقة".
وقال ابن عبد البر:
"نافع مجهول"!.
وذهب أبو علي حسين النيسابوري الحافظ فيما نقله عنه البيهقي في "القراءة" ص 65-66، إلى أن نافعا هذا هو ابن محمود بن الربيع الصحابي الصغير وأن مكحولا قد سمع هذا الحديث منه ومن أبيه، وهما جميعا قد سمعاه من عبادة بن الصامت.
وقال البيهقي:
"سمعه مكحول الشامي وهو أحد أئمة أهل الشام من محمود بن الربيع ونافع بن محمود كلاهما عن عبادة بن الصامت ".
وقال:
"والحديث عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة، وعن مكحول عن نافع بن محمود عن عبادة، فكأنه سمعه منهما جميعًا... قال: ولا يجوز تعليل رواية محمد بن إسحاق بن يسار برواية زيد بن واقد عن حرام بن حكيم، ومكحول عن نافع بن محمود عن عبادة بن الصامت، فالحديث محفوظ عن الأب والابن جميعًا ".
وأخرجه الشاشي في "مسنده" (1279)، والطبراني في "مسند الشاميين" (3627) من طريق محمد بن عمر الواقدي، حدثنا أسامة بن زيد، سمع مكحولا، يقول: حدثنا نافع بن محمود بن الربيع، عن أبيه، عن عبادة بن الصامت، قال:
"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف قال: هل قرأ معي منكم أحد؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: إني أقول: ما لي أنازع القرآن، ولكن لا يقرأ منكم مع الإمام إلا بأم القرآن".
وهذا إسناد ضعيف جدًا، فإن الواقدي: متروك الحديث.
وأما متابعة ابن جابر:
فأخرجها البيهقي في "القراءة خلف الإمام" (123) من طريق عبيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير، حدثني أبي، حدثني إبراهيم بن أبي يحيى، عن يزيد ابن يزيد بن جابر، عن مكحول، عن نافع بن محمود، عن عبادة به.
قلت: وإسناده تالف، عُبَيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير المصري: قال فيه ابن حبان:
"يروي عن الثقات المقلوبات لا يجوز الاحتجاج به".
وإبراهيم بن أبي يحيى: متهم بالكذب.
وأخرجه أبو داود (825)، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (127)، عن علي بن سهل الرملي، حدثنا الوليد، عن ابن جابر، وسعيد بن عبد العزيز، وعبد الله بن العلاء، عن مكحول، عن عبادة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، فإن الوليد بن مسلم مدلس وقد عنعنه، ثم إن مكحولا لم يسمع من عبادة.
ويوجد متابعة أخرى لمكحول:
أخرجها ابن الاعرابي في "معجمه" (278) من طريق يزيد بن عياض، عن عبد الله بن عمرو بن الحارث، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
" من صلى وراء الإمام، فلا يقرأ إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأها".
وهذا اسناد ضعيف جدا، فإن يزيد بن عياض: متروك الحديث، ولكن جاء عن عبد الله بن الحارث من غير هذه الطريق:
أخرجه البيهقي في " القراءة خلف الإمام" (116) أخبرنا أبو الحسن علي ابن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، حدثنا الحسن بن علي المعمري، حدثنا عمرو بن عثمان، حدثنا محمد بن حمير، حدثنا شعيب بن أبي حمزة، عن عبد الله بن عمرو بن الحارث، عن محمود بن الربيع، عن عبادة:
" أن محمودا صلى إلى جانبه فسمعه يقرأ وراء الإمام، فسأله حين انصرف عن ذلك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنا يوما فانصرف إلينا وقد غلط في بعض القرآن فقال: هل قرأ معي منكم أحد؟ قلنا: نعم قال: قد عجبت من هذا الذي ينازعني القرآن إذا قرأ الإمام فلا يقرأ معه أحد منكم إلا بأم القرآن".
قلت: وهذا إسناد حسن، وعبد الله بن عمرو بن الحارث، ذكره ابن حبان في "الثقات" 7/ 52، وقال:
"مستقيم الأمر في الحديث".
وأخرجه الدارقطني 2/ 102، والحاكم 1/ 238، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (117) و(118) من طريقين عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، أخبرني عبد الله بن عمرو بن الحارث به.
وقال الحاكم:
"هذا متابع لمكحول في روايته عن محمود بن الربيع وهو عزيز، وإن كان رواية إسحاق بن أبي فروة فإني ذكرته شاهدا".
وقال الدارقطني:
"معاوية، وإسحاق بن أبي فروة ضعيفان".
قلت: قد تابع اسحاق بن أبي فروة: شعيبُ بن أبي حمزة كما تقدم .
وجاءت روايات لا تؤثر على صحة الحديث منها ما أخرجه الدارقطني 2/ 100 من طريق أحمد بن الفرج الحمصي، حدثنا بقية، حدثنا الزبيدي، عن مكحول، عن عبادة بن الصامت، قال:
"سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تقرءون معي وأنا أصلي؟ قلنا: إنا نقرأ نهذه هذا وندرسه درسا، قال: فلا تقرءوا إلا بأم القرآن سرا في أنفسكم".
وقال الدارقطني:
"هذا مرسل".
قلت: وفيه علتان غير الإرسال:
الأولى: بقية يدلس تدليس التسوية فالله أعلم من الْمُدَلَّس .
الثانية: متنه فيه نكارة .
وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (291) حدثنا حويت بن أحمد بن حكيم الدمشقي، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن، حدثنا أبو خليد عتبة بن حماد، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول، عن عبادة بن نسي، عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
"من صلى خلف الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب".
وهذا إسناد ضعيف، شيخ الطبراني: مجهول الحال، والحديث معروف من حديث مكحول عن محمود بن الربيع، ونافع بن محمود بن الربيع، ولا تُعَلُّ الروايات الصحيحة بمثل هذا .
وأخرجه الشاشي في "مسنده" (1275) من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت، قال:
"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سلم قال: أتقرءون خلفي؟ قالوا: نعم، والله هذًا، قال: فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأها".
قلت: المحفوظ عن الزهري مختصر بدون هذه القصة وقد تقدّم تخريجه في الحديث الأول، قال الحافظ في "الفتح" 2/ 242:
"قد ثبت الإذن بقراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد، وذلك فيما أخرجه البخاري في "جزء القراءة" والترمذي وابن حبان وغيرهما من رواية مكحول عن محمود بن الربيع، عن عبادة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ثقلت عليه القراءة في الفجر فلما فرغ قال لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قلنا: نعم، قال: فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)"، والظاهر أن حديث الباب - يعني رواية الزهري عند الشيخين "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " - مختصر من هذا وكان هذا سببه والله أعلم ."
وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (2101) من طريق المتوكل بن محمد ابن أبي سودة، حدثنا الحارث بن عطية، عن الأوزاعي، عن جسر بن الحسن، عن رجاء بن حيوة، عن عبادة بن الصامت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تقرءون إذا كنتم معي في الصلاة؟، قالوا: نعم، يا رسول الله، قال: فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب".
وإسناده ضعيف، فإن جسر بن الحسن: ضعيف، والمتوكل: مجهول، وإسناده منقطع بين رجاء وعبادة .
وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 9/ 322، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (129) و (131) من طريق الأوزاعي، حدثني عمرو بن سعد، حدثني رجاء بن حيوة، عن عبادة .
وقد تقدم أن رجاء بن حيوة لم يسمع من عبادة رضي الله عنه .
وجاءت رواية عند البيهقي في "القراءة خلف الإمام" (130) مقرونا برجاء: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو منقطع .
وأخرجه البزار (488) - كشف، والطبراني 13/ (14544)، وفي "مسند الشاميين" (2099) و (3568)، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (407) من طريق سعيد بن أبي مريم، حدثنا مسلمة بن علي، حدثني الأوزاعي، عن مكحول، عن رجاء بن حيوة، عن عبد الله بن عمرو، قال:
"صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال لنا: هل تقرؤون القرآن إذا كنتم معي في الصلاة؟ قلنا: نعم، قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن".
وقال البزار:
"لا نعلمه عن عبد الله بن عمرو إلا بهذا الإسناد، ومسلمة لين الحديث".
وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 110:
"رواه البزار والطبراني في "الكبير" وفيه مسلمة بن علي، وهو ضعيف!".
قلت: بل إن إسناده ضعيف جدًا، فإن مسلمة بن علي: متروك الحديث.
وأخرجه البيهقي في "القراءة خلف الإمام" (406) أخبرنا أبو الحسين علي ابن محمد بن بشران السكري ببغداد، أخبرنا علي بن محمد المصري، حدثنا يحيى بن عثمان، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا مسلمة، حدثني الأوزاعي، عن مكحول، عن رجاء بن حيوة، عن عبد الله بن عمر به .
وقال البيهقي:
"قال المصري: هكذا وقع في كتابي هذا الحديث عن عبد الله بن عمر في موضعين".
وأخرجه البيهقي في "القراءة خلف الإمام" (132).
وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1/ 375، والطحاوي في "أحكام القرآن" (509)، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (133) و (201) و (202) من طريق عبد الله بن عون، عن رجاء بن حيوة، عن محمود بن الربيع، قال:
"سمعت عبادة بن الصامت يقرأ خلف الإمام فقال عبادة رضي الله عنه: لا صلاة إلا بقراءة".
وقال البيهقي:
"هذا حديث سمعه مكحول الشامي، وهو أحد أئمة أهل الشام من محمود ابن الربيع، ونافع بن محمود، كلاهما عن عبادة بن الصامت، وسمعه حرام بن حكيم من نافع بن محمود عن عبادة، وسمعه رجاء بن حيوة وهو أحد أئمة أهل الشام من محمود بن الربيع عن عبادة، إلا أن من شأن أهل العلم في الرواية أن يروى الحديث مرة فيوصله ويرويه أخرى فيرسله حتى إذا سئل عن إسناده فحينئذ يذكره، ويكون الحديث عنده مسندا وموقوفا فيذكره مرة مسندا ومرة موقوفا، والحجة قائمة بموصوله وموقوفه، وفي وصل من وصله دلالة على صحة مخرج حديث من أرسله، وإرسال من أرسله شاهد لصحة حديث من وصله، وفي كل ذلك دلالة على انتشار هذا الحديث عن عبادة ابن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا، ثم من فتواه به موقوفا".
وقال أيضا تحت الحديث رقم (132):
"قيل: عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن رجاء بن حيوة، عن عبادة. وقيل: عنه عن جسر بن الحسن، عن رجاء. وقيل: عنه عن مكحول، عن رجاء، عن عبد الله بن عمرو. والمحفوظ ما ذكرنا إسناده، وقيل: عن رجاء بن حيوة، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت موقوفا".
قلت: غاية ما في هذه الطريق الموقوفة عن عبادة أنه يفتي بأنه لا صلاة إلا بقراءة سورة الفاتحة وإن كانت الصلاة جهرية، وهذه الفتوى لا تعارض الحديث المرفوع، بل هي توافقه ومطابقة له، فقد كان الصحابي يروي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ويفتي به، والراوي عنه تارة يسنده وتارة يوقفه، ولا يُقال إنه موقوف عليه ويُعلل به المرفوع، فإن للحديث طرقا صحيحة لا يسع الباحث إلا الجزم بثبوت هذا الخبر، وإن المتأمل لسياق القصة التي سأذكرها الآن يجزم أن هذا الحديث يأبى الوقف، فتأمل -يارعاك الله - ما أخرجه أبو داود (824)، والدارقطني 2/ 99 "أبطأ عبادة عن صلاة الصبح، فأقام أبو نعيم الصلاة، وكان أول من أذن ببيت المقدس فجئت مع عبادة، حتى صف الناس، وأبو نعيم يجهر بالقراءة، فقرأ عبادة بأم القرآن، حتى فهمتها منه، فلما انصرف قلت: سمعتك تقرأ بأم القرآن، فقال: نعم صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقرآن، فقال: لا يقرأن أحدكم إذا جهر بالقراءة إلا بأم القرآن".
وفي لفظ عند أحمد 5/ 316، وابن خزيمة (1581) وغيرهما: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة فثقلت عليه القراءة فلما انصرف قال: إني لأراكم تقرءون وراء إمامكم. قلنا: نعم، والله يا رسول الله، إنا لنفعل هذا، قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ".
وله طريق أخرى عن عبادة :
أخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (36) حدثنا عتبة بن سعيد، عن إسماعيل، عن الأوزاعي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبادة بن الصامت، رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "تقرؤون القرآن إذا كنتم معي في الصلاة؟ قالوا: نعم يا رسول الله نهذ هذا قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن".
قلت: إسماعيل هو ابن عياش، وحديثه حسن فيما رواه عن أهل بلده، وروايته هنا عن الأوزاعي لكن إسناده منقطع فإن شعيبا وهو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو لم يسمع من عبادة .

