
إمامة من كره قومُه إمامته
(256) "ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رءوسهم شبرا: رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان".
حسن - أخرجه ابن ماجه (971)،
والطوسي في "مختصر الأحكام" (336)، وابن حبان (1757)، والطبراني 11/
(12275)، والضياء في "الأحاديث المختارة" (400) و (401) من طريق يحيى بن
عبد الرحمن الأرحبي، قال: حدثنا عبيدة بن الأسود، عن القاسم بن الوليد، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره.
وإسناده حسن، وأما قول ابن
حبان في "الثقات" 8/ 437 ترجمة عبيدة بن الأسود:
"يعتبر حديثه إذا بَيَّن
السماع في روايته" فهذا مما تفرّد به، وقد أطلق توثيقه أبو زرعة الرازي، وقال
أبو حاتم الرازي: ما بحديثه بأس.
وقال الدارقطني: يعتبر به.
ولبعض فقراته شواهد من حديث أنس، وأبي أمامة، وسلمان، وابن عمرو، وطلحة بن عبيد الله، وعمرو بن الحارث بن أبي ضرار، وجنادة الأزدي، وأبي سعيد:
أما حديث أنس:
فأخرجه ابن خزيمة (1519) عن
عيسى بن إبراهيم الغافقي، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن
عمرو بن الوليد، عن أنس بن مالك، يرفعه:
"ثلاثة لا تقبل منهم
صلاة، ولا تصعد إلى السماء، ولا تجاوز رءوسهم: رجل أم قوما وهم له كارهون، ورجل
صلى على جنازة ولم يؤمر، وامرأة دعاها زوجها من الليل فأبت عليه".
وإسناده حسن، عمرو بن الوليد:
صدوق، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه ابن خزيمة (1518) -
ومن طريق ابن بشران في "أماليه" (179)- عن عيسى بن إبراهيم الغافقي،
حدثنا ابن وهب، عن ابن لهيعة وسعيد بن أبي أيوب، عن عطاء بن دينار الهذلي، عن
النبي صلى الله عليه وسلم: مرسلا.
وقال ابن خزيمة:
"أمليت الجزء الأول، وهو
مرسل، لأن حديث أنس الذي بعده، حدثناه عيسى في عقبه، يعني بمثله، لولا هذا لما كنت
أخرج الخبر المرسل في هذا الكتاب".
وأخرجه الترمذي (358) - ومن طريقه ابن الجوزي في
"الموضوعات" (966)، وفي "العلل المتناهية" (744) -، والبزار (6707)
من طريق محمد بن القاسم الأسدي، عن
الفضل بن دلهم، عن الحسن، قال: سمعت أنس بن مالك، قال:
"لعن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ثلاثة: رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، ورجل
سمع حي على الفلاح ثم لم يجب".
وقال الترمذي:
"لا يصح، لأنه قد روي
هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، ومحمد بن القاسم تكلم فيه
أحمد بن حنبل وضعفه، وليس بالحافظ".
وقال البزار:
"وهذا الحديث لا نعلم
رواه عن الحسن، عن أنس إلا الفضل بن دلهم، وليس بالحافظ، وهو بصري مشهور تفرد به
أنس".
وقال ابن الجوزي:
"قال أحمد بن حنبل:
أحاديث محمد بن القاسم موضوعة ليس بشيء، رمينا حديثه، وقال النسائي: متروك الحديث،
قال الدارقطني: يكذب".
وأما حديث أبي أمامة:
فأخرجه الترمذي (360) - ومن
طريقه البغوي في "شرح السنة" (838) -، وابن أبي شيبة 1/ 408 و 4/ 307 -
ومن طريقه الطبراني 8/ (8090) و (8098) -، والبيهقي في "المعرفة" (5959)
عن علي بن حسن بن شقيق، عن حسين بن واقد، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ثلاثة لا تجاوز صلاتهم
آذانهم حتى يرجعوا: العبد الآبق، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له
كارهون".
وقال الترمذي:
"هذا حديث حسن غريب من
هذا الوجه، وأبو غالب اسمه حزور".
وقال البيهقي في "السنن الكبرى"
3/ 128:
"وليس بالقوي".
