من صلى بالتيمم ثم وجد
الماء في الوقت فلا إعادة عليه
(68) عن أبي سعيد الخدري قال: "خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة
وليس معهما ماء، فتيمما صعيدا طيبا، فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما
الصلاة والوضوء، ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله ﷺ فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يعد
"أصبت السنة وأجزأتك صلاتك" وقال للذي توضأ وأعاد "لك الأجر
مرتين".
صحيح - أخرجه أبو داود (338)، ومن طريقه الخطيب في "الفقيه والمتفقه"
1/ 482، والدارمي (750)، والطبراني في "الأوسط" (1842) عن محمد بن إسحاق
المسيبي، والنسائي (433) أخبرنا مسلم بن عمرو بن مسلم، والطبراني في "الأوسط"
(7922) من طريق يحيى بن المغيرة، والدراقطني 1/ 348 من طريق عبد الله بن حمزة
الزبيري، والحاكم 1/ 178 - 179، وعنه البيهقي 1/ 231 من طريق عمير بن مرداس،
خمستُهم عن عبد الله بن نافع الصائغ، عن الليث بن سعد، عن بكر بن سوادة، عن عطاء
بن يسار، عن أبي سعيد الخدري به.
وقال
أبو داود:
"وذكر
أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ، هو مرسل".
وقال
الطبراني:
"لم
يرو هذا الحديث عن الليث متصل الإسناد إلا عبد الله، تفرد به: المسيبي".
قلت:
وليس كما قال الطبراني رحمه الله تعالى فقد تابع المسيبي: أبو عمرو مسلم بن عمرو
الحذاء، وعبد الله بن حمزة الزبيري، وأبو سعيد عمير بن مرداس الدُّونقيّ، وقد
أخرجه الطبراني نفسه عن يحيى بن المغيرة، عن
ابن نافع!
وقال
الحاكم:
"هذا
حديث صحيح على شرط الشيخين، فإن عبد الله بن نافع ثقة، وقد وصل هذا الإسناد عن
الليث وقد أرسله غيره" وأقره الذهبي.
قلت:
وليس كما قال الحاكم رحمه الله تعالى، فإنه ليس على شرطهما، ولا شرط أحدهما، فلم
يخرج البخاري لعبد الله بن نافع شيئًا إنما أخرج له في "الأدب المفرد"،
وهو من رجال مسلم لكن لم يرو له عن الليث بن سعد، إنما أخرج حديثه عن الإمام مالك.
وقال
الدارقطني:
"تفرد
به عبد الله بن نافع، عن الليث، بهذا الإسناد متصلا وخالفه ابن المبارك
وغيره".
أخرجه
ابن أبي شيبة 2/ 433 حدثنا وكيع، عن ليث بن سعد، عن بكر بن سوادة، عن عطاء بن
يسار:
"أن
رجلين أصابتهما جنابة، فتيمما فصليا ... نحوه، ولم يذكر أبا سعيد.
وأخرجه
الدارقطني 1/ 348 من طريق إسحاق بن إبراهيم الدبري، حدثنا عبد الرزاق، عن عبد الله
بن المبارك، عن الليث به.
وأخرجه
النسائي (434) عن سويد بن نصر، حدثنا عبد الله - بن المبارك -، عن الليث بن سعد
قال: حدثني عميرة، وغيره، عن بكر بن سوادة، عن عطاء بن يسار:
"
أن رجلين، وساق الحديث... ولم يذكر أبا سعيد، وزاد في إسناده عميرة ابن أبي ناجية،
ورواية النسائي أرجح من رواية الدارقطني، لأن في إسناده إسحاق بن إبراهيم الدبري:
وقد
قَالَ ابنُ عَدِيّ: "استصغر في عبد الرزاق، أحضره أبوه عنده وَهُوَ صغير
جدًا، فكان يقول: قرأنا على عبد الرزاق، قرأ غيره، وحدّث عنه بأحاديث
مُنكرة".
وتابع
ابنَ المبارك على هذا الوجه: يحيى بنُ عبد الله بن بكير:
أخرجه
الحاكم 1/ 179، وعنه البيهقي 1/ 231 من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان، حدثنا يحيى
بن بكير، حدثنا الليث، عن عميرة بن أبي ناجية، عن بكر بن سوادة، عن عطاء بن يسار، عن
النبي ﷺ نحوه.
وأخرجه
ابن السكن في "صحيحه" كما في "بيان الوهم والإيهام" 2/ 433
حدثنا أبو بكر بن أحمد الواسطي، قال: حدثنا عباس بن محمد، قال: حدثنا أبو الوليد
الطيالسي، قال: نبأني الليث بن سعد، عن عمرو بن الحارث، وعميرة بن أبي
ناجية، عن بكر بن سوادة، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري:
"أن رجلين من أصحاب النبي ﷺ ... فذكر الحديث.
وقال
ابن القطان:
"فهذا
اتصال ما بين الليث وبكر، بعمرو بن الحارث، وهو ثقة، قرنه بعميرة، ووصله بذكر أبي
سعيد.