وله شواهد من حديث أبي قتادة، وعبد الله بن عمرو، ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنس بن مالك:

أما حديث أبي قتادة:

فأخرجه أحمد 5/ 308، وابن أبي شيبة في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة" (1556)، وعبد بن حميد (188)، وأحمد بن منيع في "مسنده"، وأبو يعلى في "مسنده الكبير" كما في إتحاف الخيرة" (1559)، والسهمي في "تاريخ جرجان" (ص 160، والبيهقي 2/ 166، وفي "القراءة خلف الإمام" (165) من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا سليمان التيمي قال: حدثت، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
" تقرءون خلفي؟ قالوا: نعم، قال: فلا تفعلوا إلا بأم الكتاب".
وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه بين سليمان وهو ابن طرخان التيمي أبو المعتمر البصري، وعبد الله بن أبي قتادة .
وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 111:
"فيه رجل لم يسم".

وأما حديث ابن عمرو:

فأخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (33) حدثنا شجاع بن الوليد، قال: حدثنا النضر، قال: حدثنا عكرمة، قال: حدثني عمرو بن سعد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تقرؤون خلفي؟ قالوا: نعم إنا لنهذ هذا قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن".
قلت: وهذا اسناد رجاله ثقات سوى شجاع بن الوليد البخاري، أبو الليث المؤدب: قال الحافظ في "التهذيب":
"ليس له في الصحيح سوى حديث واحد في المغازي"،
وَقَال في "التقريب":
"مقبول" يعني حيث يتابع وإلا فلين الحديث.
ولم يتفرّد به فقد أخرجه البيهقي في "القراءة خلف الإمام" (167) أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الفقيه، أخبرنا أبو محمد بن حيان، حدثنا ابن بحر، حدثنا عباس بن عبد العظيم عن النضر به .
وله طريق أخرى عن عمرو بن سعد:
أخرجه البيهقي في "القراءة خلف الإمام" (132) من طريق الحسن بن علي بن عياش الحمصي، حدثنا منبه بن عثمان، عن الأوزاعي، عن عمرو بن سعد به .
وله طريقان آخران عن عمرو بن شعيب :
أ - أخرجه محمد بن مخلد في "المنتقى من حديثه" 120- مخطوط: حدثنا يحيى بن ورد بن عبد الله، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عدي، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"تقرءون خلفي؟ قالوا: نعم يا نبي الله، قال: فلا تفعلوا، إلا بأم القرآن".
وإسناده ضعيف جدا، فإن الراوي عن يحيى بن سعيد هو عدي بن الفضل وهو متروك .
ب - أخرجه ابن عدي في "الكامل" 2/ 501-502 حدثنا ابن صاعد، حدثنا خلاد بن أسلم، حدثنا الحكم بن عبد الله أبو مطيع البلخي، حدثنا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
"هل تقرؤون خلفي القرآن في الصلاة؟ قالوا: نعم بهذه هذا، قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن".
وهذا إسناد ضعيف فيه الحكم بن عبد الله أبو مطيع البلخي، قال الذهبي في ترجمته من "الميزان"1/ 574:
"واه في ضبط الاثر".

