
الصلاة على الجنازة في موضع مخصص لذلك غير المسجد
(404) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:"أن اليهود جاءوا إلى النبي ﷺ برجل منهم وامرأة قد زنيا، فقال لهم: كيف تفعلون بمن زنى منكم؟ قالوا: نحممهما ونضربهما، فقال: لا تجدون في التوراة الرجم؟ فقالوا: لا نجد فيها شيئا، فقال لهم عبد الله بن سلام: كذبتم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فوضع مدراسها الذي يدرسها منهم كفه على آية الرجم، فطفق يقرأ ما دون يده، وما وراءها ولا يقرأ آية الرجم، فنزع يده عن آية الرجم، فقال: ما هذه؟ فلما رأوا ذلك، قالوا: هي آية الرجم، فأمر بهما فرجما قريبا من حيث موضع الجنائز عند المسجد، فرأيت صاحبها يحني عليها يقيها الحجارة".
أخرجه البخاري (1329) و (4556) و (7332) من طريق أبي ضمرة أنس بن عياض، ومسلم (1699- 27)، والنسائي في "الكبرى" (7177)، والدارمي (2321)، وأبو عوانة (6311)، والبيهقي 8/ 246 من طريق زهير، وعبد الرزاق (13332) - ومن طريقه أبو عوانة (6311)، والطبراني 12/ (13407) - عن ابن جريج، وابن طهمان في "مشيخته" (208)، أربعتهم (أبو ضمرة أنس بن عياض، وزهير بن معاوية، وابن جريج، وإبراهيم بن طهمان) عن موسى بن عقبة، حدثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن عبد الله بن عمر به.
وفي الباب عن أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، ومحمد بن عبد الله بن جحش، وحديث رجال من أصحاب النبي ﷺ:
أما حديث أبي هريرة:
فقد تقدّم تخريجه برقم (377)، ولفظه: "نعى رسول الله ﷺ النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى، فصف بهم، وكبر أربعا".وأما حديث جابر:
فقد تقدّم تخريجه أيضا تحت الحديث رقم (376)، ولم أذكر هناك سياق الدارقطني 4/ 54 - 55، والحاكم 2/ 58، ولفظهما:"مات رجل فغسلناه، وكفناه، وحنطناه، ووضعناه لرسول الله ﷺ حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله ﷺ بالصلاة عليه، فجاء معنا خطى، ثم قال: لعل على صاحبكم دينا؟ قالوا: نعم، ديناران فتخلف، فقال له رجل منا يقال له أبو قتادة: يا رسول الله، هما علي، فجعل رسول الله ﷺ يقول: هما عليك وفي مالك والميت منهما بريء. فقال: نعم، فصلى عليه، فجعل رسول الله ﷺ إذا لقي أبا قتادة يقول: ما صنعت الديناران؟ حتى كان آخر ذلك، قال: قد قضيتهما يا رسول الله، قال: الآن حين بردت عليه جلده".
وإسناده ضعيف، فيه عبد الله بن محمد بن عقيل: ليّن الحديث، ضعّفه جمعٌ من الحفّاظ.
وأما حديث محمد بن عبد الله بن جحش:
فأخرجه النسائي (4684)، وفي "الكبرى" (6237)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (625)، والبيهقي 5/ 355، وفي "الشعب" (5147)، والبغوي في "شرح السنة" (2145)، والمزي في "تهذيب الكمال" 25/ 459 من طرق عن إسماعيل بن جعفر - وهو في "حديثه" (298) -، وأحمد 5/ 289 - 290 من طريق زهير بن محمد التميمي، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (928)، والطبراني 19/ (560) من طريق عبد العزيز بن أبي حازم، والحاكم 2/ 24 - 25 من طريق سعيد بن سلمة بن أبي الحسام، أربعتهم عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي كثير مولى محمد بن عبد الله بن جحش، قال: أخبرني محمد بن عبد الله بن جحش، قال:"كنا جلوسا بفناء المسجد حيث توضع الجنائز، ورسول الله ﷺ جالس بين ظهرينا، فرفع رسول الله ﷺ بصره قبل السماء فنظر، ثم طأطأ بصره ووضع يده على جبهته، ثم قال: سبحان الله، سبحان الله ماذا نزل من التشديد؟ قال: فسكتنا يومنا وليلتنا، فلم نرها خيرا حتى أصبحنا، قال محمد: فسألت رسول الله ﷺ: ما التشديد الذي نزل؟ قال: في الدين، والذي نفس محمد بيده لو أن رجلا قتل في سبيل الله، ثم عاش، ثم قتل في سبيل الله، ثم عاش، ثم قتل في سبيل الله، ثم عاش وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضي دينه".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وأقره الذهبي.
