words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الأحد، 29 نوفمبر 2015

عيش الغرباء

" لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ، ما لنا طعام إلا ورق الحُبْلَةَ حتى قرحت أشداقنا "

حديث صحيح - جاء من حديث سعد بن أبي وقاص , وعتبة بن غزوان :

أما حديث سعد بن أبي وقاص :

فأخرجه البخاري (3728) و(5412) و(6453) ، ومسلم (2966) , والترمذي (2366)  , والنسائي فى "الكبرى" (11789) , وابن ماجه (131) وأحمد 1/ 174 و 181 و186  , والطيالسي (212) ، ووكيع في "الزهد" (123) ، وابن أبي شيبة 13 /362-363 , والحميدي (78) ، وهناد في "الزهد" (771) ، والدارمي (2415) ، وأبو يعلى (732) ، وابن أبي الدنيا في "الجوع" (163) , وأبو نعيم في "رياضة الأبدان" (15) , والطبري في "تهذيب الآثار" (1031) , وابن حبان (6989) , والبيهقي 1 / 106 , وابن عساكر في " تاريخ دمشق" 20 / 302 , والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" 2 / 167: من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد  , عن قيس بن أبي حازم ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال :
 " إني أول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد رأيتنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا الحُبْلَةَ وَهَذَا السَّمُرَ ، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة، ثم أصبحت بنو أسد يعزروني في الدين، لقد خبت إذا وضل عملي" .

وقال الترمذي :
" هذا حديث حسن صحيح "
وأخرجه الترمذي (2365) ، وفي "الشمائل" (135) ، ومن طريقه البغوي (3923): حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد، قال: حدثنا أبي، عن بيان، عن قيس بن أبي حازم، قال: 
سمعت سعد بن أبي وقاص، يقول: "إني لأول رجل أهراق دما في سبيل الله، وإني لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله، ولقد رأيتني أغزو في العصابة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما نأكل  لا ورق الشجر والحبلة، 
حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة أو البعير، وأصبحت بنو أسد يعزروني في الدين، لقد خبت إذا وضل عملي ".
وقال الترمذي : 
" هذا حديث حسن صحيح , غريب من حديث بيان ".
قلت : إسناده ضعيف جدًا , فإن شيخ الترمذي متروك .
وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 1/ 18 : من طريق  صالح بن محمد ، قال : ثنا الهيثم بن خالد بن يزيد ، قال : ثنا بشر بن محمد السكري ، قال : ثنا شعبة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن سعد به .
وقال أبو نعيم : " غريب من حديث الشعبي عن سعد ، لم نكتبه إلا من حديث بشر ".
قلت : وإسناده ضعيف .

وأما حديث عتبة بن غزوان :

فأخرجه وكيع في "الزهد" (120) , ومن طريقه مسلم   (2967-15), وأحمد 4/ 174  و 5/ 61 , وفي "الزهد" (ص: 31)  ,  وابن أبي شيبة 13/376،  والحاكم 3/ 261، والمحاملي في "أماليه" (515) ,  والطبراني 17(281) , وابن الأثير في "أُسد الغابة" 3/ 558 : حدثنا قرة بن خالد السدوسي ، عن حميد بن هلال العدوي ، عن خالد بن عمير رجل منهم ، قال : خطبنا عتبة بن غزوان ، يقول :
 " لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ، ما لنا طعام إلا ورق الحبلة حتى قرحت أشداقنا "
وقال الحاكم : "صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه" وأقره الذهبي !
قلت : قد أخرجه مسلم .
وله طريقان آخران عن قرة بن خالد 

الأول : أخرجه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 1 / 340 , وأبو نعيم في "الحلية"  1/ 171 , والحاكم 3/ 261  : من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين ، حدثنا قرة بن خالد  به مطولا , وسيأتي سياقه في الطرق الأخرى .
وزاد  يعقوب : " ووجدت بردة فشققتها ، فأعطيت سعد بن مالك نصفها ، وليس من أولئك السبعة رجل إلا وهو على مصر من الأمصار ".

والثاني : أخرجه أبو نعيم في "الحلية" 1/ 171 , وفي "معرفة الصحابة" 4/ 2127 : من طريق إبراهيم بن سعدان، ثنا بكر بن بكار، ثنا قرة بن خالد ثنا حميد بن هلال، قال: قال خالد بن عمير: خطبنا عتبة بن غزوان قال: «أيها الناس إن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، ألا وإنكم في دار أنتم متحولون منها، فانتقلوا بصالح ما بحضرتكم، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا، وإنكم والله لتبلون الأمراء من بعدي، وإنه والله ما كانت نبوة قط إلا تناسخت حتى تكون ملكا وجبرية، وإني رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة، وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا، فوجدت بردة فشققتها بنصفين، فأعطيت نصفها سعد بن مالك ولبست نصفها، فليس من أولئك السبعة اليوم رجل حي إلا وهو أمير مصر من الأمصار، فيا للعجب للحجر يلقى من رأس جهنم فيهوي سبعين خريفا حتى يتقرر في أسفلها، والذي نفسي بيده لتملأن جهنم. أفعجبتم وإن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاما، وليأتين عليه يوم وما فيها باب إلا وهو كظيظ».

ولوكيع شيخ آخر في هذا الحديث :
أخرجه ابن ماجه (4156) , وأحمد 5/ 61  ,  وابن أبي شيبة في "المصنف"  13/ 53-54 , وفي "مسنده" (564) , والطبراني 17 (281) : عن وكيع , عن أبي نعامة، سمعته من خالد بن عمير ، قال خطبنا عتبة بن غزوان على المنبر فقال: 
" ألا إن الدنيا قد آذنت بصرم، وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وأنتم في دار منتقلون عنها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فلقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لنا طعام نأكله إلا ورق الشجر، حتى قرحت أشداقنا ". 