وأما حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:

فأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2766)، وعنه أحمد 4/ 236 حدثنا سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"لعلكم تقرءون والإمام يقرأ؟ - مرتين، أو ثلاثا - قالوا: يا رسول الله، إنا لنفعل، قال: فلا تفعلوا، إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب".
وهذا إسناد صحيح .
قال الهيثمي في "المجمع" 2/ 111:
"ورجاله رجال الصحيح".
قال البيهقي في "القراءة خلف الإمام":
"والرجل من الصحابة لا يكون إلا ثقة ".
قلت: يقصد رحمه الله تعالى أن جهالة الصحابي لا تضر الحديث لأن الصحابة كلهم عدول، وهذا الإسناد رجاله رجال الشيخين غير محمد بن أبي عائشة فمن رجال مسلم، وحسّن إسناده الحافظ في "التلخيص" 1/ 419.
وأخرجه أحمد 5/ 410 و60 عن عبد الله بن الوليد العدني، ويحيى بن آدم، والبيهقي 2/ 166 من طريق عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي، وفي "المعرفة" (3790)، وفي "القراءة خلف الإمام" (156) من طريق أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي: أربعتهم عن سفيان به.
وأخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (67)، والبيهقي في "المعرفة" (3788) من طريق يزيد بن زريع، عن خالد الحذاء به.
وأخرجه أحمد 5/ 81 من طريق شعبة، عن خالد به .
ورواه أيوب السختياني فخالف في إسناده، واختلف الرواة عليه:
فأخرجه عبد الرزاق (2765) عن معمر، والبخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 207، والبيهقي 2/ 166، وفي "القراءة" (149) و (150) من طريق حماد بن سلمة، والبيهقي (148) و (151) من طريق حماد بن زيد، وعبد الوارث بن سعيد، أربعتهم عن أيوب، عن أبي قلابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلا.
وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 207، ومن طريقه البيهقي 2/ 166، وفي "القراءة" (158) عن مؤمل بن هشام، عن إسماعيل ابن علية، عن أبي قلابة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
وقال إسماعيل عن خالد الحذاء: قلت لأبي قلابة: من حدثك هذا؟ قال: محمد بن أبي عائشة مولى لبني أمية كان خرج مع بني مروان حيث خرجوا من المدينة.
وأخرجه البيهقي في "القراءة" (147) من طريق سليمان بن عمر الأقطع، عن إسماعيل ابن علية، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه أبو يعلى (2805)، وفي "المعجم" (303)، والبخاري في "القراءة خلف الإمام" (156)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/218، وابن حبان (1844) و (1852)، والطبراني في "الأوسط" (2680) ، والدارقطني 2/ 140، والبيهقي 2/ 166، وفي "القراءة خلف الإمام" (139- 146)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 13/ 177 من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 207:
"ولا يصح أنس".
وقال أبو حاتم كما في "العلل" (502):
"وهم فيه عبيد الله بن عمرو، والحديث ما رواه خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من أصحاب النبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم".
وأخرجه الدارقطني 1/ 340، والبيهقي في "القراءة" (152) و (153) و (154) من طريق الربيع بن بدر، عن أيوب، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، قال:
"صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أقبل علينا بوجهه فقال: أتقرءون خلف الإمام بشيء؟ فقال بعضهم: نقرأ وقال بعضهم: لا نقرأ فقال: اقرءوا بفاتحة الكتاب".
وهذا إسناد ضعيف جدا من أجل الربيع بن بدر فإنه متروك .

وأما حديث أنس:

فأخرجه البيهقي في "جزء القراءة" (389) من طريق أحمد بن محمد بن أحمد بن عمرو الحرشي، حدثنا أحمد بن منصور المروزي، حدثنا النضر بن شميل، حدثنا العوام بن حمزة، عن ثابت، عن أنس:
"كان يأمرنا بالقراءة خلف الإمام".
وهذا اسناد حسن من أجل أحمد بن منصور بن راشد الحنظلي، أبي صالح المروزي، لقبه زاج، صاحب النضر بن شميل وراويته، قال الحافظ في ترجمته من "التقريب":
"صدوق".
والعوام بن حمزة: قال الحافظ في ترجمته من "التقريب":
"صدوق ربما وهم".
قلت: وهذا القيد فيه نظر، ذلك أن العوام لم يذكروا له وهما، ووثقه اسحاق ابن راهويه، وقال عبد الرحمن بن أبى حاتم: سئل أبو زرعة عنه، فقال: شيخ، قيل له: فكيف ترى استقامة حديثه؟ قال: لا أعلم إلا خيرا.
وقال الآجري: قلت لأبى داود: العوام بن حمزة؟ قال: يحدث عنه يحيى القطان، قلت لأبى داود: قال عباس عن يحيى - يعني ابن معين -: ليس بشيء.
قال: ما نعرف له حديثا منكرا.
وقال في موضع آخر: سألت أبا داود عنه فقال: ثقة.
وقال النسائي: ليس به بأس.
وقال ابن عدي: قليل الحديث، وأرجو أنه لا بأس به.
وذكره ابن حبان في "الثقات".
وأما قول الإمام أحمد له أحاديث مناكير، فإن هذا ليس بجرح فيمن قيلت فيه، قال الحافظ في "الفتح" 1/ 453 - بعد نقله قول الإمام أحمد في يزيد ابن عبد الله بن خصيفة أنه منكر الحديث -:
"هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يغرب على أقرانه بالحديث عرف ذلك بالاستقراء من حاله وقد احتج بابن خصيفة مالك والأئمة كلهم".
وقال اللكنوي في "الرفع والتكميل" (ص 97-98):
"فعليك يا من ينتفع من "ميزان الاعتدال" وغيره من كتب أسماء الرجال ألا تغتر بلفظ الانكار الذي تجده منقولا من أهل النقد في الأسفار، بل يجب عليك أن تثَّبَّتَ وتفهمَ أن المنكر إذا أطلقه البخاري على الراوي فهو ممن لا تحل الرواية عنه، وأما إذا أطلقه أحمد ومن يحذو حذوه فلا يلزم أن يكون الراوي ممن لا يحتج به، وأن تفرق بين (رَوَى المناكير أو يروي المناكير، أو في حديثه نكارة) ونحو ذلك وبين قولهم: (منكر الحديث) ونحو ذلك، فإن العبارات الأولى لا تقدح الراوي قدحا يعتد به والأخرى تجرحه جرحا معتدا به، وأن لا تبادر بحكم ضعف الراوي بوجود (أنكرُ ما رَوَى)، في حق روايته في "الكامل" و"الميزان" ونحوهما فإنهم يطلقون هذا اللفظ على الحديث الحسن والصحيح أيضا بمجرد تفرد راويها.
وأن تفرق بين قول القدماء هذا حديث منكر، وبين قول المتأخرين هذا حديث منكر، فإن القدماء كثيرا ما يطلقونه على مجرد ما تفرد به راويه وإن كان من الأثبات، والمتأخرين يطلقونه على رواية راو ضعيف خالف الثقات".
وقال السخاوي في "فتح المغيث" 2/ 130:
"قال ابن دقيق العيد في "شرح الالمام" قولهم روى مناكير لا يقتضي بِمُجَرَّدِهِ ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته وينتهي إلى أن يقال فيه منكر الحديث، لأن منكر الحديث وصْف في الرجل يستحق به الترك لحديثه، والعبارة الأخرى لا تقتضي الدَّيْمُومَة، كيف وقد قال أحمد بن حنبل في محمد ابن ابراهيم التيمي: يروي أحاديث منكرة. وهو ممن اتفق عليه الشيخان وإليه المرجع في حديث إنما الاعمال بالنيات".
فالخلاصة أن الإمام أحمد ويحيى القطان وغيرهما يطلقون المنكر على التفرد، وليس على المخالفة فتنبه لهذا فإنه مهم.