قلت: إسناده حسن، العلاء بن عبد الرحمن الحرقي: صدوق، وباقي رجاله ثقات، وقد وقع اختلاف في متنه، وسنده، وقد تقدّم الكلام عليه تحت الحديث رقم (376).
وأما حديث رجال من أصحاب النبي ﷺ:
فأخرجه الحارث بن أبي أسامة (274) عن محمد بن مصعب القرقساني، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (7182) من طريق محمد بن كثير، والبيهقي 4/ 48 من طريق بشر بن بكر، ثلاثتهم عن الأوزاعي، أخبرني ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري، أن بعض أصحاب رسول الله ﷺ أخبره:"أن رسول الله ﷺ: كان يعود مرضى مساكين المسلمين، وضعفاؤهم ويتبع جنائزهم ولا يصلي عليهم أحد غيره، وأن امرأة مسكينة من أهل العوالي طال سقمها، فكان رسول الله ﷺ يسأل عنها من حضرها من جيرانها، وأمرهم أن لا يدفنوها إن حدث بها حدث، فيصلي عليها، فتوفيت تلك المرأة ليلا واحتملوها فأتوا بها مع الجنائز أو قال موضع الجنائز عند مسجد رسول الله ﷺ، ليصلي عليها رسول الله ﷺ كما أمرهم، فوجدوه قد نام بعد صلاة العشاء، فكرهوا أن يهجدوا رسول الله ﷺ من نومه فصلوا عليها، ثم انطلقوا بها فلما أصبح رسول الله ﷺ سأل عنها من حضره من جيرانها، فأخبروه خبرها وأنهم كرهوا أن يهجدوا رسول الله ﷺ لها، فقال لهم رسول الله ﷺ: ولم فعلتم؟ انطلقوا. فانطلقوا مع رسول الله ﷺ حتى قاموا على قبرها، فصفوا وراء رسول الله ﷺ كما يصف للصلاة على الجنائز، فصلى عليها رسول الله ﷺ وكبر أربعا كما يكبر على الجنائز".
وأخرجه الطحاوي 1/ 495 من طريق النعمان بن راشد، عن الزهري به مختصرا.
وأخرجه إسحاق بن راهويه كما في "المطالب" (2525) عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال:
"كان رسول الله ﷺ يأتي ضعفاء المسلمين، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم".
وأخرجه النسائي (1907)، وفي "الكبرى" (2045)، والشافعي 1/ 208- 209 و 209، والروياني (1238)، والبيهقي في "المعرفة" (7578)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 8/ 326، وابن بشكوال في "غوامض الأسماء المبهمة" 1/ 207 عن مالك - وهو في "الموطأ" 1/ 227 -، والنسائي (1969)، وفي "الكبرى" (2107) من طريق يونس، والنسائي (1981)، وفي "الكبرى" (2107) من طريق سفيان بن عيينة، وعبد الرزاق (6542) عن ابن جريج، أربعتهم عن ابن شهاب، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره:
"أن مسكينة مرضت، فأخبر رسول الله ﷺ بمرضها، وكان رسول الله ﷺ يعود المساكين، ويسأل عنهم، فقال رسول الله ﷺ: إذا ماتت فآذنوني بها. فَخُرِجَ بجنازتها ليلا، فكرهوا أن يوقظوا رسول الله ﷺ، فلما أصبح رسول الله ﷺ أخبر بالذي كان من شأنها، فقال: ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟ فقالوا: يا رسول الله كرهنا أن نخرجك ليلا، ونوقظك، فخرج رسول الله ﷺ حتى صف بالناس على قبرها، وكبر أربع تكبيرات".
وأخرجه ابن أبي شيبة 3/ 276 و 299 و 361 و 14/ 154، وفي "المسند" (58)، والطحاوي 1/ 494، والطبراني 1/ (5586)، وابن المقرئ في "معجمه" (416)، والحاكم 2/ 466، والبيهقي 4/ 35، وفي "الآداب" (275)، وفي "الشعب" (8809) من طريق سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أبي أمامة، عن أبيه به.
وسفيان بن حسين: ضعيف، وقال أبو حاتم كما في "العلل" (463):
"هذا خطأ، والصحيح حديث يونس بن يزيد وجماعة، عن الزهري، عن أبي أمامة، عن النبي ﷺ، بلا أبيه".