وتابعه :  صفوانُ بن عيسى , ويزيد بن هارون :

أما متابعة صفوان بن عيسى : 
فأخرجها الترمذي في "الشمائل" (136) ، وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" 3/ 1185  , والدولابي في "الكنى والأسماء" 2/ 549 , والطبري في "المنتخب من ذيل المذيل" (ص: 53):  من طريق صفوان بن عيسى، قال: حدثنا عمرو بن عيسى أبو نعامة العدوي قال : سمعت خالد بن عمير، وشويسا أبا الرقاد، قالا: بعث عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان وقال: انطلق أنت ومن معك، حتى إذا كنتم في أقصى بلاد العرب، وأدنى بلاد العجم فأقبلوا، حتى إذا كانوا بالمربد وجدوا هذا الكذان، فقالوا: ما هذه؟ قالوا: هذه البصرة فساروا حتى إذا بلغوا حيال الجسر الصغير، فقالوا: ههنا أمرتم، فنزلوا - فذكروا الحديث بطوله - قال: فقال عتبة بن غزوان: «لقد رأيتني وإني لسابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى تقرحت أشداقنا، فالتقطت بردة قسمتها بيني وبين سعد، فما منا من أولئك السبعة أحد إلا وهو أمير مصر من الأمصار وستجربون الأمراء بعدنا».

وأما متابعة يزيد بن هارون :
 فأخرجها الطبراني في "الكبير" 17(283) ، ومن طريقه المزي في ترجمة خالد بن عمير العدوي من "تهذيب الكمال" 8 /146-147 : من طريق  يزيد بن هارون، ثنا أبو نعامة العدوي، عن خالد بن عمير، وشويس بن كيسان قالا: خطب عتبة بن غزوان
فقال: «إن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وإنكم في دار تنتقلون عنها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام نأكله إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا» قال قرة: ولقد وجدت بردة وقال أبو نعامة: التقطت بردة فشققتها نصفين فلبست نصفا وأعطيت سعدا نصفا، وليس من أولئك السبعة اليوم أحد إلا على مصر من الأمصار، وليجربن الأمراء بعدي، وإنه والله ما كانت نبوة قط إلا تناسخت حتى تكون ملكا وجبرية، ولقد ذكر لي قال قرة: إن الحجر، وقال أبو نعامة: إن الصحيفة تقذف بها من شفير جهنم فتهوي إلى قرارها، قال قرة: سبعين خريفا، وقال أبو نعامة: سبعين خريفا، وليملأن، وما بين المصراعين من أبواب الجنة مسيرة أربعين يوما، وليأتين على أبواب الجنة يوم، وليس فيها باب إلا وهو كظيظ، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي كبيرا وعند الله صغيرا ".

وله طريق أخرى عن خالد بن عمير : 

أخرجه أحمد 5/ 61 , وعبد الرزاق (20891) ,  وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (301) ، والطبراني 17 (281) , وابن الأثير في "أُسد الغابة" 3/ 558: من طريق أيوب عن  حميد بن هلال، عن خالد بن عمير، قال: سمعت عتبة بن غزوان به.
وتابع أيوبَ السختياني , سليمانُ بن المغيرة :
أخرجه مسلم (2967-14) , والنسائي في "الكبرى" (11790) , وابن المبارك في "الزهد" (534) ، والطيالسي (1276)  ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (300) ، وابن حبان (7121) ، والطبراني 17(280) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 4/ 2127 , والبيهقي في "الشعب" (10327) ، وفي "البعث والنشور" (536) ، وابن عبد البر في "الاستيعاب" 3/ 116، والمزي في "تهذيب الكمال" 8/ 145-146 : من طرق عن سليمان بن المغيرة ، حدثنا حميد بن هلال، عن خالد بن عمير العدوي، قال: خطبنا عتبة بن غزوان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، «فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، يتصابها صاحبها، وإنكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم، فيهوي فيها سبعين عاما، لا يدرك لها قعرا، ووالله لتملأن، أفعجبتم؟ ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليها يوم وهو كظيظ من الزحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى قرحت أشداقنا، فالتقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك، فاتزرت بنصفها واتزر سعد بنصفها، فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبح أميرا على مصر من الأمصار، وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيما، وعند الله صغيرا، وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت، حتى يكون آخر عاقبتها ملكا، فستخبرون وتجربون الأمراء بعدنا» .
وأخرجه الحاكم 3/ 261 ووقع عنده (سليمان بن موسى) بدل (سليمان بن المغيرة) !
وقال : "صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه" وأقره الذهبي !
قلت : قد أخرجه مسلم .

وأخرجه الطبراني 17 (278) و(279) : من طريق أبي نصر، عن عتبة بن غزوان به .
قلت : أبو نصر هو حميد بن هلال , وهو تابعي , وقيل : أن له رواية عن عتبة بن غزوان  ، و الصحيح أن بينهما خالد بن عمير كما تقدم في طرق الحديث .
وأخرجه هناد في "الزهد" (770) : من طريق إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن ، وعن حميد بن هلال أبي قتادة العدوي , قال : خطبنا عتبة بن غزوان .
قلت : واسناده ضعيف , فإن اسماعيل بن مسلم المكي : ضعيف الحديث , وسيأتي الكلام عن رواية الحسن البصري .

وله طريق أخرى عن عتبة رضي الله عنه :
أخرجه الطبراني (285) , وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" 4/ 2128 , وأبو بكر البزاز في "حديث شعبة" رقم (102) مخطوط  : من طريق  عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا أبو عبيدة بن فضيل بن عياض ، ثنا أبو سعيد ، مولى بني هاشم ، ثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عتبة بن غزوان ، قال : 
" لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ، ما لنا طعام إلا ورق الحبلة ، حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ما يخالطه شيء " . 
وقال أبو نعيم : " تفرد به أبو سعيد عبد الرحمن بن عبد الله ، عن شعبة " .
قلت :  أبو سعيد عبد الرحمن بن عبد الله : وثقه الأئمة , وقال ابن حبان : " ربما خالف " , وفيه عنعنة أبي اسحاق السبيعي .

