
النهي عن بروك كبروك البعير
(171) "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه".
صحيح - أخرجه أبو
داود (840) - ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" 4/ 128-129، والبيهقي 2/ 99،
وفي "المعرفة" (3495)، والبغوي في "شرح السنة" (643) -، وأحمد
2/ 381، والطحاوي 1/ 254 عن ابن أبي داود، والطحاوي 1/ 254، وفي "شرح مشكل الآثار"
(182) عن صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث الأنصاري، وتمام في "الفوائد"
(720) من طريق عبد الرحمن بن معدان، والبيهقي 2/ 99 من طريق خلف بن عمرو العكبري، والحازمي
في "الاعتبار" (ص 77) من طريق محمد بن علي، سبعتهم (أبو داود، وأحمد بن حنبل،
وابن أبي داود، وصالح بن عبد الرحمن الأنصاري، وعبد الرحمن بن معدان، وخلف بن عمرو
العكبري، ومحمد بن علي) عن سعيد بن منصور، حدثنا عبد العزيز بن محمد، قال: حدثني محمد
بن عبد الله بن الحسن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
وهذا إسناد حسن، صحيح لغيره، وخالفهم الحسن بن علي بن زياد:
فأخرجه البيهقي 2/ 100 من طريقه عن سعيد بن منصور به، بلفظ:
"إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجمل، وليضع يديه على ركبتيه".
وقال البيهقي:
" كذا قال: على ركبتيه فإن كان محفوظا كان دليلا على أنه يضع يديه
على ركبتيه عند الإهواء إلى السجود".
بل هو ظاهر النكارة لمخالفته هذا
الجمع وفيهم أئمة هذا الشأن، ثم إن الحسن بن علي بن زياد السري: مجهول
الحال، لم أجد فيه إلا ما ذكره السمعاني في "الأنساب" 7/ 136، وابن ماكولا
في "الإكمال" 4/ 569:
"روى عن أحمد بن الحسين اللهبي، حدث عنه أبو بكر بن إسحاق الصبغي
النيسابوري".
وترجمه الذهبي في "تاريخ الإسلام" 6/ 932، ولم يذكر فيه جرحا
ولا تعديلا، وقد أغرب الشيخ ماهر الفحل في كتابه "الجامع في العلل والفوائد"
2/ 329 إذ جعل العهدة في هذا (أعني: وليضع يديه على ركبتيه) على الدراوردي، وهو
بريء منه جملة وتفصيلا، فقد رواه جمع من الثقات عن سعيد بن منصور، عنه بلفظ "وليضع
يديه قبل ركبتيه" كما تقدّم آنفا، وقد تابع سعيد بن منصور على هذا اللفظ: مروان
بن محمد عند النسائي (1091)، وفي "الكبرى" (682)، والدارقطني 2/ 149، ويحيى
بن حسان عند الدارمي (1321)، وأصبغ بن الفرج عند الطحاوي 1/ 254، وأبو ثابت محمد بن
عبيد الله عند البخاري في "التاريخ الكبير" 1/ 139، والدارقطني 2/ 149، وكان
على الشيخ ماهر التروّي قبل إصدار مثل هذه الأحكام ودراسة الطرق كلها، وهو لا يفرّق
بين التلميذ وشيخه، فقد قال في تعليقه على بلوغ المرام الحديث رقم (1552):
"أخرجه إسماعيل بن جعفر في "حديث علي بن حجر"
(127)".
فجعل علي بن حجر شيخ إسماعيل بن جعفر! وهو إنما "حديث إسماعيل بن
جعفر" برواية علي بن حجر، والحديث لا يَرِد على متنه الاضطراب البتة فمنهم من
يسوقه بتمامه، ومنهم من يذكر أحد شطريه، فقد أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير"
1/ 139 حدثني محمد بن عبيد الله، عن عبد العزيز بن محمد به، بلفظ:
"إذا سجد فليضع يديه قبل ركبتيه".
وستأتي رواية عبد الله بن نافع الصائغ مقتصرا على الشطر الآخر منه.
وقال البخاري:
"لا يُتابع عليه - يعني: محمد بن عبد الله بن الحسن -، ولا أدري
سمع من أبي الزناد أم لا؟!".
هذا يقوله الإمام البخاري بناءًا على شرط ثبوت اللقي المعروف، وأما الذين
لا يشترطون هذا الشرط فيكتفون بالمعاصرة إذا برئ الراوي من وصمة التدليس، وإن سماعه
منه محتمل جدا، وهو ليس بمدلّس، وهو مدني وأبو الزناد وهو عبد الله بن ذكوان مدني أيضا،
وقد تعاصرا طويلا، فإن أبا الزناد مات سنة 130 وقيل: ما بعدها، ومحمد بن عبد الله بن
الحسن الملقب بـ (النفس الزكية) غلب على المدينة ثم قتل سنة 145، وعمره 53 سنة.
وتابع الدراورديَّ على أصل الحديث عبدُ الله بن نافع:
أخرجه أبو داود (841)، والترمذي (269)، والنسائي (1090 )، وفي "الكبرى"
(681)، والبيهقي 2/ 100، والمزي في "تهذيب الكمال" 25/ 471 من طريقه، عن
محمد بن عبد الله بن حسن به مختصرا، ليس فيه "وليضع يديه على ركبتيه".
وقال الترمذي:
"حديث غريب، لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه".
وله طريق واهية عن أبي هريرة انقلب فيها الحديث:
أخرجه ابن أبي شيبة 1/ 263 - وعنه أبو يعلى (6540) -، والطحاوي في
"شرح المعاني" 1/ 255، والبيهقي 2/ 100، وفي "المعرفة" (3503)
عن ابن فضيل، عن عبد الله بن سعيد، عن جده، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
"إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قيل يديه، ولا يبرك بروك الجمل".
