
من أدعية الصلاة (8)
(205) "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت".
أخرجه مسلم (771)، وغيره من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد تقدّم
تخريجه ضمن شواهد الحديث رقم (127)، وفيه:
"ثم يكون من آخر ما يقول
بين التشهد والتسليم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت...الحديث".
غريب الحديث
(ما قدمت وما أخرت) المراد بقوله
ما أخرت إنما هو بالنسبة إلى ما وقع من ذنوبه المتأخرة لأن الاستغفار قبل الذنب محال
كذا قال أبو الوليد النيسابوري.
قال الإسنوي: ولقائل أن يقول:
المحال إنما هو طلب مغفرته قبل وقوعه، وأما الطلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع فلا استحالة
فيه.
(وما أسررت وما أعلنت) أي: جميع
الذنوب لأنها إما سر أو علن.
(وما أسرفت) المراد الكبائر لأن
الإسراف: الإفراط في الشيء ومجاوزة الحد فيه.
(وما أنت أعلم به مني) أي: من
ذنوبي وإسرافي في أموري وغير ذلك.
(لا إله إلا أنت) أي: ليس لنا
معبود نتذلل له ونتضرع إليه في غفران ذنوبنا إلا أنت.
يستفاد من الحديث
أولًا: الدعاء بما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الأسوة
الحسنة، وفي هديه الهدى المستقيم.
ثانيًا: حث الأمة وإرشادها على مواظبة الاستغفار، ولو عظمت الذنوب، قال الشيخ
عبيد الله المباركفوري في "مرعاة المفاتيح" 8/ 247:
"وفي الحديث الإحاطة بمغفرة
جميع الذنوب متقدمها ومتأخرها وسرها وعلنها وما كان منها على جهة الإسراف وما علم به
الداعي وما لم يعلم به".
ثالثًا: الإيمان بحكمته سبحانه وتعالى في تقديم ما قدم وتأخير ما أخَّر، وأن
أي أمر قدَّم أو أخَّر فإنما هو بعلم الله تعالى وإرادته وحكمته البالغة، قال البيهقي
في "الأسماء والصفات" 1/ 210:
"قال الحليمي: المقدم هو
المعطي لعوالي الرتب، والمؤخر هو الدافع عن عوالي الرتب. وقال أبو سليمان: هو المنزل
للأشياء منازلها، يقدم ما شاء منها ويؤخر ما شاء، قدم المقادير قبل أن يخلق الخلق،
وقدم من أحب من أوليائه على غيرهم من عبيده، ورفع الخلق بعضهم فوق بعض درجات وقدم من
شاء بالتوفيق إلى مقامات السابقين وأخر من شاء عن مراتبهم وثبطهم عنها، وأخر الشيء
عن حين توقعه لعلمه بما في عواقبه من الحكمة، لا مقدم لما أخر، ولا مؤخر لما قدم".
رابعًا: خضوعه صلى الله عليه وسلم لربه تعالى، وأداؤه لحق مقام العبودية.
كتبه
أبو سامي العبدان
حسن التمام
22 - رجب - 1440 هجري.
إرسال تعليق