طريق أخرى :
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2613): من طريق سهل بن بكار ، قال : نا يزيد بن إبراهيم التستري ، قال : نا الحسن ، وإبراهيم بن العلاء الغنوي ، قالا : في خطبة عتبة بن غزوان بالبصرة : " ألا إن الدنيا قد أذنت بصرم وولت حذاء ، ألا ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يصبها أحدكم ، ألا وإنكم منتقلون منها لا محالة ، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم ، ألا ولقد كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر ، حتى قرحت أشداقنا ، ولقد أصبحنا وما منا إلا أمير ، ولقد رأيتني وسبعة أصبنا بردة فشققناها بيننا ، ألا وإن من العجب أن الصخرة العظيمة لتطرح في جهنم ، فتهوي سبعين خريفا لا تبلغ قعرها ، ألا وإن من العجب أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة أربعين يوما ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ الزحام " .
وقال الطبراني : 
" لم يرو هذا الحديث عن يزيد بن إبراهيم إلا سهل ".
وأخرجه الطبراني (281) عن الحسن ( وحده ) , ولم يسمع الحسن البصري خطبة عتبة بن غزوان إذ هو  ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه
وقال الامام أحمد : لا نعرف له -يعني الحسن - سماعا من عتبة بن غزوان .
وإبراهيم بن العلاء الغنوي إنما يروي عن التابعين , وليس له رواية عن أحد من الصحابة .
وله طريق أخرى عن الحسن :
أخرجه ابن أبي الدنيا في "الجوع" (162) : من طريق المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، قال : خطب عتبة بن غزوان الناس بالبصرة فذكره مختصرا .
والمبارك بن فضالة : صدوق يدلس ويسوي، ومرة: مختلف فيه وكان يدلس .

طريق أخرى : 
أخرجه الطبراني (286) : من طريق عباد بن يعقوب الأسدي ، ثنا عمرو بن ثابت ، عن يونس بن خباب ، قال : سمعت أبا الخليل ، يحدث عن مجاهد ، حدثني ابن الشخير ، قال : قدم علينا عتبة بن غزوان السلمي ، فخطبنا وهو بالبصرة .
وإسناده ضعيف جدا , يونس بن خباب : قال في ترجمته الذهبي من "ديوان الضعفاء" (4828): "رافضي جلد، قال يحيى القطان: كذاب، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه. وقال الدارقطني: كان رجل سوء يسب عثمان، وقال ابن معين وغيره: ضعيف" .
قلت : ومن دونه ضعفاء .


كتبه أحوج الناس لعفو ربه
أبو سامي العبدان
حسن التمام
لسبعة عشر خلون من شهر صفر عام 1437 من هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم 


الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا ؟



عن أبي هريرة رضي الله عنه كان يقول:

(( ألله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر ولم يفعل، ثم مر
بي عمر، فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمر فلم يفعل، ثم مر بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فتبسم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: «يا أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق»
ومضى فتبعته، فدخل، فاستأذن، فأذن لي، فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللبن؟» قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة، قال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «الحق إلى أهل الصفة فادعهم لي» قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام،
لا يأوون إلى أهل ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئا، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أحق أنا أن أصيب من هذا اللبن شربة أتقوى بها، فإذا جاء أمرني، فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بد، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: «يا أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال:
«خذ فأعطهم» قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد علي القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسم، فقال: «أبا هر» قلت: لبيك يا رسول الله، قال: «بقيت أنا وأنت» قلت: صدقت يا رسول الله، قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت، فقال: «اشرب» فشربت، فما زال يقول: «اشرب» حتى قلت:
لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكا، قال: «فأرني» فأعطيته القدح، فحمد الله وسمى وشرب الفضلة )).


أخرجه البخاري (6246) و(6452) , والترمذي (2477), والنسائي في "الكبرى" (11808) , وأحمد 2/ 515 , وهناد في "الزهد" (764) , والفريابي في "دلائل النبوة" (16) ,وابن حبان (6535) , وأبو الشيخ في "أخلاق النبي" ص77 - 78،

والحاكم 3/ 15-16، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 338-339 و377، والآجري في "الشريعة" (1061) , والبيهقى 2/ 624 و 7/ 134 , وفي "الشعب" (9841) , وفي "دلائل النبوة" 6/ 101-102، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 67/ 319 ,

والبغوي (3321) : مطولًا ومختصرًا من طرق عن عمر بن ذر حدثنا مجاهد، أن أبا هريرة فذكره , والسياق للبخاري (6452).

وقال الترمذي :

" هذا حديث حسن صحيح ".

وقال الحاكم :

" صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة " !

وتعقبه الذهبي بقوله : " الحديث بطوله (خ م) " . يعني عند البخاري ومسلم , وإنما هو عند البخاري دون مسلم .

وله طرق أخرى عن أبي هريرة :




أخرجه البخاري (5375) , وابن حبان (7151) , والطبراني في "المعجم الأوسط" (3271) : من طريق أبي حازم، عن أبي هريرة :

(( أصابني جهد شديد، فلقيت عمر بن الخطاب، فاستقرأته آية من كتاب الله، فدخل داره وفتحها علي، فمشيت غير بعيد فخررت لوجهي من الجهد والجوع، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على رأسي، فقال: «يا أبا هريرة» فقلت:

لبيك رسول الله وسعديك، فأخذ بيدي فأقامني وعرف الذي بي، فانطلق بي إلى رحله، فأمر لي بعس من لبن فشربت منه، ثم قال: «عد يا أبا هر» فعدت فشربت، ثم قال: «عد» فعدت فشربت، حتى استوى بطني فصار كالقدح، قال: فلقيت عمر،

وذكرت له الذي كان من أمري، وقلت له: فولى الله ذلك من كان أحق به منك يا عمر، والله لقد استقرأتك الآية، ولأنا أقرأ لها منك، قال عمر: والله لأن أكون أدخلتك أحب إلي من أن يكون لي مثل حمر النعم )).




وأخرجه البخاري (7324) , والترمذي (2367) : من طريق حماد، عن أيوب، عن محمد -بن سيرين- قال: كنا عند أبي هريرة وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط، فقال:

«بخ بخ، أبو هريرة يتمخط في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخر فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشيا علي، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون، وما بي من جنون ما بي إلا الجوع».

وقال الترمذي :

"هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه".




وأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبير" 1/ 197 : أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني كثير بن زيد , عن الوليد بن رباح , عن أبي هريرة قال:

" كنت من أهل الصفة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وان كان ليغشى علي فيما بين بيت عائشة وأم سلمة من الجوع ".

وهذا إسناد ضعيف جدًا , فيه الواقدي , وهو متروك .




