حسن التمام  حسن التمام
random

الموضوعات

random
recent
جاري التحميل ...
recent

(3) الكفر دون كفر لا ينطبق على حكام زماننا لا من حيث الدراية ولا من حيث الرواية

(3) الكفر دون كفر لا ينطبق على حكام زماننا لا من حيث الدراية ولا من حيث الرواية


 (3) الكفر دون كفر لا ينطبق على حكام زماننا لا من حيث الدراية ولا من حيث الرواية


الأدلة كثيرة على كفر من يحكم بغير ما أنزل الله، وإن مرجئة العصر [1] دائما وأبدا يستدلون بالقول المنسوب لابن عباس: ليس الكفر الذي تذهبون إليه في تفسير قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، وكأنه لا يوجد دليل على كفر الطواغيت إلا هذه الآية الكريمة.

والجواب عن هذا من وجهين:

الوجه الأول: 

على فرض ثبوته عن ابن عباس فليس معناه الكفر العملي الأصغر، ولكن معناه أن الكفر مراتب، فالحكم بغير ما أنزل الله - وإن كان كفرا أكبر - لكن الكفر بالله واليوم الآخر أشد منه.
وله محمل آخر: وهو أن هذا في القضايا التركية، فقد فرّق بعض أهل العلم بين المقرر المثبت لشرع الله الملتزم له، المنقاد إليه، بعصيانه في الواقعة ونحوها، وبين من بدّل الشريعة الإسلامية السمحاء وجعل القوانين الوضعية هي المرجع، لأنه لا يستقيم أن ينسب لابن عباس رضي الله عنهما مثل هذا، وهو القائل "أراكم ستهلكون أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون قال أبو بكر وعمر".
وفي لفظ "ما أراكم إلا سيخسف الله بكم الأرض أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر".
هذا يقوله ابن عباس فيمن يريد معارضة السنة النبوية بقولي الخليفتين الراشدين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، اللّذين قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم "إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا".
وقال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ" فماذا يقول ابن عباس فيمن استبدل الشريعة المطهرة بآراء وأهواء واصطلاحات تُكتب في الصباح وتُنسخ في المساء؟!
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب في "المطلب الحميد" (ص 116):
"تحكيم القوانين الوضعية بأي صورة كانت: نوع من أنواع الشرك الناقض لمعاني كلمة التوحيد واعتداء سافر على حاكمية الله وتطاول مخذول على خصائص الألوهية، فضلا عن اشتمالها على الظلم الفادح وقصورها الذي هو شأن كل عمل بشري".
وله محمل آخر: وهو أن ابن عباس قال هذا الكلام ردا على الخوارج الذين كفّروا الخليفةَ الراشد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فردّ عليهم تنزيل هذه الآية في غير محلها، وهذا واضح.
قال الشيخ أحمد شاكر في "عمدة التفسير" 1/ 684:
"وهذه الآثار - عن ابن عباس وغيره - مما يلعب به المضللون في عصرنا هذا، من المنتسبين للعلم، ومن غيرهم من الجرآء على الدين: يجعلونها عذرا أو إباحية للقوانين الوثنية الموضوعة التي ضربت على بلاد الإسلام!".
وإن ابن عباس وغيره من أهل العلم يقولون: إن المراد من آيات سورة المائدة هم كفار أهل الكتاب ومن يجحد حكم الله تعالى، إذن من يقصدون بقولهم: (كفر دون كفر لا ينقل عن الملة؟)
ولإدراك مرادهم من هذه المقولة لا بدّ من الإحاطة بزمانها، وبيئتها ومحيطها، والأسباب التي دعتهم لقولها، حيث أن هذه المقولة قيلت في عهد الأمويين الذين كانت تظهر منهم بعض المواقف المخالفة لشرع الله، وعلى الوجه المتقدم ذكره في صفة الحاكم الذي لا يكفر الكفر الأكبر، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى شيء من هذا بقوله:
"أول من يغير سنتي رجل من بني أمية" [2].
وأراد صلى الله عليه وسلم تغيير سنته في اختيار الخليفة إلى نظام وراثي، ومع ذلك لا أحد يشك في إسلام معاوية وأولاده، ولا أحد قال بكفرهم،
وكان ابن عباس وغيره من أهل العلم يُسألون عنهم، وهل ينطبق عليهم قوله تعالى: {فأولئك هم الكافرون}؟ فيجيبون: بأنه ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، إنه كفر دون كفر لا ينقل عن الملة.
لذا من الخطأ الظاهر حمل كلام ابن عباس وغيره من أهل العلم (كفر دون كفر) على طواغيت اجتمعت فيهم جميع نواقض الإيمان وخصال الكفر والنفاق، كما هو صنيع جهمية ومرجئة العصر!
قال الشيخ محمد قطب في "واقعنا المعاصر" (ص 270):
"مظلوم ابن عباس فقد قال ما قال وهو يسأل عن الأمويين أنهم يحكمون بغير ما أنزل الله، فما القول فيهم؟
وما من أحدٍ على الإطلاق قال عن الأمويين إنهم كفار، فقد كانوا يحكمون الشريعة في عموم حياة الناس، ولكنهم يحيدون عنها في بعض الأمور المتعلقة بسلطانهم إما تأولا وإما شهوة، ولكنهم لا يجعلون مخالفتهم تشريعا مضاهيا لشرع الله، فقال فيهم ابن عباس: إنه كفر دون كفر، فهل كان يمكن لابن عباس أن يقول هذا فيمن ينحي الشريعة الإسلامية أصلاً، ويضع بدلاً منها قوانين وضعية؟!".