يستفاد من الحديث


أولًا: نفي الصلاة الشرعية التي لا تقرأ فيها فاتحة الكتاب.

ثانيًا: فيه دليل على إيجاب قراءة الفاتحة خلف الإمام تخصيصا.

ثالثًا: وجوب قراءة الفاتحة على المأموم فيما جهر فيه الإمام من الصلوات.

رابعًا: أنه لا يجوز للمأموم القراءة في الصلاة الجهرية سوى سورة الفاتحة.

خامسًا: أن المأموم يقرأ الفاتحة حتى إذا لم يسكت الإمام لكن ينبغي من الأئمة أن ينصتوا قدر ما يقرأ المأموم الفاتحة، قال سعيد بن جبير: "لا بد أن تقرأ بأم القرآن مع الإمام، ولكن من مضى كانوا إذا كبر الإمام سكت ساعة لا يقرأ قدر ما يقرءون أمّ القرآن".
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2789) و (2794) عن معمر، وابن جريج، قالا: أخبرنا ابن خثيم، عن سعيد بن جبير به.
وأخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (164)، ومنه نقله البيهقي في "القراءة خلف الإمام" (ص 104) حدثنا صدقة، قال: أخبرنا عبد الله بن رجاء، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، قال: قلت لسعيد بن جبير:
" أقرأ خلف الإمام؟ قال: نعم، وإن سمعت قراءته إنهم قد أحدثوا ما لم يكونوا يصنعونه، إن السلف كان إذا أم أحدهم الناس كبر ثم أنصت حتى يظن أن من خلفه قد قرأ فاتحة الكتاب ثم قرأ وأنصتوا".
وقال البيهقي:
"وبمعناه رواه ابن خزيمة في كتابه عن جعفر بن محمد التغلبي، عن يحيى بن سليم، عن ابن خثيم".
وقال الحافظ في "نتائج الأفكار" 2/ 26:
"هذا موقوف صحيح، فقد أدرك سعيد بن جبير جماعة من علماء الصحابة، ومن كبار التابعين".
وكان مكحول، يقول: "اقرأ فيما جهر به الإمام إذا قرأ بفاتحة الكتاب وسكت سرا، فإن لم يسكت اقرأ بها قبله ومعه وبعده، لا تتركها على حال".
أخرجه أبو داود (825)، ومن طريقه البيهقي في "القراءة خلف الإمام" (240) حدثنا على بن سهل الرملي، حدثنا الوليد، عن ابن جابر وسعيد ابن عبد العزيز وعبد الله بن العلاء، عن مكحول به.
والوليد بن مسلم: مدلس وقد عنعنه، لكن يقوّيه ما أخرجه البيهقي في "القراءة" (246) من طريق محمد بن يعقوب، أخبرنا العباس بن الوليد البيروتي، حدثنا عقبة بن علقمة، حدثني موسى بن يسار، قال:
"سمعت مكحولا، يقرأ بأم الكتاب خلف الإمام وإنه ليقرأ".
وهذا إسناد حسن، موسى بن يسار حسن الحديث، وأما قول الحافظ "مقبول" فليس بمقبول، فقد روى عنه جمعٌ من الثقات منهم ابن المبارك، والأوزاعي، ويحيى بن حمزة، وعثمان بن حصن، وعبد الله بن سعيد بن
عبد الملك، وسعيد بن أبي أيوب، وقال فيه أبو حاتم:
"شيخ مستقيم الحديث".
ووثقه ابن حبان 7/ 457.
وقال الذهبي في "الكاشف" 2/ 309:
"صدوق".
وصحب مكحولا أربعة عشر عاما.

سادسًا: أن المأموم يقرأ الفاتحة سرا بحيث يسمع كل واحد نفسه، وعن
أبي هريرة، قال: "انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟ فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: إني أقول مالي أنازع القرآن" [1].
قال الخطابي في "معالم السنن" 1/ 206:
"قوله صلى الله عليه وسلم (ما لي أنازع القرآن؟) معناه أداخَل في القراءة وأغالب عليها.
وقد تكون المنازعة بمعنى المشاركة والمناوبة، ومنه منازعة الناس في النِدام".
وقال ابن الأثير في "النهاية" 5/ 41:
"(مالي أنازع القرآن؟) أي أجاذب في قراءته، كأنهم جهروا بالقراءة خلفه فشغلوه".


كتبه الفقير إلى الله تعالى
أبو سامي العبدان 
حسن التمام
28 - شوال - 1439 هجري.