وأخرجه البخاري (3708) و(5432): من طريق ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن الناس، كانوا يقولون أكثر أبو هريرة وإني كنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطني حتى لا آكل الخمير ولا ألبس الحبير، ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وكنت ألصق بطني بالحصباء من الجوع، وإن كنت لأستقرئ الرجل الآية، هي معي، كي ينقلب بي فيطعمني، وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء، فنشقها فنلعق ما فيها».

وله طريق أخرى عن المقبري :

أخرجه الترمذي (3766) , وابن ماجه (4125) : من طريق إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التيمي قال: حدثنا إبراهيم أبو إسحاق المخزومي، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال:

(( إن كنت لأسأل الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن الآيات من القرآن أنا أعلم بها منه، ما أسأله إلا ليطعمني شيئا، فكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني حتى يذهب بي إلى منزله فيقول لامرأته: يا أسماء أطعمينا، فإذا أطعمتنا

أجابني، وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه، «فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه بأبي المساكين».

وقال الترمذي :

" هذا حديث غريب. وأبو إسحاق المخزومي هو: إبراهيم بن الفضل المديني، وقد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه ".

قلت : إسناده ضعيف جدًا لعلتين :

الأولى : إبراهيم بن الفضل المخزومى المدني ، أبو إسحاق : متروك .

والثانية : إسماعيل بن إبراهيم الأحول ، أبو يحيى التيمى الكوفي : ضعيف .










بعض معاني المفردات :




(أبا هر) ترخيم أبا هريرة والترخيم حذف أواخر الكلمة تخفيفا

(الحق) اذهب إليهم وأدركهم في مكانهم.

(أهل الصفة) فقراء الصحابة الذين لا أهل لهم ولا مأوى ولا ولد كانوا ينزلون في سقيفة في ناحية من مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

عظم حرمة دم المسلم عند الله تعالى



عن أبي العلاء، قال: حدثني رجل من الحي: أن عمران بن حصين حدثه: أن عبيسا أو ابن عبيس في أناس من بني جشم أتوه، فقال له أحدهم: ألا تقاتل حتى لا تكون فتنة؟ قال: لعلي قد قاتلت حتى لم تكن فتنة، قال: ألا أحدثكم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أراه ينفعكم، فأنصتوا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغزوا بني فلان مع فلان. قال: فصفت الرجال وكانت النساء من وراء الرجال، ثم لما رجعوا، قال رجل: يا نبي الله، استغفر لي غفر الله لك، قال: هل أحدثت ؟! قال: لما هزم القوم، وجدت رجلا بين القوم والنساء، فقال: إني مسلم أو قال: أسلمت فقتلته، قال تعوذا بذلك حين غشيه الرمح، قال: هل شققت عن قلبه تنظر إليه؟! فقال: لا والله ما فعلت، فلم يستغفر له، أو كما قال، وقال في حديثه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغزوا بني فلان مع فلان. فانطلق رجل من لحمتي معهم، فلما رجع إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا نبي الله استغفر الله لي غفر الله لك، قال: وهل أحدثت؟! قال: لما هزم القوم أدركت رجلين بين القوم والنساء ، فقالا: إنا مسلمان أو قالا: أسلمنا فقتلتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عما أقاتل الناس إلا على الإسلام، والله لا أستغفر لك. - أو كما قال - فمات بعد فدفنته عشيرته، فأصبح قد نبذته الأرض، ثم دفنوه وحرسوه ثانية، فنبذته الأرض، ثم قالوا: لعل أحدا جاء وأنتم نيام فأخرجه، فدفنوه ثالثة، ثم حرسوه، فنبذته الأرض ثالثة، فلما رأوا ذلك ألقوه، أو كما قال".