الوجه الثاني: 

أن هذا الأثر لا يثبت عن ابن عباس بل الثابت عنه هو التكفير المطلق لمن حكم بغير ما أنزل الله في تفسير هذه الآية، ومثله عن عبد الله بن مسعود، وبنحوه عن البراء بن عازب، ودونك البيان:
قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال: هي به كفر.
صحيح - أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (570) عن محمد بن رافع، ومحمد بن يحيى، والخلال في "السنة" (1420) عن الإمام أحمد بن حنبل، والطبري في "التفسير" (12055)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (6435)، ووكيع في "أخبار القضاة" 1/ 41 عن الحسن بن أبي الربيع الجرجاني، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1009) من طريق أحمد بن منصور الرمادي، خمستهم عن عبد الرزاق ( وهو في "تفسيره" (713) ) عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: سئل ابن عباس، عن قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}؟ قال: هي كفر".
قال ابن طاووس: وليس كمن كفر بالله وملائكته ورسله.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وبهذا اللفظ رواه كل الرواة عن عبد الرزاق، وهو في تفسيره بلفظ "هي به كفر"، واضطرب في هذا اللفظ الحسن بن أبي الربيع الجرجاني فلم يقمه، فقال مرة: "هي به كفر" كما عند الطبري، وقال مرة "كفى به كُفْره" كما في "أخبار القضاة"، وقال مرة "هي كبيرة" كما عند ابن أبي حاتم في "التفسير"، والثابت عن ابن عباس بالإسناد الصحيح "هي به كفر"، وما روي أنه قال: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه، فهذا لا يثبت عنه، ودونك بيان ذلك:
أخرجه سعيد بن منصور في "التفسير" (749)، والمروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (569)، والخلال في "السنة" (1419)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (6434)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1010)، والحاكم 2/ 313 - وعنه البيهقي 8/ 20 -، وابن عبد البر في "التمهيد" 4/ 237 من طريق هشام بن حجير، عن طاووس، عن ابن عباس في قوله عز وجل: "{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه".
وفي لفظ: "ليس بالكفر الذي يذهبون إليه إنه ليس كفرا ينقل عن الملة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} كفر دون كفر".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد" وأقره الذهبي!
قلت: بل إسناده ضعيف، وفيه علتان:
الأولى: هشام بن حجير: يصلح في المتابعات ولا يحتج به، قال يحيى بن سعيد: خليق أن أدعه، وأمر ابن المديني أن يضرب على حديثه.
وضعفه جدا ابن معين، وقال الإمام أحمد: ليس هو بذاك.
وقال عبد الله: سمعتُ أبي يقول: هشام بن حجير، مكي، ضعيف الحديث.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه.
وقال الآجري: سمعت أبا داود قال: هشام بن حجير ضرب الحد بمكة. قلت: في ماذا؟ قال: فيما يضرب فيه أهل مكة.
وذكره العقيلي في "الضعفاء" 4/ 337.
ووثقه ابن سعد، والعجلي، وابن حبان!
ولم يحتج به الشيخان إنما رويا له متابعة، قال الحافظ في "مقدمة الفتح" (ص 448):
"ليس له في البخاري سوى حديثه عن طاووس عن أبي هريرة، قال:
سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على تسعين امرأة الحديث أورده في كفارة الأيمان من طريقه وفي النكاح بمتابعة عبد الله بن طاووس له عن أبيه".
قلت: ورواه مسلم أيضا بمتابعة ابن طاووس له، وروى له أيضا (1246) من حديث ابن عباس أن معاوية قال له: "أعلمت أني قصرت من رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص" ثم ذكر على أثره متابعة الحسن بن مسلم له.