[1] - أخرجه أبو داود (826)، والبيهقي 2/ 157، والخطيب البغدادي في "الفصل للوصل المدرج في النقل" 1/ 290 عن القعنبي، والترمذي (312) من طريق معن، والنسائي (919)، وفي "الكبرى" (993) أخبرنا قتيبة بن سعيد، وابن حبان (1849) من طريق أحمد ابن أبي بكر، والبيهقي في "المعرفة" 3/ 75 من طريق ابن بكير، والشافعي، كلهم عن مالك (وهو في "الموطأ" 1/ 86) عن ابن شهاب، عن ابن أكيمة الليثي، عن أبي هريرة به، وفيه زيادة، وهي "فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال الترمذي:
"هذا حديث حسن، وابن أكيمة الليثي اسمه عمارة، ويقال: عمرو بن أكيمة".
وقال البيهقي في "السنن الكبرى":
"في صحة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نظر، وذلك لأن رواية ابن أكيمة الليثي وهو رجل مجهول لم يحدث إلا بهذا الحديث وحده، ولم يحدث عنه غير الزهري، ولم يكن عند الزهري من معرفته أكثر من أن رآه يحدث سعيد بن المسيب وفيما أخبرنا أبو سعيد يحيى بن محمد بن يحيى، أن أبا بحر البربهاري، أخبرهم، حدثنا بشر بن موسى قال: قال الحميدي في حديث ابن أكيمة: هذا حديث رواه رجل مجهول لم يرو عنه غيره قط".
وقال في "معرفة السنن والآثار":
"واختلفوا في اسمه، فقيل: عمارة، وقيل: عمار، قاله البخاري".
وهذه الزيادة (فانتهى الناس عن القراءة...الخ) مدرجة في الحديث، وهي من كلام الإمام الزهري، فإن هذا الحديث له طرق عنه، وجاءت هذه الزيادة مفصولة عنه:
الطريق الثاني، سفيان بن عيينة:
أخرجه الحميدي (983) ، وأحمد 2/ 240، ومن طريقه المزي في "تهذيب الكمال" 21/ 229-230، وابن أبي شيبة 1/ 375 ، وعنه ابن ماجه (848) مقرونا به هشام بن عمار، وأبو داود (827)، ومن طريقه البيهقي 2/ 157، والخطيب البغدادي في "الفصل للوصل المدرج" 1/ 294-295 من طريق مسدد، وأحمد بن محمد المروزي، ومحمد بن أحمد ابن أبي خلف، وعبد الله بن محمد الزهري، وابن السرح، كلهم عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن ابن أكيمة (وعند أكثرهم، يُحدِّث سعيد بن المسيب) قال: سمعت أبا هريرة يقول:
"صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة، نظن أنها الصبح، فقال: هل قرأ منكم من أحد؟ قال رجل: أنا، قال: إني أقول: ما لي أنازع القرآن".
وقال البيهقي: 
 "قال علي بن المديني: قال سفيان، ثم قال الزهري شيئا لم أحفظه، انتهى حفظي إلى هذا وقال معمر، عن الزهري: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال علي: قال لي سفيان يوما: فنظرت في شيء عندي فإذا هو صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بلا شك، وقال مسدد في حديثه قال معمر: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن السرح في حديثه: قال معمر، عن الزهري قال أبو هريرة: فانتهى الناس، وقال عبد الله بن محمد الزهري قال سفيان وتكلم الزهري بكلمة لم أسمعها، فقال معمر: إنه قال: فانتهى الناس، وقال أبو داود: وروى عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، وانتهى حديثه إلى قوله ما لي أنازع القرآن؟
ورواه الأوزاعي، عن الزهري قال فيه: قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون معه فيما يجهر به، قال أبو داود: سمعت محمد بن يحيى بن فارس يقول: قوله: فانتهى الناس من كلام الزهري ... وكذا قاله محمد بن إسماعيل البخاري في "التاريخ" قال: هذا الكلام من قول الزهري أخبرنا إبراهيم بن محمد الفارسي، أنبأ إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني، حدثنا محمد بن سليمان بن فارس قال محمد بن إسماعيل، فذكره".
وقال الحافظ في "التلخيص " 1/ 231:
"هو من كلام الزهري، بينه الخطيب، واتفق عليه البخاري في "التاريخ" 9/ 38، وأبو داود، ويعقوب بن سفيان، والذهلي، والخطابي، وغيرهم".
قلت: قاله البخاري في "القراءة خلف الإمام" (96)، وفي "التاريخ الكبير" 9/ 38، وكذا ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" وفي "سننه الكبرى"، والخطيب في "الفصل للوصل المدرج في النقل" 1/ 292.
وقال البيهقي في "معرفة السنن والآثار" 3/ 75: 
 "وقوله (فانتهى الناس عن القراءة، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما جهر فيه) من قول الزهري، قاله: محمد بن يحيى الذهلي، صاحب الزهريات، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وأبو داود السجستاني، واستدلوا على ذلك برواية الأوزاعي، حين ميزه من الحديث، وجعله من قول الزهري، فكيف يصح ذلك عن أبي هريرة، وأبو هريرة يأمر بالقراءة خلف الإمام، فيما جهر به وفيما خافت".
وقال في "القراءة خلف الإمام" (ص141):
"رواية ابن عيينة عن معمر دالة على كونه من قول الزهري، وكذلك انتهاء الليث بن سعد وهو من الحفاظ الأثبات الفقهاء مع ابن جريج برواية الحديث عن الزهري إلى قوله: "مالي أنازع القرآن" دليل على أن ما بعده ليس في الحديث وأنه من قول الزهري، وقد رواه الأوزاعي عن الزهري ففصل كلام الزهري من الحديث بفصل ظاهر...".
وكذا قال ابن حزم في "المحلى" 2/ 269 في قوله "فانتهى الناس.. الخ " قال: "من قول الزهري".
وقال عبد الحي اللكنوي في "إمام الكلام":
"ليس في خبر أبي هريرة ما يفيد ترك فاتحة الكتاب أيضا نصا مرفوعا بل هو موقوف على
 أبي هريرة أو على من بعده، وترك الفاتحة ليس إلا مما يدل عليه ظاهره وإطلاقه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة في صلاة الصبح "لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب" الخ مرفوع نص، قد سيق لإجازة قراءة الفاتحة خلف الامام في الجهرية فيجب تقديمه والعمل به لكون المرفوع أقوى من غير المرفوع، والنص اقوى من الظاهر الذي هو دون النص كما هو مفصل في كتب الاصول، فكيف يمكن دعوى نسخ الأقوى بالأدنى من غير حجة مثبتة؟! 
وإن خبر أبي هريرة لو كان ناسخا لحديث عبادة لكان أبو هريرة أعلم به ولم يفتِ بخلافه مع انه أفتى بقوله اقرأ بها في نفسك".
الطريق الثالث، معمر بن راشد:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2795) عن معمر، عن الزهري قال: سمعت ابن أكيمة يحدث، عن أبي هريرة:
" أن رسول الله 
صلى الله عليه وسلم صلى صلاة جهر فيها بالقراءة، ثم أقبل على الناس بعدما سلم، فقال لهم: هل قرأ منكم معي أحد آنفا؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: إني أقول مالي أنازع القرآن - فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يجهر به من القراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وأخرجه ابن ماجه (849) حدثنا جميل بن الحسن، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا معمر، عن الزهري، عن ابن أكيمة، عن أبي هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وزاد فيه: قال: "فسكتوا بعد فيما جهر فيه الإمام".
وهذا إسناد ضعيف لأجل جميل بن الحسن: قال عبدان فاسق يكذب أي: في كلامه كما في "الكاشف".
وقال عبد الرحمن بن أبى حاتم:
أدركناه ولم نكتب عنه شيئا.
وقال ابن عدي: بعد أن ذكر قول عبدان بأنه يكذب:
أما في الرواية فإنه صالح. 
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يغرب.
وقال الحافظ مغلطاي في "إكمال تهذيب الكمال" 3/ 239:
"وفي "التاريخ الأوسط" للبخاري: حديثه ليس بشيء. ووثقه مسلمة".
وقال الحافظ في "التقريب":
"صدوق يخطئ، أفرط فيه عبدان".
الطريق الرابع، الليث بن سعد:
أخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (69)، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (318)، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك، وابن حبان (1843) من طريق يزيد بن هارون، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (319) من طريق يحيى بن عبد الله بن بكير، ثلاثتهم عن الليث، عن ابن شهاب، عن ابن أكيمة، عن أبي هريرة، أنه قال:
"صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة جهر فيها فلما قضى صلاته قال: من قرأ معي؟ قال رجل: أنا قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن؟".
وأخرجه الخطيب في "الفصل" 1/ 291 من طريق يحيى بن يحيى بن بكر، عن الليث بن سعد به، وفيه "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أقول مالي أنازع القرآن. قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك منه".
وقال الخطيب: 
"روى يحيى بن عبد الله بن بكير المصري، عن الليث بن سعد هذا الحديث فأورد منه المسند فقط، وهو إلى قوله: "مالي أنازع القرآن "، ولم يزد على ذلك".
الطريق الخامس، عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2796)، وأحمد 2/ 285، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (320) من طريق ابن جريج قال: أخبرني ابن شهاب قال: سمعت ابن أكيمة، يقول: قال أبو هريرة:
"صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة يجهر فيها ثم سلم، فأقبل على الناس فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفا؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: إني أقول مالي أنازع القرآن".
الطريق السادس، الأوزاعي:
أخرجه ابن حبان (1850) أخبرنا محمد بن الحسين بن يونس بن أبي معشر شيخ بكفر توثا، من ديار ربيعة، قال: حدثنا إسحاق بن زريق الرسعني، قال: حدثنا الفريابي، عن الأوزاعي، قال: حدثنا الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال:
 "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاة، فجهر فيها، فقرأ أناس معه، فلما سلم، قال: قرأ منكم أحد"؟ قالوا: نعم، يا رسول الله، قال: إني لأقول ما لي أنازع القرآن"؟ قال: فاتعظ المسلمون بذلك، فلم يكونوا يقرؤون".
ثم أخرجه ابن حبان (1851) أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قال: حدثنا الوليد، قال: حدثنا الأوزاعي، عن الزهري عمن سمع أبا هريرة، يقول: 
"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فلما سلم، قال: هل قرأ معي منكم أحد آنفا"؟ قالوا: نعم، يا رسول الله، قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن. قال الزهري: فانتهى المسلمون، فلم يكونوا يقرؤون معه".
وقال ابن حبان:
 "هذا خبر مشهور للزهري، من رواية أصحابه، عن ابن أكيمة، عن أبي هريرة، ووهم فيه الأوزاعي - إذ الجواد يعثر- فقال: عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، فعلم الوليد بن مسلم أنه وهم، فقال: عمن سمع أبا هريرة، ولم يذكر سعيدا.
وأما قول الزهري: فانتهى الناس عن القراءة، أراد به رفع الصوت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعا منهم لزجره صلى الله عليه وسلم، عن رفع الصوت والإمام يجهر بالقراءة في قوله: "ما لي أنازع القرآن".
وقال الخطيب في "الفصل للوصل المدرج في النقل" 1/ 297:
"وإنما دخل الوهم فيه على الأوزاعي لأنه سمع الزهري يقول: سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد ابن المسيب، فسبق إلى حفظه ذكر سعيد بن المسيب واستقرت روايته على ذلك".
وأخرجه البيهقي 2/ 158 من طريق العباس بن الوليد بن مزيد، أنبأ أبي، حدثني الأوزاعي، حدثني الزهري، عن سعيد بن المسيب، أنه سمع أبا هريرة يقول:
 "قرأ ناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة يجهر فيها بالقراءة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل عليهم، فقال: هل قرأ معي منكم أحد؟ فقالوا: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أقول مالي أنازع القرآن؟. قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون".
وقال البيهقي: 
 "حفظ الأوزاعي كون هذا الكلام من قول الزهري ففصله عن الحديث إلا أنه لم يحفظ إسناده، الصواب ما رواه ابن عيينة، عن الزهري قال: سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب، وكذلك قاله يونس بن يزيد الأيلي ...".
قلت: وكذلك إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري، ويحيى بن عبد الله بن الضحاك البابلتي على ضعفه، وكذا عبد الحميد بن أبي العشرين:
أما طريق الفزاري:
فأخرجه الخطيب في "الفصل للوصل المدرج" 1/ 300 من طريق محمد بن عبيد الله بن الشخير الصيرفي، حدثنا محمد بن موسى السوانيطي، حدثنا علي ابن بكار، حدثنا الفزاري، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، قال:
 "قرأ ناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة جهر فيها بالقراءة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته أقبل عليهم، فقال: هل قرأ منكم أحد آنفا؟ قالوا: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأقول مالي أنازع القرآن. قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون".
 وأما طريق البابلتي:
فقال الخطيب في "الفصل للوصل المدرج" 1/ 299-300 أخبرنيه عبد العزيز بن علي الوراق محمد بن أحمد بن المفيد - بجرجان - حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا يحيى بن
عبد الله البابلتي، حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني الزهري، قال: حدثني سعيد بن المسيب، أنه سمع أبا هريرة، يقول: 
 "قرأ الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة جهر فيها بالقراءة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته وسلم أقبل عليهم، فقال: هل قرأ أحد معي آنفا؟ فقالوا: نعم يا رسول الله، قال لهم رسول الله: إني لأقول مالي أنازع القرآن. قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون".
وأما طريق عبد الحميد بن أبي العشرين:
فأخرجه الخطيب أيضا في "الفصل للوصل المدرج" 1/ 300-301 من طريق هشام بن عمار، حدثنا عبد الحميد بن أبي العشرين، حدثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن ابن المسيب، قال: حدثني أبو هريرة، قال:
"قرأ ناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة جهر فيها بالقراءة، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، وسلم أقبل عليهم فقال: هل قرأ معي منكم أحد آنفا، قالوا: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أقول مالي أنازع القرآن. قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرءون إلا بأم القرآن".
وأخرجه الخطيب البغدادي في "الفصل للوصل المدرج" 1/ 298 من طريق الطبراني، حدثنا الحسن بن عليل العنزي، ومحمد بن يحيى الأصبهاني، قالا: حدثنا أبو كريب، حدثنا العلاء بن عصيم، حدثنا المفضل بن يونس، حدثنا الأوزاعي قال: حدثني الزهري، قال حدثني سعيد ابن المسيب، عن أبي هريرة قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة جهر فيها، فقال: تقرؤون خلفي؟ قلنا نعم، قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن، قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم".
قال سليمان - يعني الطبراني -: "المفضل بن يونس من عباد الكوفة، ولم يرو هذا الحديث عنه إلا العلاء بن عصيم". 
 وقال الخطيب: "أدرج المفضل عن الأوزاعي كلام الزهري، وأما الباقون من أصحاب الأوزاعي فإنهم بينوه".
قلت: مفضل بن يونس: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات" 9/ 184 وقال:
 "ربما أخطأ".
الطريق السابع، يونس بن يزيد بن أبى النجاد:
أخرجه البخاري في "القراءة خلف الإمام" (68) حدثنا عبد الله بن محمد، قال: حدثنا الليث، قال: حدثني يونس، عن ابن شهاب، سمعت ابن أكيمة الليثي، يحدث سعيد بن المسيب، يقول: سمعت أبا هريرة t يقول:
"صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة جهر فيها بالقراءة، ولا أعلم إلا أنه قال: صلاة الفجر، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس، فقال: هل قرأ معي أحد منكم؟ قلنا: نعم، قال: ألا إني أقول ما لي أنازع القرآن؟ قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه الإمام وقرؤوا في أنفسهم سرا فيما لا يجهر فيه الإمام".
الطريق الثامن، عبد الرحمن بن إسحاق:
أخرجه أحمد 2/ 487 حدثنا إسماعيل، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن ابن أكيمة الجندعي، عن أبي هريرة، قال:
"صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فجهر فيها بالقراءة، فلما فرغ قال: هل قرأ أحد منكم معي آنفا؟ قال رجل: من القوم أنا، قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن". 
 وإسناده حسن، عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث: صدوق رمي بالقدر، وإسماعيل هو ابن علية: ثقة حافظ.
وجاء من حديث عبد الله بن بحينة:
أخرجه البيهقي في "سننه الكبرى" 2/ 158 من طريق عبد الله بن سعد، حدثنا عمي، حدثنا ابن أخي الزهري، عن عمه قال: أخبرني عبد الرحمن بن هرمز، عن عبد الله ابن بحينة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"هل قرأ أحد منكم آنفا في الصلاة؟  قالوا: نعم قال: إني أقول ما لي أنازع القرآن؟ فانتهى الناس عن القراءة حين قال ذلك".
وقال البيهقي:
"قال يعقوب بن سفيان: هذا خطأ لا شك فيه ولا ارتياب.
 ورواه مالك، ومعمر، وابن عيينة، والليث بن سعد، ويونس بن يزيد، والزبيدي كلهم، عن الزهري، عن ابن أكيمة عن أبي هريرة".
والخطأ من ابن أخي الزهري واسمه محمد بن عبد الله بن مسلم الزهري، قال فيه ابن حبان: كان رديء الحفظ كثير الوهم يخطئ عن عمه في الروايات ويخالف فيما يروي عن الأثبات، فلا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.
الخلاصة: هذا الحديث لا يصلح أن يكون ناسخًا لحديث عبادة، وذلك لأمور:
الأول: أن في إسناده ابن أكيمة وهو مجهول العين إذ لم يرو عنه غير الزهري، قال الحافظ في "التهذيب" 7 / 411:
 "ذكره مسلم وغير واحد في "الوحدان"، وقالوا: لم يرو عنه غير الزهري". 
وقد اختُلف في اسمه على أربعة أقوال:
قيل: عمارة.
وقيل: عمار.
وقيل: عامر.
وقيل: عمرو.
قال أبو حاتم: صحيح الحديث، حديثه مقبول!
وقال الدوري، عن يحيى بن سعيد: عمارة بن أكيمة ثقة.
وقال يعقوب بن سفيان: هو من مشاهير التابعين بالمدينة.
وقال أبو بكر البزار: ابن أكيمة ليس مشهورا بالنقل، ولم يحدث عنه إلا الزهري.
وقال الحميدي: هو رجل مجهول.
وكذا قال البيهقي.
وقال ابن سعد: روى عنه الزهري حديثا، ومنهم من لا يحتج بحديثه يقول: هو شيخ مجهول.
وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات".
الثاني: على فرض قبول توثيق من وثّقه وإن كان مجهول العين لشهرته، وأن جهالة مَنْ كان من أهل العصر الأول وخصوصا طبقة ما بعد الصحابة تعطيه قوّة في قبول حديثه نقول إن الجزء الذي استُدلّ به من هذا الحديث مدرج من كلام الزهري فلا حجة فيه، =
 = ولا يصلح أن يكون ناسخا لأحاديث الأمر بالقراءة، لأنه مرسل، والمرسل ضعيف وخصوصًا مراسيل الزهري فقد نصّ أئمة هذا الشأن بضعفها.
قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 1/ 84:
"قال أبو قدامة السرخسي، قال يحيى بن سعيد: مرسل الزهري شر من مرسل غيره لأنه حافظ وكلما قدر أن يسمي سمى وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه".
وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (ص 3):
"حدثنا أحمد بن سنان، قال: كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئا، ويقول هو بمنزلة الريح. ويقول: هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه".
وقال السيوطي في "تدريب الراوي" 1/ 232:
"مراسيل الزهري: قال ابن معين، ويحيى بن سعيد القطان: ليس بشيء، وكذا قال الشافعي: قال: لأنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم.
وروى البيهقي، عن يحيى بن سعيد، قال: مرسل الزهري شر من مرسل غيره، لأنه حافظ، وكلما قدر أن يسمي سمى، وإنما يترك من لا يحب أن يسميه".
قال ابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 6:
"وحجتهم في رد المراسيل ما أجمع عليه العلماء من الحاجة إلى عدالة المخبر وأنه لا بد من علم ذلك، فإذا حكى التابعي عمن لم يلقه لم يكن بد من معرفة الواسطة إذ قد صح أن التابعين أو كثيرا منهم رووا عن الضعيف وغير الضعيف، فهذه النكتة عندهم في رد المرسل، لأن مرسله يمكن أن يكون سمعه ممن يجوز قبول نقله وممن لا يجوز، ولا بد من معرفة عدالة الناقل فبطل لذلك الخبر المرسل للجهل بالواسطة، قالوا: ولو جاز قبول المراسيل لجاز قبول خبر مالك والشافعي والأوزاعي، ومثلهم إذا ذكروا خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو جاز ذلك فيهم لجاز فيمن بعدهم إلى عصرنا، وبطل المعنى الذي عليه مدار الخبر، ومن حجتهم أيضا في ذلك أن الشهادة على الشهادة قد أجمع المسلمون أنه لا يجوز فيها إلا الاتصال والمشاهدة، فكذلك الخبر يحتاج من الاتصال والمشاهدة إلى مثل ما تحتاج إليه الشهادة، إذ هو باب في إيجاب الحكم واحد هذا كله قول الشافعي وأصحابه وأهل الحديث ...".
الثالث: يمكن تأويل قوله "فانتهى الناس ..." بمعنى تركوا القراءة فيما سوى الفاتحة، أو تركوا الجهر بالقراءة.
الرابع: حديث عبادة بن الصامت نص لا يحتمل التأويل، وأما حديث أبي هريرة فهو محتمل أن الناس تركوا القراءة فيما سوى الفاتحة، أو تركوا الجهر بالقرآن.
الخامس: ليس هذا مذهب راوي الحديث فإن أبا هريرة رضي الله عنهكان يأمر بقراءة الفاتحة فيما جهر فيه الإمام من الصلوات، فكيف يصحّ أن يكون "فانتهى الناس عن القراءة.. الخ من قوله!
قال البيهقي في "القراءة خلف الإمام" (ص 142):
"ولا يترك الثابت عن أبي هريرة في الأمر بقراءة فاتحة الكتاب وراء الإمام لرواية رجل مجهول، مع احتمال روايته أن يكون المراد بها ما بعد الفاتحة من القرآن دون الفاتحة التي أمر أبو هريرة بقراءتها وراء الإمام وإن كان يجهر الإمام بالقراءة".
السادس: قد قال بالقراءة خلف الإمام فيما جهر فيه: عمرُ بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمر، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمرو، وأبو هريرة، وهشام بن عامر رضي الله عنهم، فهل كان هذا الجمع من الصحابة ممن انتهوا عن القراءة خلف النبي صلى الله عليه وسلم على فهم مَنْ يقول بعدم جواز قراءة الفاتحة للمأموم فيما جهر فيه الإمام مستدلا بقول الزهري؟! أم أنهم كانوا يأمرون بالقراءة وقد شهدوا قصة الصلاة التي نوزع النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالقرآن، وعلموا ما هو المقصود من المنازعة؟!
وأن المنازعة تحصل إذا جهر المأمومون بالقراءة فبسماعه لقراءتهم يحصل له التشويش، وأما قراءتهم لفاتحة الكتاب سرًا فلا شيء يحصل من ذلك مطلقا، ولهذا كان يأمر بقراءة فاتحة الكتاب عمرُ بن الخطاب، فعن يزيد بن شريك:
"أنه سأله عن القراءة خلف الإمام فقال: اقرأ بفاتحة الكتاب، قلت: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا، قلت: وإن جهرت؟ قال: وإن جهرت".