حديث حسن لغيره - أخرجه أحمد 4/ 438-439 حدثنا عارم، وأبو يعلى كما في "إتحاف المهرة" 1/ 125-126 حدثنا محمد بن إسماعيل، والطبراني (609) من طريق محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، ثلاثتهم عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن السميط، عن أبي العلاء به.
وعند أبي يعلى (قيس أو أبو قيس) بدلا عن (عبيس أو ابن عبيس)، وعند الطبراني (عبس أو ابن عبس في أناس من خثعم)، وهو تصحيف!
وإسناده ضعيف من أجل الراوي المبهم.
وأخرجه الروياني في "مسنده" (147) حدثنا الزيادي، حدثنا معتمر، عن أبيه، عن أبي السليل، عن أبي العلاء، قال: حدثنا فتى من الحي، عن عمران بن حصين به.
والزيادي هو محمد بن زياد بن عبيد الله بن زياد بن الربيع ، وهو صدوق يخطىء.
قال ابن منده: ضعيف كما في "التهذيب".
وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" وقال:
"ربما أخطأ ".
قلت: وقد خالف ثلاثةً من الثقات بقوله (عن أبي السليل).
وجاء الحديث بإسناد ليس فيه ذكرُ أبي العلاء ولا الراوي المبهم وهو أشبه بالصواب إذ السميط ممن يروي عن عمران بن حصين.
قال المزي في "تهذيب الكمال 12/ 145-146:
"قال ابن حبان في كتاب "الثقات": سميط بْن عَمْرو بن جبلة ركب إلى عُمَر بن الخطاب ... وفرق أبو حاتم الرازي، وابن حبان بين سميط الذى يروي عن أنس، ويروي عنه سليمان التيمي، وبين الذي ركب إلى عمر، وروى عن أبي موسى، وعمران، وأبي الأحوص، وروى عنه عاصم الأحول، و عمران بن حدير.
و قال ابن حبان في الذى يروي عن أنس: سميط بن سمير وفي الآخر: سميط بن عمرو بن جبلة السدوسي، وجعلهما أبو الحسن الدارقطني، وأبو نصر بن ماكولا وغيرهما واحدا، فالله أعلم ".
وقال الحافظ في "التهذيب" 4 / 240:
"الذى رأيت في " الثقات" لابن حبان: سميط بن عمير يروي عن أنس، و عمران بن حصين، وعنه عاصم الأحول، ويقال: سميط بن سمير.
وفيها أيضا: سميط بن عمير، يروي عن عمر بن الخطاب أنه جعل الجد أبا، وعنه عمران بن حدير.
فيحرر ما نقله عنه المؤلف - يعني المزي - وقال البخاري في " تاريخه الكبير": سميط بن عمير قاله عمران بن حدير، وروى عاصم، عن سميط بن سمير، فظهر من كلامه أنهما عنده واحد، وذكر في ترجمته روايته عن كعب.
وقال العجلي: لم يسمع من كعب، وهو ثقة".
قلت: فالإسناد الآتي متصل وليس بمعضل، وهو ما أخرجه ابن ماجه (3930) حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، عن عاصم، عن السميط بن السمير، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فحمل رجل على رجل من المشركين، فلما غشيه بالرمح، قال: إني مسلم، فقتله ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أذنبت فاستغفر لي، قال: وما ذاك؟ قال: حملت على رجل من المشركين ، فلما غشيته بالرمح، قال: إني مسلم، فظننت أنه متعوذ فقتلته، فقال: هلا شققت عن قلبه حتى يستبين لك؟! قال: ويستبين لي يا رسول الله؟ قال: قد قال لك بلسانه فلم تصدقه على ما قال في قلبه. قال: فمات الرجل فدفناه، فأصبح على وجه الأرض، فأمرنا غلماننا فحرسوه، فأصبح على وجه الأرض، فقلنا غفلوا فحرسناه، فأصبح على وجه الأرض، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرناه، فقال: أما إنها تقبل من هو شر منه، ولكن الله أراد أن يعلمكم تعظيم الدم. ثم قال: اذهبوا به إلى سفح هذا الجبل، فانضدوا عليه من الحجارة. ففعلنا".
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة":
"هذا إسناد حسن، عاصم هو الأحول روى له مسلم والسميط وثقه العجلي وروى له مسلم في "صحيحه" أيضا، وسويد بن سعيد مختلف فيه".
قلت: لم يتفرد به سويد، فقد أخرجه ابن ماجه تحت الحديث
(3930) حدثنا إسماعيل بن حفص الأيلي، حدثنا حفص بن غياث، عن عاصم به.
وأخرجه الطبراني (562)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"
(3234) من طريقين عن محمد بن سعيد الأصبهاني ، حدثنا حفص بن غياث به.
وله شاهد من حديث جندب بن سفيان:
أخرجه أبو يعلى (1522) من طريق عبد الحميد بن بهرام، حدثنا شهر بن حوشب، حدثني جندب بن سفيان، رجل من بجيلة قال: "إني عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه بشير من سرية
بعثها فأخبره، بنصر الله الذي نصر سريته، وبفتح الله الذي فتح لهم قال: يا رسول الله، بينما نحن بطلب العدو وقد هزمهم الله، إذ لحقت رجلا بالسيف، فلما أحس أن السيف قد واقعه، التفتت وهو يسعى فقال: إني مسلم، إني مسلم، فقتلته وإنما كان يا نبي الله متعوذا، قال: فهلا شققت عن قلبه، فنظرت صادق هو أو كاذب؟ قال: لو شققت، عن قلبه ما كان يعلمني القلب، هل قلبه إلا مضغة من لحم؟ قال: فأنت قتلته، لا ما في قلبه علمت، ولا لسانه صدقت. قال: يا رسول الله، استغفر لي، قال: لا أستغفر لك. فدفنوه فأصبح على