فإن
قيل: فكيف بما روى ابن لهيعة في هذا، عن بكر بن سوادة، عن أبي عبد الله مولى
إسماعيل بن عبيد، عن عطاء بن يسار، أن رجلين، هكذا مرسلا [1]،
أليس هذا يعطي انقطاعا آخر، فيما بين بكر وعطاء برجل مجهول، وهو أبو عبد الله مولى
إسماعيل؟
قلنا:
هذا لا يلتفت إليه، لضعف راويه ابن لهيعة، وقد تبين المقصود، وهو أن أبا محمد ذكر
الإرسال، ولم يذكر الانقطاع فاعلمه".
قلت:
رواية أبي الوليد الطيالسي تقوّي رواية عبد الله بن نافع الصائغ، لاتفاقهما على
وصله، وإن كانت رواية الثاني خالية من عمرو بن الحارث، وعميرة بن أبي ناجية،
لاحتمال أن يكون الليث
ابن
سعد أخذه أولًا عن عمرو بن الحارث، وعميرة بن أبي ناجية، ثم أخذه عن بكر بن سوادة
مباشرة، والله أعلم.
يستفاد من الحديث:
أولًا: أن الرجل إذا صلى بالتيمم، ثم وجد الماء قبل خروج الوقت فلا إعادة
عليه، روى البيهقي 1/ 232 بإسناده عن أبي الزناد قال:
"كان
من أدركت من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم منهم سعيد بن المسيب فذكر الفقهاء
السبعة من المدينة وذكر أشياء من أقاويلهم وفيها وكانوا يقولون: من تيمم فصلى ثم
وجد الماء وهو في وقت أو في غير وقت فلا إعادة عليه، ويتوضأ لما يستقبل من الصلوات
ويغتسل، والتيمم من الجنابة والوضوء سواء. ورويناه عن الشعبي والنخعي والزهري
وغيرهم".
وأما
قوله ﷺ: "فإذا وجد الماء، فليتق الله وليمسه بشرته" فهذا عام فيما قبل
الصلاة الحاضرة ولما بعدها، إلا أنه إن كان قد صلى بالتيمم عادما للماء، فصلاته
صحيحة ولا يعيدها، ويبقى إمساس البشرة بالماء لما يستقبل
من العبادات التي يشترط لصحتها الطهارة.
ثانيًا: جواز التيمم في أول الوقت لمن يجد الماء بعد الصلاة في الوقت، قال
الخطابي في "معالم السنن" 1/ 105:
"السنة
تعجيل الصلاة للمتيمم في أول وقتها كهو للمتطهر بالماء".
وقال
ابن المنذر في "الأوسط" 2/ 61-63:
"دلت
الأخبار الثابتة عن النبي ﷺ على أن تعجيل الصلوات في أوائل أوقاتها أفضل، إلا صلاة
الظهر في شدة الحر بقوله عليه السلام: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن
شدة الحر من فَيْح جهنم"، وفيما رويناه عنه ﷺ أنه قال: "إن أحب الأعمال
إلى الله تعجيل الصلاة في أول وقتها" دليل على ذلك، ولم يفرق في شيء من
الأخبار بين من يتطهر بالماء أو بالتراب، فكل مُصَلٍّ بأيّ طهارة صلاها، داخل في
جملة هذا الحديث، إلا ما استثنته السنة، وقد روينا عن ابن عمر أنه تيمم بمربد
النَّعَم، وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة فلم يعد الصلاة".
ثالثًا: قوله (أصبت السنة) أي: صادفت الشريعة الثابتة بالسنة، وقوله (لك
الأجر مرتين) مرة لصلاته الأولى، ومرة لصلاته الثانية، لأنه لم يعلم بالسنة، فهو
مجتهد فصار له أجر العملين، ولا شك أن موافقة السنة أفضل من كثرة
العمل.
رابعًا: فيه إشارة إلى العمل بالأحوط، وقد جعل له النبي ﷺ قاعدة عظيمة، وهو
من جوامع كلمه ﷺ "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" أخرجه الترمذي (2518)،
والنسائي (5711)، وغيرهما، وقال الترمذي: "حديث صحيح".
خامسًا: جواز الاجتهاد في زمن النبي ﷺ.
سابعًا: أن الخطأ في الاجتهاد المُسْتَوفي للشروط لا ينافي الأجر على العمل
المبني عليه، والظاهر ثبوت الأجر له، ولمن قَلَّدَهُ على وجه يصح.
٭ ٭ ٭
وقال
الحافظ في "تلخيص الحبير" 1/ 273:
"وابن لهيعة ضعيف، فلا يلتفت لزيادته، ولا
يعل بها رواية الثقة عمرو بن الحارث، ومعه عميرة بن أبي ناجية، وقد وثقه النسائي،
ويحيى بن بكير، وابن حبان، وأثنى عليه أحمد بن صالح، وابن يونس، وأحمد، وابن سعد،
وابن أبي مريم".
وأخرجه
عبد الرزاق (890) عن إبراهيم بن محمد، عن يحيى بن أيوب، عن بكر ابن سوادة، أن
رجلين أصابتهما جنابة...فذكره.
وإسناده
تالف، فيه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي: متروك، وقال يحيى القطان: كذاب.