قلت: أبو غالب: صاحب أبي
أمامة، بصري، نزل أصبهان، قيل: اسمه حَزَوَّر، وقيل: سعيد بن الحزوّر، وقيل: نافع:
ضعّفه أبو حاتم، والنسائي،
وقال ابن سعد: كان ضعيفا،
منكر الحديث.
وقال ابن حبان: منكر الحديث
على قلته، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما يوافق الثقات، وهو صاحب حديث الخوارج.
وثقه الدارقطني مرة، وقال
مرة: بصري لا يعتبر به.
وفي "تهذيب
التهذيب": بصري يعتبر به.
ووثقه موسى بن هارون الحمال،
وقال ابن معين: صالح الحديث.
وأما حديث سلمان:
فأخرجه ابن أبي شيبة 1/ 407-408 و 4/ 307، وفي "المسند"
(453) حدثنا أبو أسامة، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: سمعت القاسم بن مخيمرة، يذكر أن
سلمان قدمه قوم يصلي بهم فأبى، فدفعوه، فلما صلى بهم، قال: أكلكم راض؟ قالوا: نعم
قال: الحمد لله، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ثلاثة لا تقبل صلاتهم:
المرأة تخرج من بيتها بغير إذنه، والعبد الآبق، والرجل يؤم القوم وهم له
كارهون".
وإسناده ضعيف، وفيه علتان:
الأولى: الانقطاع، القاسم بن
مخيمرة: قال ابن معين:
"لم نسمع أنه سمع من أحد
من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".
والثانية: قال موسى بن هارون
الحمال كما في "تاريخ بغداد" 10/ 210:
"روى أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وكان ذاك وهما
منه رحمه الله، هو لم يلق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، وإنما لقي عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، فظن أنه ابن جابر، وابن جابر ثقة، وابن تميم
ضعيف".
وأما حديث ابن عمرو:
فأخرجه أبو داود (593)، وابن
ماجه (970)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 2/ 526، والطبراني
13/ (176)، والبيهقي 3/ 128، وفي "الصغير" (534) من طرق عن عبد الرحمن
بن زياد بن أنعم، قال: حدثني عمران بن عبد المعافري، عن عبد الله بن عمرو، أن
النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
"ثلاثة لا يقبل الله
منهم صلاة: من تقدم قوما وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دبارا، (والدبار: أن
يأتيها بعد أن تفوته)، ورجل اعتبد محرره".
وإسناده ضعيف، عمران بن عبد
المعافري، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي: ضعيفان.
وأما حديث طلحة بن عبيد الله:
فأخرجه الطبراني 1/ (210) -
ومن طريقه الضياء في "المختارة" (846) - حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح،
حدثنا سليمان بن أيوب، قال: حدثني أبي، عن جدي، عن موسى بن طلحة، عن طلحة، أنه صلى
بقوم فلما انصرف، قال: نسيت أن أستأمركم قبل أن أتقدمكم أفرضيتم بصلاتي؟ قالوا:
نعم، ومن يكره ذلك يا حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"أيما رجل أم قوما وهم
له كارهون لم تجز صلاته أذنه".
وإسناده ضعيف، سليمان بن أيوب
الطلحي: قال فيه ابن عدي في "الكامل" 4/ 284 - بعد أن أورد شيئا من
حديثه -:
"لا يتابع سليمان عليها
أحد".
وقال الذهبي في
"الميزان" 2/ 197:
"صاحب مناكير، وقد
وثق".
وأيوب بن سليمان الطلحي:
مجهول الحال، لم يرو عنه غير ابنه، وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح
والتعديل" 2/ 248، وسكت عنه.
ويحيى بن عثمان بن صالح
السهمي: قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه، وكتب عنه أبي، وتكلموا فيه.
وقال مسلمة بن قاسم: يتشيع،
وكان صاحب وراقة، يحدث من غير كتبه، فطعن فيه لأجل ذلك.
وأما حديث عمرو بن الحارث بن أبي ضرار:
فأخرجه الترمذي (359)، وابن
أبي شيبة 1/ 407 و 4/ 305 عن جرير، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن زياد بن أبي
الجعد، عن عمرو بن الحارث بن المصطلق، قال:
"كان يقال: أشد الناس
عذابا اثنان: امرأة عصت زوجها، وإمام قوم وهم له كارهون".