وجه الأرض ثلاث مرات، فلما رأى ذلك قومه استحيوا وخزوا مما لقي، فحملوه فألقوه في شعب من تلك الشعاب".
وهذا حديث حسن لغيره من أجل الاختلاف في عبد الحميد بن بهرام وشيخه شهر، وحسّنه في "اتحاف الخيرة".
وجاء من مرسل قبيصة بن ذؤيب، والحسن، وهارون بن رئاب.
أما مرسل قبيصة بن ذؤيب:
فأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين" (3221)، والبيهقي في "دلائل النبوة"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 33/ 231-232 من طريق الزهري، حدثنا عبد الله بن موهب، عن قبيصة بن ذؤيب، قال:
أغار رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية من المشركين، فانهزمت فغشي رجل من المسلمين رجلا من المشركين وهو منهزم، فلما أراد أن يعلوه بالسيف قال الرجل: لا إله إلا الله ، فلم ينثن عنه حتى قتله، ثم وجد في نفسه من قتله، فذكر حديثه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا شققت عن قلبه؟ فإنما يعبر عن القلب اللسان. فلم يلبثوا إلا قليلا حتى توفي ذلك الرجل القاتل، فدفن فأصبح على وجه الأرض ، فجاء أهله فحدثوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الأرض قد أبت أن تقبله، فاطرحوه في غار من الغيران".
وإسناده صحيح.
وأخرجه ابن شبة في "تاريخ المدينة" (809)، وابن حزم في "المحلى" 11 / 328 من طريق عبد الله بن زياد بن سمعان، عن الزهري، عن عبد الله بن موهب، عن قبيصة.
فذكره مطولا بزيادات ليست منه!
وقال ابن حزم:
 "فهذا خبر لا ينسند البتة من طريق يعتد بها، وانفرد به ابن سمعان وهو مذكور بالكذب، بذكر قسامة خمسين على أنه قتل مسلما، وهو أيضا مرسل".
وأما مرسل الحسن:
فأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 14/ 549 قال ابن إسحاق: فأخبرني عمرو بن عبيد، عن الحسن، قال: قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أمنته بالله ثم قتلته!
فوالله ما مكث إلا سبعا حتى مات محلم"
 قال: فسمعت الحسن يحلف بالله: لدفن ثلاث مرات كل ذلك تلفظه الأرض! قال: فجعلوه بين صدي جبل ورضموا عليه من الحجارة، فأكلته السباع، فذكروا أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أما والله إن الأرض لتطبق على من هو شر منه، ولكن الله أراد أن يخبركم بحرمتكم فيما بينكم".
وعمرو بن عبيد: شيخ القدرية والمعتزلة: تركوه، قال ابن حبان:
" كان من أهل الورع والعبادة إلى أن أحدث ما أحدث فاعتزل مجلس
الحسن وجماعة معه فسموا المعتزلة، وكان يشتم الصحابة، ويكذب في الحديث وهما لا تعمدا، والكلام فيه والطعن عليه كثير جدا".
وأخرجه البلاذري في "أنساب الأشراف" عن محمد بن إسحاق، حدثني من لا أتهمه، عن الحسن البصري به.
قلت: ولعلّه ابن عبيد، وتابعه عبد الرحمن بن الحارث:
أخرجه الطبراني (5456) حدثنا أبو يزيد القراطيسي، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا ابن أبي الزناد، حدثني عبد الرحمن بن الحارث، عن الحسن فذكر نحوه.
وأخرجه ابن أبي عاصم في "الديات" (62) حدثنا يعقوب بن حميد، حدثنا يحيى بن سليم، عن هشام بن حسان، عن الحسن: فذكره مطولا.
واسناده ضعيف، فيه يحيى بن سليم، وهو سيء الحفظ.
وأما مرسل هارون بن رئاب:
فأخرجه الحارث (4) - بغية الباحث: حدثنا معاوية بن عمرو، حدثنا أبو إسحاق، عن الأوزاعي، عن هارون بن رئاب، قال:
"بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، ففتح لهم، فبعثوا بشيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يخبره بفتح الله تعالى لهم، وبعدد من قتل الله منهم، قال: فتفردت برجل منهم، فلما غشيته لأقتله، قال: إني مسلم فقتلته، قال صلى الله عليه وسلم: فقتلته، وقد قال: إني مسلم؟ قال: يا رسول الله، إنما قال متعوذا، قال صلى الله عليه وسلم: فهلا شققت عن قلبه؟ قال: وكنت أعرف ذلك يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا لسانه صدقت، ولا قلبه عرفت، إنك لقاتله، اخرج عني فلا تصاحبني. قال: ثم إن الرجل توفي، فلفظته الأرض مرتين، فألقي في بعض تلك الأودية، فقال بعض أهل العلم: إن الأرض لتواري من هو أنتن منه، ولكنه موعظة".
قال البوصيري في "اتحاف الخيرة" 1/ 81:
"هذا إسناد رجاله ثقات، وهو معضل، فإن هارون بن رئاب الأسدي البصري العابد، إنما روى عن التابعين عن الحسن، وابن المسيب وأشباههما، والأوزاعي، اسمه عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو، وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي، اختلط بأخرة، ولم يتبين حال معاوية بن عمرو، هل روى عنه قبل الاختلاط أو بعده، فاستحق الترك".
ويشهد له حديث أسامة بن زيد في "الصحيحين" دون نبذ الأرض للقاتل، والله أعلم.

