
مشروعية رفع اليدين في كل تكبيرات الجنازة
(408) عن أبي هريرة: "أن رسول الله ﷺ كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى".ضعيف - أخرجه الترمذي (1077)، والدارقطني 2/ 438، وابن البختري في "فوائده" (541)، والبيهقي 4/ 38 من طريقين عن إسماعيل بن أبان الوراق، عن يحيى بن يعلى، عن أبي فروة يزيد بن سنان، عن زيد وهو ابن أبي أنيسة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به.
وقال الترمذي:
"هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، واختلف أهل العلم في هذا فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة على الجنازة وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم لا يرفع يديه إلا في أول مرة وهو قول الثوري وأهل الكوفة وذكر عن ابن المبارك أنه قال في الصلاة على الجنازة لا يقبض يمينه على شماله ورأى بعض أهل العلم أن يقبض بيمينه على شماله كما يفعل في الصلاة، قال أبو عيسى: يقبض أحب إلي".
وأعله ابن القطان بأبي فروة يزيد بن سنان.
وأخرجه أبو يعلى (5858)، والدارقطني 2/ 438، وأبو الفضل الزهري في "حديثه" (688) من طرق عن الحسن بن حماد سجادة، حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، حدثنا يزيد بن سنان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة:
"أن النبي ﷺ صلى على جنازة فوضع يده اليمنى على يده اليسرى".
قلت: فلم يذكر الحسنُ بنُ حمّاد (زيدَ بنَ أبي أنيسة) فخالف اسماعيلَ بن أبان، والراجح رواية إسماعيل بن أبان فإنه ثقة، وأما الحسن بن حماد فإنه صدوق، وقد يكون هذا الاضطراب في إسناده ممن فوقهما وهما يزيد بن سنان، ويحي بن يعلى فكلاهما ضعيف.
وقد أخرجه الخطيب البغدادي في "تلخيص المتشابه في الرسم" 1/ 525 من طريق ابن كاسب، حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا يحيى بن يعلى أبو المحياة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة:
"أن النبي ﷺ كان إذا كبر على الجنازة رفع يديه أول تكبيرة، ثم يضع يمينه على شماله حتى يفرغ".
وقال الخطيب:
"هكذا قال: عن يحيى بن يعلى، عن الزهري، ولم يسمع يحيى من الزهري، وقد رواه الحسن بن حماد سجادة، عن يحيى بن يعلى، عن يزيد بن سنان، عن زيد بن أبي أنيسة، عن الزهري، وقد رواه جماعة، عن يحيى، عن أبي فروة يزيد بن سنان، عن زيد بن أبي أنيسة، عن الزهري، ورواه الحسين بن عيسى البسطامي، عن إسماعيل بن أبان، عن يحيى بن يعلى، عن يونس بن خباب، عن الزهري، وزاد في المتن، قال: وقرأ بفاتحة الكتاب، وقوله: ثم يضع يمينه على شماله، لم نكتبه إلا من هذا الوجه وفيه نظر".
قلت: وهذه الروايات التي ذكرها الخطيب تُخالف ما تقدم في روايات الحديث المتقدمة، فقد جعل رواية الحسن بن حماد مطابقة لرواية اسماعيل بن أبان، ثم ذكر رواية الحسين بن عيسى البسطامي عن اسماعيل بن أبان عن يحي بن يعلى عن يونس بن خباب عن الزهري وزاد فيه قراءة سورة الفاتحة، فصار يونس بن خباب بدل يزيد بن سنان وسقط منه ابن أبي أنيسة، فثبت أن الاضطراب فيه من يحي بن يعلى.
فقد قال البخاري:
"مضطرب الحديث".
وقال البزار:
"يغلط في الأسانيد".
وفي الباب عن ابن عباس:
"أن رسول الله ﷺ كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة، ثم لا يعود".ضعيف أيضا - أخرجه العقيلي في "الضعفاء" 3/ 449، والدارقطني 2/ 438 من طريق الفضل بن السكن، حدثني هشام بن يوسف، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس به.
