
الْجُمُعَة في القرى
(311)
"أول جمعة جمعت بعد جمعة جُمّعت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: في مسجد عبد القيس بجواثى - يعني قرية من البحرين -".
أخرجه البخاري (892) و (4371)
- ومن طريقه البغوي (1055) -، والمروزي في "الجمعة وفضلها" (2)، وابن
خزيمة (1725)، والبيهقي 3/ 176، وفي "الخلافيات" (2735) من طريق أبي
عامر العقدي، وأبو داود (1068)، والبيهقي في "المعرفة" (6309)، وفي
"الخلافيات" (2736) من طريق وكيع، وابن أبي عاصم في "الآحاد
والمثاني" (1623)، وفي "الأوائل" (41)، والطبراني 12/ (12958) من
طريق زيد بن الحباب، وابن المنذر في "الأوسط" (1746) من طريق حفص بن عبد
الله، والبيهقي 3/ 176، وفي "دلائل النبوة" 5/ 328 من طريق ابن المبارك،
خمستهم عن إبراهيم بن طهمان، عن أبي جمرة الضبعي، عن ابن عباس، قال: فذكره.
وأخرجه النسائي في
"الكبرى" (1667)، وفي "الجمعة" (4) من طريق المعافى، عن إبراهيم
بن طهمان، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، قال:
"إن أول جمعة جمعت بعد
جمعة جمعت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمكة جمعت بجواثا
بالبحرين قرية لعبد القيس"
وقال الحافظ الذهبي في
"معجم شيوخه" 2/ 324:
"إسناده صحيح، ولكن لم
نسمع أن النبي r جمع
بمكة قبل الهجرة إلا في هذا الحديث، انفرد النسائي بإخراجه، ولم يروه سوى المعافى
بن عمران".
وقال الحافظ ابن رجب في
"فتح الباري" 8/ 63:
"إن المعافى وهم في
إسناد الحديث ومتنه".
قلت: وهو محفوظ من حديث
إبراهيم بن طهمان، عن أبي جمرة الضبعي، عن ابن عباس، وبلفظ:
"أول جمعة جمعت بعد جمعة
في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مسجد عبد القيس
بجواثى من البحرين".
وأخرجه ابن أبي شيبة 14/ 123،
وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1622)، وفي "الأوائل"
(42)، والطبراني 12/ (12957)، وفي "الأوائل" (29)، وابن المقرئ في
"المعجم" (719)، والبيهقي في "الخلافيات" (2737) من طريق محمد
بن أبي حفصة، عن أبي جمرة الضبعي، عن ابن عباس، قال:
"إن أول جمعة جمعت بعد
جمعة بالمدينة لجمعة جمعت بالبحرين في قرية لعبد القيس يقال لها: جواثى".
غريب الحديث
(جواثى) اسم قرية من قرى عبد
القيس، قال ابن رجب في "فتح الباري" 8/ 63-67:
"ومعنى الحديث: أن أول
مسجدٍ جمع فيه بعد مسجد المدينة مسجد جواثى، وليس معناه: أن الجمعة التي جمعت
بجواثى كانت في الجمعة الثانية من الجمعة التي جمعت بالمدينة، كما قد يفهم من بعض
ألفاظ الروايات، فإن عبد القيس إنما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح كما ذكره ابن سعد، عن عروة بن الزبير وغيره.
وليس المراد به أيضًا أن أول
جمعة في الإسلام في مسجد المدينة، فإن أول جمعة جمعت بالمدينة في نقيع الخضمات،
قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وقبل أن يبني
مسجده، يدل على ذلك: حديث كعب بن مالكٍ: (أنه كان كلما سمع أذان الجمعة استغفر
لأسعد بن زرارة، فسأله ابنه عن ذلك، فقال: كان أول من صلى بنا صلاة الجمعة قبل
مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة في نقيع الخضمات،
في هزم النبيت، من حرة بني بياضة، قيل له: كم كنتم يومئذ؟ قال: أربعين رجلاً).
خرَّجه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه مطولاً.
وروى أبو إسحاق الفزاري في
كتاب السير له، عن الأوزاعي، عمن حدثه، قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير القرشي إلى المدينة، قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أجمع من بها من المسلمين، ثم انظر اليوم الذي تجمر فيه
اليهود لسبتها، فإذا مال النهار عن شطره فقم فيهم، ثم تزلفوا إلى الله بركعتين.