وقال البيهقي:
"كذا رواه سفيان بن حسين، والصحيح رواية مالك ومن تابعه مرسلا دون ذكر أبيه فيه".
وقال الدارقطني في "العلل" (2714):
"يرويه الزهري، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، واختلف عنه:
فرواه سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه.
قاله أبو سفيان الحميري وهو سعيد بن يحيى الواسطي، ومحمد بن يزيد الواسطي عنه.
وخالفهما يزيد بن هارون، فرواه عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل: مرسلا.
واختلف عن أبي ذئب:
فرواه شبابة، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أبي أمامة، عن أبيه.
وأرسله غيره، عن ابن أبي ذئب.
واختلف عن يونس بن يزيد، عن الزهري:
فرواه أبو صفوان: عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان، عن يونس، عن الزهري، عن أبي أمامة، عن أبيه.
وخالفه ابن وهب، والقاسم بن مبرور، وشبيب بن سعيد، والليث بن سعد، فرووه عن يونس، عن الزهري، عن أبي أمامة؛ أن بعض أصحاب النبي ﷺ أخبره.
وكذلك رواه عقيل بن خالد، عن الزهري.
واختلف عن الأوزاعي:
فرواه الوليد بن مسلم، وعمر بن عبد الواحد، ومحمد بن مصعب القرقساني، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي أمامة، عن بعض أصحاب النبي ﷺ.
وخالفهم عيسى بن يونس، وقيل: عن محمد بن مصعب، فرواه عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل: مرسلا.
ورواه مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وابن جريج، وعبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل: مرسلا.
ورواه معمر، عن الزهري: مرسلا، لم يجاوز به.
ورواه سعيد بن أبي هلال، عن أبي أمامة بن سهل، عن بعض أصحاب النبي ﷺ.
والقول قول من قال: عن الزهري، عن أبي أمامة: حدثني بعض أصحاب النبي ﷺ، غير مسمى".
وخالفهم عيسى بن يونس، وقيل: عن محمد بن مصعب، فرواه عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل: مرسلا.
ورواه مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وابن جريج، وعبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن أبي أمامة بن سهل: مرسلا.
ورواه معمر، عن الزهري: مرسلا، لم يجاوز به.
ورواه سعيد بن أبي هلال، عن أبي أمامة بن سهل، عن بعض أصحاب النبي ﷺ.
والقول قول من قال: عن الزهري، عن أبي أمامة: حدثني بعض أصحاب النبي ﷺ، غير مسمى".
يستفاد من الحديث
أن الأصل في الصلاة على الجنازة أن تكون خارج المسجد، قال الحافظ في "الفتح" 12/ 129:"والمصلى المكان الذي كان يُصلى عنده العيد والجنائز، وهو من ناحية بقيع الغرقد".
وقال أيضا في "الفتح" 3/ 199:
"دلّ حديث ابن عمر المذكور على أنه كان للجنائز مكان معد للصلاة عليها، فقد يستفاد منه أن ما وقع من الصلاة على بعض الجنائز في المسجد كان لأمر عارض أو لبيان الجواز - والله أعلم - واستدل به على مشروعية الصلاة على الجنائز في المسجد، ويقويه حديث عائشة: (ما صلى رسول الله ﷺ على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد) أخرجه مسلم، وبه قال الجمهور، وقال مالك: لا يعجبني. وكرهه ابن أبي ذئب وأبو حنيفة وكل من قال بنجاسة الميت، وأما من قال بطهارته منهم فلخشية التلويث، وحملوا الصلاة على سهيل بأنه كان خارج المسجد والمصلون داخله وذلك جائز اتفاقا، وفيه نظر لأن عائشة استدلت بذلك لما أنكروا عليها أمرها بالمرور بجنازة سعد على حجرتها لتصلي عليه، واحتج بعضهم بأن العمل استقر على ترك ذلك، لأن الذين أنكروا ذلك على عائشة كانوا من الصحابة، ورد بأن عائشة لما أنكرت ذلك الإنكار سلموا لها فدل على أنها حفظت ما نسوه، وقد روى ابن أبي شيبة وغيره أن عمر صلى على أبي بكر في المسجد، وأن صهيبا صلى على عمر في المسجد، زاد في رواية ووضعت الجنازة في المسجد تجاه المنبر، وهذا يقتضي الإجماع على جواز ذلك".
كتبه
أبو سامي العبدان
حسن التمام.
إرسال تعليق