والثانية: 

أن هشاما خالف من هو أوثق منه فقد تقدّم آنفا عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: سئل ابن عباس، عن قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}؟ قال: هي كفر".
وأخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (571) و (572)، والخلال في "السنة" (1414)، والطبري في "التفسير" (12054)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (853) و (854)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1005) من طريق سفيان الثوري، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه قال: قال رجل لابن عباس في هذه الآيات: {ومن لم يحكم بما أنزل الله} فمن فعل هذا فقد كفر؟ قال ابن عباس: إذا فعل ذلك فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر، وبكذا وكذا".
وأخرجه سفيان الثوري في "تفسيره" (241) عن ابن طاووس، عن أبيه به، ليس فيه معمر!
وإن قوله (ليس كمن كفر بالله واليوم الآخر، وبكذا وكذا) ليس من كلام ابن عباس ولكن من كلام ابن طاووس، هكذا جاء مفصولا عند المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (570)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (6435)، والطبري في "التفسير" (12055)، والخلال في "السنة" (1420)، ووكيع في "أخبار القضاة" 1/ 41، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1009) من طرق عن عبد الرزاق ( وهو في "تفسيره" (713) ) عن معمر به.
وأخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (573) من طريق عبد الرزاق، عن سفيان، عن رجل، عن طاووس، عن ابن عباس، قال:
"كفر لا ينقل عن الملة".
وهذا ضعيف، فيه من أبهم، وقد أخرجه الطبري في "التفسير" (12056) من طريق عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن رجل، عن طاووس: {فأولئك هم الكافرون} قال: كفر لا ينقل عن الملة.
فصار من كلام طاووس!
وأخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" (6426) و (6450) من طريق أبي صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله:
{ومن لم يحكم بما أنزل الله} يقول: من جحد الحكم بما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق.
يقول: من جحد من حدود الله شيئا فقد كفر".
وهذا إسناد ضعيف، فيه علتان:
الأولى: الانقطاع بين علي بن أبي طلحة وابن عباس، قال أبو حاتم كما في "المراسيل" (508):
"علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مرسل إنما يروي عن مجاهد، والقاسم بن محمد، وراشد بن سعد، ومحمد بن زيد".
وقال ابن حبان في "الثقات" 7/ 211:
"يروى عن ابن عباس الناسخ والمنسوخ ولم يره".
الثانية: أبو صالح هو كاتب الليث بن سعد: صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة كما في "التقريب".
وأما أثر ابن مسعود:
فعن علقمة، ومسروق، أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة، فقال: هي من السحت. قال: فقالا: أفي الحكم؟ قال: ذلك الكفر، ثم تلا هذه الآية: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}".
صحيح - أخرجه الخلال في "السنة" (1412)، والطبري في "التفسير" (11960) و (12061)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1002) من طريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن سلمة بن كهيل، عن علقمة، ومسروق به.
وهذا إسناد صحيح، وعند الخلال (الأسود) بدلا عن (مسروق)، وقول الحافظ في عبد الملك بن أبي سليمان من "التقريب":
"صدوق له أوهام".
إنما قال (له أوهام) من أجل أن شعبة تكلم فيه بحديث الشفعة، وقال الترمذي:
"ثقة مأمون، لا نعلم أحدا تكلم فيه غير شعبة، وقال: قد كان حدث شعبة عنه ثم تركه، ويقال: إنه تركه لحديث الشفعة الذي تفرد به".
وقال الإمام أحمد:
"حديثه في الشفعة منكر، وهو ثقة".
ووثقه ابن معين، وابن عمار، والعجلي، ويعقوب بن سفيان، وابن سعد، والنسائي، والدارقطني، وكان سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، يصفانه بالميزان - يعني في قوة ضبطه -، ولما ذكره ابن خلفون في كتاب "الثقات" قال: وثقه ابن نمير، وابن مسعود.
وله طرق عن عبد الله بن مسعود:
1 - أخرجه سعيد بن منصور في "التفسير" (741)، والطبري في "التفسير" (11950)، والقاضي وكيع في "أخبار القضاة" 1/ 44، والطبراني في "الدعاء" (2102) و (2105)، والبيهقي 10/ 139، وفي "الشعب" (5116) من طريق عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، قال:
"سألت ابن مسعود عن السحت، أهو الرشوة في الحكم؟ قال: لا، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، والظالمون، والفاسقون، ولكن السحت: أن يستعينك رجل على مظلمة، فيهدي لك، فتقبله، فذلك السحت".