وإسناده فيه لين، زياد بن أبي الجعد: لم يرو عنه غير هلال بن يساف
وعبيد بن أبي الجعد، وذكره ابن حبان في "الثقات" 4/ 253.
وأما حديث جنادة الأزدي:
فأخرجه الطبراني 2/ (2177) -
وعنه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1669) - حدثنا أبو حبيب يحيى بن نافع
المصري، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا إسماعيل بن اليسع، حدثني أبو بكر الهذلي،
عن شهر بن حوشب، عن أبي عبد الرحمن الصنعاني، أن جنادة الأزدي أم قوما، فلما قام
إلى الصلاة التفت عن يمينه، فقال: أترضون؟ قالوا: نعم، ثم فعل مثل ذلك عن يساره،
ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول:
"من أم قوما وهم له
كارهون فإن صلاته لا تجاوز ترقوته".
وأخرجه ابن عساكر في
"تاريخ دمشق" 11/ 292 من طريق يحيى بن عثمان بن صالح، نبأنا سعيد بن أبي
مريم، نبأنا إسماعيل بن اليسع، حدثني أبو بكر الهذلي، عن شهر بن حوشب، عن أبي عبد
الله الصنابحي، أن جنادة بن أبي أمية به.
وإسناده ضعيف جدا، أبو بكر
الهذلي، متروك الحديث.
وشهر بن حوشب: ضعيف.
وأما حديث أبي سعيد:
فأخرجه البيهقي 3/ 128 من
طريق بقية، حدثنا إسماعيل، عن عطاء، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله
عليه وسلم بمثله – يعني به مرسل الحسن البصري -، ولفظه:
"ثلاثة لا تجاوز صلاتهم
رءوسهم: رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها ساخط عليها، ومملوك فر من
مولاه".
وإسناده ضعيف جدا، إسماعيل هو
ابن عياش: روايته عن غير الشاميين ضعيفة، وهذه منها.
وقال الذهبي في "اختصار
السنن الكبرى" 2/ 1062:
"عطاء هو ابن
السائب!".
قلت: الذي يظهر لي أنّ عطاء
هو ابن عجلان البصري وهو متروك، فلم يرو ابن عياش عن ابن السائب، ولم يرو ابن
السائب عن أبي نضرة العبدي.
يستفاد من
الحديث
الوعيد الشديد في حق من أم
قومًا وهم له كارهون، وهذا الوعيد في حق الرجل الذي ليس من أهل الإمامة، فيتغلب
عليها حتى يكره الناس إمامته، فأما المستحق للإمامة فاللومُ على مَنْ كرِهَهُ، قال
شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 23/ 373:
"إن كانوا يكرهون هذا
الإمام لأمر في دينه: مثل كذبه أو ظلمه أو جهله أو بدعته ونحو ذلك".
وقال الشوكاني في "نيل
الأوطار" 3/ 211:
"أحاديث الباب يقوي
بعضها بعضا، فينتهض للاستدلال بها على تحريم أن يكون الرجل إماما لقوم يكرهونه،
ويدل على التحريم...وقد ذهب إلى التحريم قوم، وإلى الكراهة آخرون، وقد روى العراقي
ذلك عن علي بن أبي طالب والأسود بن هلال وعبد الله بن الحارث البصري، وقد قيّد ذلك
جماعة من أهل العلم بالكراهة الدينية لسبب شرعي، فأما الكراهة لغير الدين فلا عبرة
بها، وقيدوه أيضا بأن يكون الكارهون أكثر المأمومين ولا اعتبار بكراهة الواحد
والاثنين والثلاثة إذا كان المؤتمون جمعا كثيرا لا إذا كانوا اثنين أو ثلاثة، فإن
كراهتهم أو كراهة أكثرهم معتبرة، وحمل الشافعي الحديث على إمام غير الوالي، لأن
الغالب كراهة ولاة الأمر.
وظاهر الحديث عدم الفرق
والاعتبار بكراهة أهل الدين دون غيرهم حتى قال الغزالي في (الإحياء): لو كان الأقل
من أهل الدين يكرهونه فالنظر إليهم".
كتبه
أبو سامي العبدان
حسن التمام.
إرسال تعليق