وهذا إسناد ضعيف من أجل الفضل بن السكن فإنه مجهول، وقد خالفه ابراهيم بن موسى الفراء (وهو ثقة حافظ) فرواه عن هشام بن يوسف، عن معمر، عن بعض أصحابه:
"أن ابن عباس كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى ثم لا يرفع بعد".
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" 3/ 449.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (6362)، والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 449 عن معمر عن بعض أصحابنا به.
قلت: وحتى هذا الموقوف لا يثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، ففيه مَنْ أبهم، بل ذكر الحافظ ثبوت الرفع عنه، فقد قال في "التلخيص" 2/ 291:
"وقد صح عن ابن عباس أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة، ورواه سعيد بن منصور".
وقد ثبت أيضا رفع اليدين في كل تكبيرات الجنازة عن ابن عمر رضي الله عنهما:
أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 296، والبخاري في "جزء رفع اليدين" (106)، وابن المنذر في "الأوسط" (3130)، والبيهقي 4/ 44 عن عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر:"أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة".
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، ينضم إلى أثر ابن عباس رضي الله عنهما، والعمل بقول الصحابي إذا لم يخالف نصا من الشرع أولى من غيره لاسيما أنه لا يُعلم لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهما، ولأنهما رافقا النبي ﷺ، فسمعا أقواله وأفعاله وتقريراته وأحكامه، فكانا بذلك أعرف الناس به، وهما من أكثر الناس إخلاصا وحرصا على الخير فالأخذ بقولهما أولى من الأخذ بقول غيرهما، وأضف إلي ذلك أن ابن عمر رضي الله عنهما له مزية خاصة لما عرف عنه من شدة التحري في اتباع السنة كما هو معروف عنه عند علماء الحديث خاصة وغيرهم من الفقهاء، بل إنه كان يتابع النبي ﷺ في الأمور الجبلّية التي لا شأن لها بالعبادات كما هو معروف عنه رضي الله عنه، فقد جاء أن رسول الله ﷺ نزل بين عرفات والمزدلفة في الشعب فبال، فكان ابن عمر إذا جاء إلى ذلك المكان ينزل ويبول، فقالوا له: يا ابن عمر! هذه ليست عبادة، لأن الرسول ﷺ ما فعل هذا ليتأسى الناس به، فإذا كان إنسان ليس به بول وليس هناك حاجة داعية لأن يأتي ويبول بالقوة! فقال: الرسول فعل هذا، أي: أنا أتبعه.
قلت: وهذه شدة رغبة منه رضي الله عنه في اتباع نبيه الله ﷺ، فهل يصح أن يُقال بعد هذا أنه فعل ذلك باجتهاد منه، اللهم لا، ولا يصح أن يُنسب مثل هذا إلى هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه، فالراجح أن ابن عمر رأى النبي ﷺ يرفع يديه في تكبيرات الجنازة فتأسى به.
وقد نقل الترمذي في "سننه" أن هذا رأي أكثر أصحاب النبي ﷺ وغيرهم كانوا يقولون برفع الرجل يديه في تكبيره على الجنازة، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، فلَاح لك قوة الأخذ بهذه السنة، وأضف إلى ذلك أن النظر إلى المعنى يقتضي رفع اليدين مع كل تكبيرة في الصلاة على الجنازة، لأنه إذا حرك يديه اجتمع في الانتقال من التكبيرة الأولى قول وفعل، كسائر الصلوات، فإن الصلوات يكون مع القول فعل إما ركوع، أو سجود، أو قيام، أو قعود، فكان من المناسب أن يكون مع القول فعل، ولا فعل هنا يناسب إلا رفع اليدين مع كل تكبيرة، لأن الركوع والسجود متعذران فيبقى رفع اليدين، وحينئذٍ يكون رفع اليدين في كل تكبيرة مؤيدًا بالأثر، والنظر.
كتبه
أبو سامي العبدان
حسن التمام
إرسال تعليق