وهذا إسناد صحيح، لكن لم أجد من ذكر سالم بن أبي الجعد فيمن يروي عن مسروق، وسماعه منه محتمل، لسببين اثنين:
الأول: أن سالما ومسروقا كلاهما كوفي فاللقاء ممكن.
الثاني: أن مسروقا توفي سنة اثنتين أو ثلاث وستين، وأما سالم فتوفي سنة سبع وتسعين أو ثمان وتسعين، وقيل: سنة مائة.
وله طرق عن سالم:
أ - أخرجه مسدد في "مسنده" كما في "المطالب العالية" (2187)، وأبو يعلى (5266)، والبيهقي 10/ 139 من طريق فطر بن خليفة، والطبري في "التفسير" (11947) و (11949) و (11951)، والخلال في "السنة" (1426)، والقاضي وكيع في "أخبار القضاة" 1/ 44، والطبراني في "الدعاء" (2103)، والحاكم كما في "المطالب العالية" 10/ 197، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1013)، والبيهقي 10/ 139 من طريق شعبة، والطبري في "التفسير" (11969) من طريق جرير، ثلاثتهم عن منصور بن المعتمر، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، قال:
"كنت جالسا عند عبد الله، فقال له رجل: ما السحت؟ قال: الرشا. فقال: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر، ثم قرأ: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44]".
وأخرجه الخلال في "السنة" (1413) من طريق عبد العزيز العمي، قال: حدثني منصور بن المعتمر، عن سالم، عن أبي الجعد، عن مسروق به.
ب - أخرجه الطبري في "التفسير" (11958)، والطبراني 9/ (9101) من طريق حكيم بن جبير، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق قال:
"سألت ابن مسعود عن السحت؟ قال: الرشا. فقلت: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر".
وأخرجه ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1004) من طريق محمد بن إسحاق، عن حكيم، عن سالم، عن أبي الجعد، عن مسروق به.
وإسناده ضعيف من أجل حكيم بن جبير.
جـ - أخرجه الطبري (11951) من طريق شعبة، عن منصور وسليمان الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله أنه قال:
"السحت: الرشى".
وأخرجه الطبري في "التفسير" (11946) من طريق ابن فضيل، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سالم بن أبي الجعد قال:
"قيل لعبد الله: ما السحت؟ قال: الرشوة. قالوا: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر".
ليس فيه مسروق، ومضافا في إسناده سلمة بن كهيل، والمحفوظ في إسناده ذكر (مسروق).
وله طرق عن مسروق:
الأول: أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" (6382) من طريق عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن بكير بن مرزوق، عن عبيد بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود، قال:
"من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة أو يرد عليه حقا، فأهدى له هدية فقبلها، فذلك السحت. فقلنا: يا أبا عبد الرحمن، إنا كنا نعد السحت الرشوة في الحكم، فقال عبد الله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44]".
ولم أجد بكير بن مرزوق!
والثاني: أخرجه الخلال في "السنة" (1411)، والطبراني 9/ (9098) من طريق شريك، عن السدي، عن أبي الضحى، عن مسروق به.
شريك: ضعيف.
وأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" 6/ 81 عن عمرو بن الهيثم أبي قطن، والطبري في "التفسير" (11961) مطولا من طريق حجاج، والطبراني في "الدعاء" (2104) من طريق أسد بن موسى، ثلاثتهم عن المسعودي، عن بكير بن أبي بكير، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: سمعت ابن مسعود، يقول:
"الأخذ على الحكم كفر".
ولم أجد بكير بن أبي بكير!
وأخرجه الطبري (11963) من طريق عمار الدهني، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال:
"سألت ابن مسعود عن السحت أهو الرشى في الحكم؟ فقال: لا، من لم يحكم بما أنزل الله فهو فاسق، ولكن السحت: يستعينك الرجل على المظلمة فتعينه عليها، فيهدي لك الهدية فتقبلها".
والثالث: أخرجه القاضي وكيع في "أخبار القضاة" 1/ 44، والطبري في "التفسير" (11948)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1003) من طريق حريث بن أبي مطر، عن الشعبي، عن مسروق به.
وحريث: ضعيف.
2 - أخرجه سعيد بن منصور في "التفسير" (740)، ومن طريقه الطبراني 9/ (9100)، والقاضي وكيع في "أخبار القضاة" 1/ 44 عن حماد بن يحيى الأبح، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، قال:
"الرشوة في الحكم كفر، وهي بين الناس سحت".
وقال الهيثمي في "المجمع" 4/ 199 - 200:
"رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله رجال الصحيح".