كتبه الفقير إلى الله تعالى
أبو سامي العبدان
حسن التمام
13 - صفر – 1437 هجري


الاثنين، 23 نوفمبر 2015

شيء من فقه وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن عمر رضي الله عنهما

روى البخاري (6416) , وابن أبي عاصم في "ذكر الدنيا" (185) ، وابن حبان (698) ، وفي "روضة العقلاء" (ص :148)، والخطابي في "العزلة" (39) ، والطبراني (13470) ، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 301، والبيهقي 3 / 368, وفي "الشعب " (10245) ، وفي "الأربعين الصغرى" (32) , وفي "الآداب" (1125): من طريق محمد بن عبد الرحمن أبي المنذر الطفاوي ، عن سليمان الأعمش ، قال : حدثني مجاهد ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال :
(( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي ، فقال : " كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل " ، وكان ابن عمر يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك )) والسياق للبخاري
.

هذا إرشاد نبوي كريم , ووصية عظيمة ينبغي ألا تغيب لحظة عن السائرين إلى الله , والراغبين في مرضاته , فإن المتأمل في حقيقة الدنيا ، يعلم أنها لم تكن يوما دار إقامة أبدية - وإن كان ظاهرها يوحي بنضارتها وجمالها - إلا أن حقيقتها فانية ، ونعيمها زائل ، كالزهرة النضرة التي سرعان ما يذهب بريقها وجمالها , فبعد قليل ينكشف البهرج ، وينكب الزغل , نعم تلك هي حقيقة الدنيا التي غرّت كثيرًا من الناس بزينتها وزخرفها، فاطمأنوا إليها ورضوا بها وفرحوا، وأعرضوا عن الآخرة ونسوها , وألهتهم دنياهم عن آخرتهم , ولسان حالهم يقول : أنهم مخلّدون فيها ولا يكدّر سعادتهم أي شيء , وجهلوا أنها لا تصفو فيها سعادة ، ولا تدوم فيها راحة ، ولا يُخلَّدُ فيها أحدٌ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد" أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عمر رضي الله عنه .
فكيف لعاقل أن يتخذها وطنا له ومحلا لإقامته فيُعمّرها بخراب آخرته , حتى إذا جاء أمر الله انكشف له حقيقة زيفها ، وتبين له أنه كان يركض وراء سراب لا حقيقة له : { وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } .
وكان أعلم الناس بحقيقة هذه الدنيا يقول :" اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة " صلى الله عليه وآله وسلم .
قال ابن رجب : " فإن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا فيطمئن فيها ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر يُهَيِّئُ جهازه للرحيل وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم قال تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون أنه قال {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول :"مالي ولي الدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها ".
ومن وصايا المسيح عليه السلام لأصحابه أنه قال :"لهم اعبروها ولا تعمروها".
وروي عنه أنه قال :"من ذا الذي يبني على موج البحر دارا تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا".
ودخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته فقال يا أبا ذر أين متاعكم ؟! فقال إن لنا بيتًا نتوجه إليه فقال إنه لا بد لك من متاع مادمت هاهنا فقال إن صاحب المنزل لا يدعنا هاهنا .
ودخلوا على بعض الصالحين فقلبوا بصرهم في بيته فقالوا إنا نري بيتك بيت رجل مرتحل فقال لا أرتحل ولكن أطرد طردا، وكان على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول:" إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولاحساب وغدا حساب ولا عمل ".
قال بعض الحكماء: عجبت ممن الدنيا مولية عنه والآخرة مقبلة إليه يشغل بالمدبرة ويعرض عن المقبلة.
وقال عمر بن عبدالعزيز في خطبته : إن الدنيا ليست بدار قراركم كتب الله عليها الفناء وكتب الله على أهلها منها الظعن فكم من عامر موثق عن قليل يخرب وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن مابحضرتكم من النقلة وتزودوا فإن خير الزاد التقوي وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة ولاوطنا فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين إما أن يكون كأنه غريب مقم في بلد غربة همه التزود للرجوع إلى وطنه أو يكون كأنه مسافرغير مقيم البتة بل هو ليله ونهاره يسير إلى بلد الإقامة فلهذا وصي النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يكون في الدنيا على أحد هذين الحالين فأحدهما أن يترك المؤمن نفسه كأنه غريب في الدنيا يتخيل الإقامة لكن في بلد غربة فهو غير متعلق القلب ببلد الغربة بل قلبه متعلق بوطنه الذي يرجع إليه وإنما هو مقيم في الدنيا ليقضي مرمة جهازه إلى الرجوع إلى وطنه قال الفضيل بن عياض المؤمن في الدنيا مهموم حزين همه مرمة جهازه ومن كان في الدنيا كذلك فلا هم له إلا التزود بما ينفعه عند العود إلى وطنه فلا ينافس أهل البلد الذي هو غريب بينهم في عزهم ولا يجزع من الذل عندهم قال الحسن المؤمن كالغريب لا يجزع من ذلها ولا ينافس في عزها له شأن وللناس شأن لما خلق الله آدم عليه السلام أسكن هو وزوجته الجنة ثم أهبط منها ووعد بالرجوع إليها وصالحوا ذريتهما فالمؤمن أبدًا يحن إلى وطنه الأول وحب الوطن من الإيمان كما قيل:
كم منزل للمرء يألفه الفتي وحنينه أبدًا لأول منزل " .
وما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليترك أصحابه دون أن يبيّن لهم ما ينبغي أن يكون عليه حال المؤمن في الدنيا ، ودون أن يحذّرهم من الركون إليها ؛ فهو الناصح الأمين بحق ، فإنه يتخوّلهم بالموعظة ، ويضرب لهم الأمثال .
قال العرباض بن سارية : " وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودّع، فأوصِنا، قال: أوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" رواه أبو داود والترمذي وقال:" حديث حسن صحيح ".
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِع إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلله " أخرجه الترمذي (2312) من حديث أبي ذر , وأصله في "الصحيحين".
قوله " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " إن عابر السبيل أكمل زهداً من الغريب ، لأن عابر السبيل لا قرار له ولا استيطان فهو مستمر في سفره حتى يبلغ منزله ووطنه ، والغريب يجلس ويسكن لكنه مستوحش من مقامه .
ولقد أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنكبيّ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما من أجل أن يستحضر مايقوله , وليسترعي بذلك انتباهه ، ويجمع إليه فكره ، ويشعره بأهمية ما سيقوله له ، فانسابت تلك الكلمات إلى روحه مباشرة : " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ".
وهذا من مخاطبة الفرد وإرادة الجمع ، فإن هذا لا يخص ابن عمر رضي الله عنهما ، بل يعم جميع الأمة .
وانظر كيف شبّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقام المؤمن في الدنيا بحال الغريب ؛ فإنك لا تجد في الغريب ركونا إلى الأرض التي حل فيها أو أُنسا بأهلها ، ولكنه مستوحش من مقامه ، دائم القلق ، لم يشغل نفسه بدنيا الناس ، بل اكتفى منها بالشيء اليسير الذي يتبلّغ به إلى وطنه الأصلي , ولقد بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غربة المؤمن في هذه الدنيا ، والتي تقتضي منه التمسّك بالدين ، ولزوم الاستقامة على منهج الله تعالى ، حتى وإن فسد الناس ، أو حادوا عن الطريق ؛ فصاحب الاستقامة له هدف يصبو إليه ، وسالك الطريق لا يوهنه عن مواصلة المسير تخاذل الناس ، أو إيثارهم للدعة والراحة ، وهذه هي حقيقة الغربة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله : " بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء ".