وكذا أبو هريرة رضي الله عنهكان يأمر بقراءتها فعن أبي السائب قال: قلت لأبي هريرة: إني أكون وراء الإمام فغمز ذراعي، فقال: يا فارسي، اقرأ بها في نفسك. يعني بأم القرآن".
قال الشيخ عبيد الله المباركفوري في "مرعاة المفاتيح" 3/ 166:
 "قال القرطبي: والمعنى لا تجهروا إذا جهرت، فإن ذلك تجاذب وتخالج، اقرؤوا في أنفسكم، بينه حديث عبادة، وأفتى الفاروق برأي أبي هريرة الراوي الحديثين، فلو فهم المعنى جملة من قوله لما أفتى بخلافه".
وقال ابن عبد البر في "التمهيد":
"لا تكون المنازعة إلا فيما جهر فيه المأموم وراء الإمام، ويدل على ذلك قول أبي هريرة: اقرأ بها في نفسك يا فارسي".
وقال الشيخ عبد الحي اللكنوي في "غيث الغمام" (ص30): 
"غاية ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مالي أنازع القرآن) فهو إن دل على النهي، فإنما يدل على نهي القراءة المفضية إلى المنازعة في الجهرية".
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار":
"استدل به القائلون بأنه لا يقرأ المؤتم خلف الإمام في الجهرية، وهو خارج عن محل النزاع لأن محل النزاع هو القراءة خلف الإمام سرا، والمنازعة إنما تكون مع جهر المؤتم لا مع إسراره".
وجاء في "مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار" 4/ 684: "والمنازعة: المجاذبة في الأعيان والمعاني، ومنه حديث: (أنا فرطكم على الحوض ولألفين ما نوزعت في أحدكم، فأقول: هذا مني) أي: يجذب ويؤخذ مني. ومنه: (مالي أنازع القرآن) أي: أجاذب في قراءته، كأنهم جهروا بالقراءة خلفه فشغلوه. (ينازعني القرآن) أي: لا يتأتى لي وكأني أجاذبه فيعصي ويثقل علي لكثرة أصوات المأمومين".
السابع: لا يُصار إلى النسخ إلا عند تعذّر الجمع، والجمع ههنا ممكن، فنقول انتهى الناس عن القراءة فيما سوى الفاتحة، أو انتهى الناس عن الجهر بالقرآن.
قال ابن حزم في "الإحكام" 2/ 151:
"إذا تعارض الحديثان، أو الآيتان، أو الآية والحديث، فيما يَظنُّ من لا يَعْلَم، ففرضٌ على كلِّ مسلمٍ استعمال كلِّ ذلك، لأنه ليس بعض ذلك أولى بالاستعمال من بعض، ولا حديث بأوجب من حديث آخر مثله، ولا آية أولى بالطاعة لها من آية أخرى مثلها، وكلٌّ من عند الله عز وجل، وكلٌّ سواء في باب وجوب الطاعة والاستعمال ولا فرق".
وقال في "المحلى" 2/ 269:
"وهذا حديث انفرد به ابن أكيمة وقالوا: هو مجهول، ثم لو صح لما كانت لهم فيه حجة، لأن الأخبار واجب أن يضم بعضها إلى بعض، وحرام أن يضرب بعضها ببعض لأن كل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كله حق يصدق بعضه بعضا، ولا يخالف بعضه بعضا فالواجب أن يؤخذ كلامه عليه السلام كله بظاهره كما هو، كما قاله عليه السلام، لا يزاد فيه شيء، ولا ينقص منه شيء، فلا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ولا ينازع القرآن ...".
وقال ابن رجب في " فتح الباري" 5/ 84:
"وإذا أمكن الجمع بينها والعمل بها كلها وجب ذلك، ولم يجز دعوى النسخ معهُ، وهذه قاعدة مطردة".
وقال الحافظ في "الفتح " 9/ 474:
"الجمع أولى من الترجيح، باتفاق أهل الأصول".
الثامن: قال العلّامة أبو العلا المباركفوري في "تحقيق الكلام" (ص371-372): "الذين يدّعون نسخ قراءة الفاتحة خلف الإمام بحديث أبي هريرة عليهم أن يبيّنوا هل القراءة نُسخت قبل قوله صلى الله عليه وسلم "ما لي أنازع القرآن" أم بعده؟! فإن لم تكن نُسخت قبل قوله هذا، بل نُسخت به فعلى هذا التقرير لا يصح سؤاله بلفظ "هل قرأ أحد منكم أنفا؟" قبل قوله "ما لي أنازع القرآن" فإن هل يسأل بها إذا لم يكن الفعل المذكور بعدها معلوما متحققا لدي السائل.
وأما ههنا فكانت قراءة الناس خلفه صلى الله عليه وسلم معلومة متحققة لديه، لأنها لم تكن نُسخت إلى ذاك الوقت ... وإن كانت القراءة نسخت قبل قوله صلى الله عليه وسلم "ما لي أنازع" وكان الناس انتهوا عن القراءة فلا يستقيم معنى قوله "فانتهى الناس عن القراءة" لأن الفاء في قوله "فانتهى الناس" دليل صارخ على أن الناس انتهوا من القراءة خلفه صلى الله عليه وسلم بعد قوله "ما لي أنازع القرآن" وكانوا قبل يقرأون، فالذين يدّعون النسخ عليهم أن يدفعوا هذا الإشكال أولًا ثم يدّعوا النسخ".
قال الحازمي في "الاعتبار": 
 "قرأت على أبي موسى الحافظ، أخبرك الحسن بن أحمد القارئ، أخبرنا إبراهيم، حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا بشر بن موسى، قال: قال الحميدي: قال لنا قائل ممن يرى ألا يقرأ خلف الإمام فيما يجهر به: أن الزهري حدث عن ابن أكيمة، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما لي أنازع القرآن؟ فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر به النبي صلى الله عليه وسلم.
قلنا: هذا حديث رواه مجهول، لم يروه عنه قط غيره، ولو كان هذا ثابتا أريد به النهي عن قراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام دون غيرها، لكان في حديث العلاء عن أبيه ما يبين أنه ناسخ لهذا.
وحديث العلاء أخبرنا به أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد، من أصله العتيق في آخرين، قالوا: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عبد القادر، أخبرنا أبو عمر، وعثمان بن محمد، أخبرنا أبو بكر الشافعي، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي، حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن: أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول: سمعت أبا هريرة يقول:
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج، غير تمام قال: فقلت: يا أبا هريرة إني أحيانا أكون وراء الإمام، قال: فغمز ذراعي وقال: اقرأ بها يا فارسي في نفسك، وذكر الحديث...
ثم قال الحازمي: قال الحميدي: لأنا وجدناهما عن أبي هريرة، ولم يتبين لنا أيهما بعد الآخر، حتى أبان ذلك العلاء في حديثه حين قال: قال لي أبو هريرة: يا فارسي اقرأها بها في نفسك، فعلمنا إنما أمر بذلك أبو هريرة أبا العلاء بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحتمل أن يكون حديث ابن أكيمة الناسخ، ثم يأمر أبو هريرة أن يعمل بالمنسوخ، وهو رواهما معا، وفي قول عبادة بن الصامت: أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وهو رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قول أبي هريرة هذا ما دل على أنه إنما عنى النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة في الجهر وغيره، لأن من روى (الحديثين) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعلم بمعناهما، وما أراد النبي صلى الله عليه وسلم من غيره مع استعمالهما ذلك بعده، ومع أن حديث ابن أكيمة الذي ليس بثابت هو المنسوخ، وإنما قال فيه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لي أنازع القرآن فاحتمل أن يكون (عنى) النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ قرآنا خلفه سوى فاتحة الكتاب، لأنا وجدنا عمران بن حصين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل قرأ خلفه بـ ﴿سبح اسم ربك الأعلى﴾: هل قرأ أحد منكم بـ ﴿سبح اسم ربك الأعلى﴾ فقال رجل: نعم، أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت، قد علمت أن بعضكم خالجنيها. وقوله صلى الله عليه وسلم: "أنازع" مثل "أخالج"، فلا يحتمل أن يكون عنى في حديث ابن أكيمة أن يقول: ما لي أنازع القرآن يعني فاتحة الكتاب، وهو يقول: لا صلاة إلا بها". هذا آخر كلام الحميدي.

إرسال تعليق

التعليقات



المتابعون

جميع الحقوق محفوظة لـ

حسن التمام

2015