قلت: إسناده ضعيف، حماد بن يحيى: ضعف من قبل حفظه، وليس هو من رجال الصحيح.
وأبو إسحاق هو السبيعي: مدلس ولم يصرح بالتحديث [3].
3 - أخرجه القاضي وكيع في "أخبار القضاة" 1/ 44 من طريق السدي، عن عبد خير، قال:
"سئل ابن مسعود عن السحت، قال: الرشا، قلنا: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر".
وإسناده صحيح في المتابعات، وقد أطلق ابن مسعود رضي الله عنه الكفر على من حكم بغير ما أنزل الله من أجل الرشوة، ولم يشر لا من بعيد ولا من قريب إلى الاستحلال، وقال القاسم بن سلام في "الإيمان" (ص 17):
"جهاد أبي بكر الصديق بالمهاجرين والأنصار على منع العرب الزكاة، كجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الشرك سواء، لا فرق بينها في سفك الدماء، وسبي الذرية، واغتنام المال، فإنما كانوا مانعين لها - يعني الزكاة - غير جاحدين بها".
قال الشيخ سليمان بن سحمان في "الضياء الشارق" (ص 379):
"وأما ما ذكره من قتال أهل الردة، فليس الأمر كما زعم من التفريق، وإن كان قد قال به بعض العلماء، فالحق والصواب ما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم فإنهم لم يفرقوا بين من ارتدّ، وصدّق مسيلمة الكذاب والأسود العنسي، وطليحة الأسدي، وسجاح، وبين من منع الزكاة، بل قاتلوهم كلهم واستحلوا دماءهم وأموالهم، وسبيهم، وسموهم كلهم أهل الردة، ولم يقولوا لمانع الزكاة: أنت مقر بوجوبها، أو جاحد لها، هذا لم يعهد عن الخلفاء والصحابة، بل قال الصديق رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه: والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول لله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. فجعل المبيح للقتال مجرد المنع، لا جحد الوجوب.
وقد روي أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب، لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعا سيرة واحدة، وهي قتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وغنيمة أموالهم، والشهادة على قتلاهم بالنار، وسموهم جميعهم أهل الردة، وكان من أعظم فضائل الصديق رضي الله عنه أن ثبته الله عند قتالهم، ولم يتوقف كما توقف غيره، فناظرهم حتى رجعوا إلى قوله، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله".
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم".
أخرجه البخاري (2641).
 وأما حديث البراء بن عازب:
فأخرجه مسلم (1700- 28)، وأبو داود (4448)، والنسائي في "الكبرى" (7180) و (11079)، وأحمد 4/ 286، وابن أبي حاتم في "التفسير" (6365) و (6461)، وأبو عوانة (6312) و (6313)، والروياني (424)، والبيهقي 8/ 246 من طريق الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب، قال:
"مرّ على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا، فدعاهم صلى الله عليه وسلم، فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم، فدعا رجلا من علمائهم، فقال: أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم، والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه. فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} [المائدة: 41] إلى قوله {إن أوتيتم هذا فخذوه} [المائدة: 41]، يقول: ائتوا محمدا - صلى الله عليه وسلم -، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} في الكفار كلها".
قوله (في الكفار كلها) معناه أن الله أنزل هذه الآيات في الكفار كلهم لا في خصوص اليهود، وعن أبي البختري قال: قيل لحذيفة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال: نزلت في بني إسرائيل. فقال حذيفة: نعم، الأخوة لكم بنوا إسرائيل إن كان لكم كل حلوة، ولهم كل مرة كلا والله لتسلكن طريقهم قد الشراك".
أخرجه عبد الرزاق في "التفسير" (714)، والطبري في "التفسير" (12027)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (6430)، والخلال في "السنة (1425)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (1012).
وأخرجه المروزي في "السنة" (65)، والحاكم 2/ 312، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 179 من طريق همام بن الحارث، قال: "كنا عند حذيفة فذكروا {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}، فقال رجل من القوم: إنما هذا في بني إسرائيل، فقال حذيفة: نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل أن كان لكم الحلو ولهم المر، كلا والذي نفسي بيده حتى تحذى السنة بالسنة حذو القذة بالقذة".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين" وأقره الذهبي.
__________________________________________