وقال البيهقي:
"عبد الله بن سعيد المقبري: ضعيف".
إسناده ضعيف جدا، عبد الله بن سعيد المقبري: متروك، وإنَّ كلَّ ما يظن
معارضته لحديث الباب فهو مدفوع على أصول المحدثين وأهل اللسان، وانظر
"مرعاة المفاتيح" للشيخ عبيد الله المباركفوري (906).
وله شاهد من حديث ابن عمر:
أخرجه أبو داود في "سننه" - رواية ابن العبد كما في "تحفة
الأشراف" (8030)، وابن خزيمة (627)، والطحاوي في "شرح المعاني" 1/
254، والدارقطني 2/ 148، والحاكم 1/ 226، والبيهقى 2/ 100، والحازمي في "الاعتبار"
(ص 77)، وابن حجر في "تغليق التعليق" 2/ 327 من طريق عبد العزيز الدراوردي،
عن عبيد الله بن عمر، عن نافع:
"عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك".
وعلّق البخاريُّ الموقوفَ منه في كتاب الأذان، باب: يهوي بالتكبير حين
يسجد.
وقال أبو داود:
"روى عبد العزيز، عن عُبيد الله أَحاديث مناكير".
وقال الإمام أحمد:
"ربما قلب حديث عبد الله بن عمر يرويها عن عبيد الله بن عمر".
وقال النسائي:
"حديثه عن عبيد الله بن عمر منكر".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه" وأقره الذهبي!
وليس كما قال رحمه الله تعالى، فلم يرو مسلم من حديث الدراوردي عن عبيد
الله بن عمر شيئا.
غريب الحديث
(فلا يبرك كما يبرك البعير) أي: لا يقع على ركبتيه كما يقع البعير عليهما
حين يقعد، قال الطحاوي في "شرح المعاني" 1/ 254:
"قال قوم: هذا الكلام محال، لأنه قال: (لا يبرك كما يبرك البعير)،
والبعير إنما يبرك على يديه، ثم قال: (ولكن يضع يديه قبل ركبتيه) فأمره هاهنا أن يصنع
ما يصنع البعير، ونهاه في أول الكلام أن يفعل ما يفعل البعير، فكان من الحجة عليهم
في ذلك في تثبيت هذا الكلام وتصحيحه ونفي الإحالة منه: أن البعير ركبتاه في يديه وكذلك
في سائر البهائم، وبنو آدم ليسوا كذلك، فقال: لا يبرك على ركبتيه اللتين في رجليه،
كما يبرك البعير على ركبتيه اللتين في يديه، ولكن يبدأ فيضع أولا يديه اللتين ليس فيهما
ركبتان ثم يضع ركبتيه، فيكون ما يفعل في ذلك بخلاف ما يفعل البعير".
وقال ابن حزم في "المحلى" 4/ 130:
"ركبتا البعير هي في ذراعيه".
وقد جانب الشيخ الغماري الصواب في "المداوي" 1/ 393 إذ زعم
أن أول من قال بأن ركبتي البعير في يده هو الطحاوي، وهذا غير صحيح، فقد جاء في
"صحيح البخاري" (3906) قصة سراقة بن مالك حين تبع النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر
رضي الله عنه في الهجرة، وفيه، قال: "ساخت يدا فرسي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين".
والبعير مثل الفرس، ركبتاه في يديه، قال الأصمعي كما في "لسان العرب"
1/ 594:
"وكل ذي أربع، عرقوباه في رجليه، وركبتاه في يديه".
فهذا الأصمعي وهو من أئمة اللغة، وهو متقدم على الطحاوي، يقول بأن ركبتي
البعير في يديه، وقال الأزهري في "تهذيب اللغة" 10/ 123:
"وركبة البعير في يده، وقد يقال لذوات الأربع كلها من الدواب: ركب،
وركبتا يدي البعير: المفصلان اللذان يليان البطن إذا برك، وأما المفصلان الناتئان من
خلف فهما العرقوبان".
وقال ابن سيده في "المحكم والمحيط الأعظم" 7/ 15:
"كل ذي أربع، ركبتاه في يديه، وعرقوباه في رجليه".
وجاء أثران يترجّح فيهما كفّة صواب القول بأن من نزل على ركبته فقد برك
كما يبرك البعير:
الأول: في "صحيح البخاري" (93) و (540) و (7294): "فبرك
عمر على ركبتيه، فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا".
والثاني: في "شرح معاني الآثار" للطحاوي 1/ 256، من طريق الأعمش،
قال: حدثني إبراهيم، عن أصحاب عبد الله: علقمة والأسود، فقالا:
"حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير
ووضع ركبتيه قبل يديه".
وهذا إسناد صحيح، فبيّن التابعيان علقمة والأسود أن من خرّ على ركبتيه
قبل يديه فقد برك كما يبرك البعير، وفي هذا رد على من زعم أن المنهي عنه هو صفة البروك،
وليس النهي عن البروك على ما يبرك عليه البعير!
يستفاد من الحديث
أولًا: أن المصلي حين
يهوي من الركوع إلى السجود فإنه يضع يديه على الأرض قبل ركبتيه.
ثانيًا: النهي عن التشبه
ببعض الحيوانات في الصلاة، فنُهي عن بروك كبروك البعير.
كتبه
أبو سامي العبدان
حسن التمام
12 - ربيع الثاني - 1440 هجري.
إرسال تعليق