قال: وقال الزهري: فجمع بهم
مصعب بن عمير في دار من دور الأنصار، فجمع بهم وهم بضعة عشر. قال الأوزاعي: وهو
أول من جمع بالناس)، وقد خرّج الدارقطني - أظنه في (أفراده) [1]
- من رواية أحمد بن محمد بن غالب الباهلي، حدثنا محمد بن عبد الله أبو زيد المدني،
حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن، حدثنا مالك، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله،
عن ابن عباسٍ، قال: (أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجمعة قبل أن يهاجر،
ولم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
يجمع بمكة ولا يبدي لهم، فكتب إلى مصعب بن عمير: أما بعد، فانظر اليوم الذي تجهر
فيه اليهود لسبتهم، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال
من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله بركعتين. قال: فهو أول من جمع مصعب بن عمير، حتى
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فجمع عند
الزوال من الظهر، وأظهر ذلك). وهذا إسنادٌ موضوعٌ، والباهلي هو: غلام خليلٍ، كذاب
مشهور بالكذب، وإنما هذا أصله من مراسيل الزهري، وفي هذا السياق ألفاظٌ منكرةٌ.
وخرج البيهقي من رواية يونس،
عن الزهري، قال: بلغنا أن أول ما جمعت الجمعة بالمدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمع بالمسلمين مصعب بن عمير.
وروى عبد الرزاق في (كتابه)
عن معمر، عن الزهري، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة ليقرئهم القرآن، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بهم، فأذن له رسول الله r، وليس يومئذٍ بأميرٍ، ولكنه انطلق يعلم أهل المدينة.
وذكر عبد الرزاق، عن ابن
جريج، قال: قلت لعطاء: من أول من جمع؟ قال: رجلٌ من بني عبد الدار زعموا، قلت:
أفبأمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فمه.
وخرَّجه الأثرم من رواية ابن
عيينة، عن ابن جريج، وعنده: قال: نعم، فمه. قال ابن عيينة: سمعت من يقول: هو مصعب
بن عمير.
وكذلك نص الإمام أحمد في
رواية أبي طالب على أن النبي r هو أمر مصعب بن عمير أن
يجمع بهم بالمدينة.
ونص أحمد أيضًا على أن أول
جمعة جمعت في الإسلام هي الجمعة التي جمعت بالمدينة مع مصعب بن عمير.
وقد تقدم مثله عن عطاء
والأوزاعي.
فتبين بهذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإقامة الجمعة بالمدينة، ولم يقمها بمكة، وهذا يدل على أنه
كان قد فرضت عليه الجمعة بمكة.
وممن قال: إن الجمعة فرضت
بمكة قبل الهجرة: أبو حامد الاسفراييني من الشافعية، والقاضي أبو يعلى في (خلافه
الكبير) من أصحابنا، وابن عقيل في (عمد الادلة)، وكذلك ذكره طائفة من المالكية،
منهم: السهيلي وغيره.
وأما كونه لم يفعله بمكة،
فيحمل أنه إنما أمر بها أن يقيمها في دار الهجرة، لا في دار الحرب، وكانت مكة إذ
ذاك دار حربٍ، ولم يكن المسلمون يتمكنون فيها من إظهار دينهم، وكانوا خائفين على
أنفسهم، ولذلك هاجروا منها إلى المدينة، والجمعة تسقط بأعذارٍ كثيرةٍ منها الخوف
على النفس والمال.
وقد أشار بعض المتأخرين من
الشافعية إلى معنى آخر في الامتناع من إقامتها بمكة، وهو: أن الجمعة إنما يقصد
بإقامتها اظهار شعار الإسلام، وهذا إنما يتمكن منه في دار الإسلام، ولهذا لا تقام
الجمعة في السجن، وإن كان فيه أربعون، ولا يعلم في ذلك خلافٌ بين العلماء، وممن
قاله: الحسن، وابن سيرين، والنخعي، والثوري، ومالك، وأحمد، وإسحاق وغيرهم، وعلى
قياس هذا: لو كان الأسارى في بلد المشركين مجتمعين في مكانٍ واحدٍ، فإنهم لا يصلون
فيه جمعةً، كالمسجونين في دار الإسلام وأولى، لا سيما وأبو حنيفة وأصحابه يرون أن
الإقامة في دار الحرب - وإن طالت - حكمها حكم السفر، فتقصر فيها الصلاة أبدًا، ولو
اقام المسلم باختياره، فكيف إذا كان أسيرًا مقهورًا؟...".
يستفاد من الحديث
أن الْجُمُعَة تقام في القرى.
كتبه
أبو سامي العبدان
حسن التمام
_______________
1 - قال السخاوي في
"الأجوبة المرضية فيما سئل عنه من الأحاديث النبوية" 2/ 700:
"رواه الدارقطني والخطيب
معًا في كتابيهما (الرواة عن مالك)".
قلت: وانظر "الطبقات الكبرى" لابن سعد 3/ 118.
إرسال تعليق