[1] - انظر أقسام المرجئة عند الحاشية رقم (8).

[2] - إسناده ضعيف: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 14/102، وفي "المسند" كما في "المطالب العالية" (6642) – ومن طريقه ابن عدي في "الكامل" 4/ 97 -، وابن أبي عاصم في "الأوائل" (63)، والدولابي في "الكنى" (922)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان" 1/ 98، والبيهقي في "دلائل النبوة" 6/ 466- 467 من طريق مهاجر بن مخلد، عن أبي العالية، عن أبي ذر: مرفوعا به.
وقال البيهقي:
"وفي هذا الإسناد إرسال بين أبي العالية وأبي ذر".
قلت: وفي إسناده أيضا: مهاجر بن مخلد، أبو مخلد، ويقال أبو خالد: قال أبو حاتم:
"لين الحديث، ليس بذاك، وليس بالمتقن، يكتب حديثه".
وجاء في مطبوع "مصنف ابن أبي شيبة"، و "دلائل النبوة"، و "الكامل" (أبو خلدة)، ووقع في مطبوع "المصنف" تقديم وتأخير في رجال إسناده!
وتحرّف في "مسند ابن أبي شيبة" كما في "المطالب" إلى (أبي مجلز).
وانقلب اسمه في مطبوع "أخبار أصبهان" إلى: (خالد أبي المهاجر).
وأما في مطبوع "الكنى" للدولابي فجاء هكذا: (عن أبي المهاجر، عن أبي خالد، عن أبي العالية)!
واضطرب في إسناده:
فأخرجه البخاري في "التاريخ الصغير" 1/ 170، وأبو يعلى كما في "المطالب العالية" (4463) من طريقه، عن أبي العالية، عن أبي مسلم، عن أبي ذر.
وسأل الدوريُّ - كما في "تاريخ ابن معين" (3467) - ابنَ معين عن أبي مسلم هذا من هو؟ فقال: لا أدري.
قلت: هو أبو مسلم الجذمي: روى عنه جمعٌ، ووثقه العجلي (2042) – ترتيب ثقاته، وابن حبان 5/ 581.

[3] - بعض المعاصرين يقول: ليس من منهج المتقدمين إعلال الحديث بعنعنة المدلس. فأقول: هو كذلك لكن ليس بهذا الإطلاق لأن المتقدمين هم أهل الرواية فكل حديث من هذا النوع صححوه كأن يكون في "الصحيح" ومنها عنعنة أبي الزبير عن جابر، فهذا يعتبر نصا منهم في تصحيحه وأما ما لم نجد تصحيحه عنهم فهذا أيضا لا يمكن تصحيحه في هذا الزمان، فوجب حينئذ إعلاله بهذه العلة، فخبر المدلس إذا عنعن لا يقبل حتى نجد تصريحه بالتحديث أو تصحيح خبره عن أحد من المتقدمين، لأن التدليس وارد هنا، والرواية مبنية على الاحتياط، وقد ذكر ابن عبد البر في "التمهيد" 1/ 13: أن الرجل إذا كان معروفا بالتدليس، فلا يقبل حديثه حتى يقول: حدثنا، أو سمعت، وقال: "هذا ما لا أعلم فيه خلافا".
وهو منهج المتقدمين فقد كان شعبة يتفقّد السماع من فم الراوي ممن عَرَفَه بالتدليس، وهذه نظرة خاطفة، والموضوع فيه كلام طويل ليس هذا موضع بحثه، والله أعلم.

إرسال تعليق

التعليقات



المتابعون

جميع الحقوق محفوظة لـ

حسن التمام

2015