فإذا كان المسلم سالكاً لطريق الاستقامة ، فلا يغرره كثرة المنحرفين عنه , وعلى المؤمن أن يكون حريصًا على قلّة مخالطة مَنْ كان قليل الورع ، ضعيف الديانة ، فيسلم بدينه الذي هو رأس ماله , فمن فرَّط فيه وعرَّضه للفتن فقد خاب وخسر ، ومن حافظ عليه واعتنى به فقد أفلح ونجح ، ولذا كان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم : "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر " رواه مسلم
( 2720 ) من حديث أبي هريرة .
قال المُناوي في " فيض القدير " 2 / 173: ( اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ) أي : الذي هو حافظ لجميع أموري ، فإن مَن فسد دينُه فسدت جميعُ أموره وخاب وخسر في الدنيا والآخرة .
ولا يُفهم مما سبق أن مخالطة الناس مذمومة بالجملة ، أو أن الأصل هو اعتزال الناس ومجانبتهم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
" المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ، ولا يصبر على أذاهم " حديث صحيح - أخرجه أحمد 2/ 43 , والترمذي (2507) , وغيرهما .
ولنا في رسول الله أسوة حسنة فإنه كان يخالط الناس ولا يحتجب عنهم , وإنما الضابط في هذه المسألة : أن يعتزل المرء مجالسة من يضرّه في دينه ، ويشغله عن آخرته ، بخلاف من كانت مجالسته ذكرا لله تعالى ، وتذكيرا بالآخرة ، وتوجيها إلى ما ينفع في الدنيا والآخرة .
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( كأنك غريب ، أو عابر سبيل ) ، ففي هذه العبارة ترقٍّ بحال المؤمن من حال الغريب إلى حال عابر السبيل ، فعابر السبيل : لا يأخذ من الزاد سوى ما يكفيه مؤونة الرحلة ، ويعينه على مواصلة السفر ، لا يقر له قرار ، ولا يشغله شيء عن مواصلة السفر ، حتى يصل إلى أرضه ووطنه .
قال داود الطائي : " إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة ، حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل , فإن انقطاع السفر عما قريب , والأمر أعجل من ذلك , فتزود لسفرك , واقض ما أنت قاض من أمرك " .
وهكذا يكون المؤمن ، مقبلا على ربه بالطاعات ، صارفا جهده ووقته وفكره في مرضات الله تعالى ، ولا تشغله دنياه عن آخرته ، قد وطّن نفسه على الرحيل ، فاتخذ الدنيا مطيّة إلى الآخرة ، وأعد العدّة للقاء ربه .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه ، وجمع له شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة ، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه ، وفرق عليه شمله ، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له " أخرجه الترمذي (2465) , وغيره , وصححه الألباني .
قال محمد بن إسحاق الكلاباذي: " في الحديث معنيان : أحدهما : الترغيب في الزهد في الدنيا والإعراض عنها ، والرغبة في الآخرة والإقبال عليها ، والتشجيع في ترك الدنيا بمعنى الإنفاق ممن هي في يديه ، والإعراض عنها ممن ليست عنده ، كأنه صلى الله عليه وسلم ، يقول : من أعرض عن الدنيا ، وأقبل على الآخرة ، رزق الفراغ والتنعم وجمع الشمل ، وأتته الدنيا أي الرفق فيها والمهنأ منها فيكون له المهنأ دون الشغل ، والرفق من غير تعب فهو غني وإن عدم القوت ، ومن أقبل على الدنيا وأعرض عن الآخرة شغل بما لا يجري ، وتعب فيما لا يغني ، فتزداد الدنيا عنه بعدا ، لأنه لا يصيب منها إلا المقدور ، والمقدور لا يغنيه ، وإن كثر لغلبة الحرص عليه والتأسف على فوت ما لم يقدر له . تعب الطلب ، والخيبة في التعب ، فهو فقير وإن ملك الدنيا . والمعنى الآخر : تنبيه وإرشاد في الرجوع إلى الله تعالى ، والإقبال على الله ، وأنه أسير القدرة سليب القبضة ، وإن أفعاله تبع لفعل الله به ، وإنها إنما تكون بالله تعالى ، فيكون العبد مأخوذا عن أوصافه ، ومصروفا عن نظره إلى أفعاله معترفا بعجزه ، مقرا باضطراره ، عالما بضرورته وافتقاره ، كأنه صلى الله عليه وسلم ، يقول : إنما تكون الآخرة همه من جعل الله الغناء في قلبه وجمع له شمله ، لأنه لا يقبل على الآخرة إلا من استغنى عن الدنيا ، فإن الدنيا حجاب الآخرة فإذا رفع الحجاب عن بصر القلب رأى الآخرة بعين إيقانه ، ومن نظر إلى الآخرة شغل عن الدنيا ، صارت مرفوعة منه متروكة عنه ، قال حارثة : عزفت نفسي عن الدنيا فكأني أنظر إلى أهل الجنة ، إلى آخر الحديث . فمن أغناه الله تعالى عن الدنيا بالزهد فيها ، والرغبة عنها صارت الآخرة همه ، لأن الإنسان حريص ، والنفس راغبة , إما ترغب إلى الدنيا أو إلى الآخرة ، فإذا حجبت عن الدنيا بالعزوف عنها ، والاستغناء منها افتقرت إلى الآخرة ، ورغبت فيها . قيل لعمر بن عبد العزيز لما أفضت الخلافة إليه : قد زهدت في الدنيا أمير المؤمنين ؟ فقال : إن أنفسنا تواقة تاقت إلى الدنيا ، فلما أصابتها تاقت إلى الآخرة " .
وقال ابن رجب :" وأما وصية ابن عمر فهي مأخوذه من هذا الحديث الذي رواه وهي متضمنة لنهاية قصر الأمل وإن الإنسان إذا أمسي لم ينتظر الصباح وإذا أصبح لم ينتظر المساء بل يظن أن أجله يدرك قبل ذلك وبهذا فسر غير واحد من العلماء الزهد في الدنيا قال المروزي قيل لأبي عبدالله يعني أحمد أي شيء الزهد في الدنيا قال قصر الأمل من إذا أصبح قال لا أمسي قال وهكذا قال سفيان قيل لأبي عبدالله بأي شيء نستعين على قصر الأمل قال ما ندري إنما هو توفيق قال الحسن اجتمع ثلاثة من العلماء فقالوا لأحدهم ما أملك قال ما أتي على شهر إلا ظننت أني سأموت فيه قال فقال صاحباه إن هذا هو الأمل فقالا لأحدهم فما أملك قال ما أتت على جمعة إلا ظننت أني سأموت فيها قال فقال صاحباه إن هذا هو الأمل فقالا للآخر فما أملك قال ما أمل من نفسه في يد غيره قال داود الطائي سألت عطوان بن عمرو التيمي قلت ما قصر الأمل قال ما بين تردد النفس فحدث بذلك الفضيل بن عياض فبكي وقال يقول يتنفس فيخاف أن يموت قبل أن ينقطع نفسه لقد كان عطوان من الموت على حذر وقال بعض السلف مانمت نوما قط فحدثت نفسي أني أستيقظ منه، وكان حبيب أبو محمد كل يوم يوصي بما يوصي به المحتضر عند موته من يغسله ونحوه، وكان يبكي كلما أصبح أو أمسي فسألت امرأته عن بكائه فقالت يخاف الله إذا أمسي أن لايصبح وإذا أصبح أن لايمسي، وكان محمد بن واسع إذا أراد أن ينام قال لأهله أستودعكم الله فلعلها أن تكون منيتي لاأقوم منها، وكان هذا دأبه إذا أراد النوم وقال بكر المزني إن استطاع أحدكم أن لا يبيت إلا وعهده عند رأسه مكتوب فليفعل فإنه لا يدري لعله أن يبيت في أهل الدنيا ويصبح في أهل الآخرة، وكان أويس إذا قيل له كيف الزمان عليك قال كيف الزمان على رجل إن أمسي يظن أنه لايصبح وإن أصبح ظن أنه لايسمي فمبشر بالجنة أو النار وقال عون بن عبدالله ما أنزل الموت كنه منزلته من عد غدا من أجله كم من مسقبل يومًا لايستكمله وكم من مؤمل لغد لا يدركه إنكم لو رأيتم الأجل ومسيره لبغضتم الأمل وغروره، وكان يقول إن من أنفع أيام المؤمن له في الدنيا ما ظن أنه لا يدرك آخره وكانت امرأة متعبدة بمكة إذا أمست قالت يا نفس الليلة ليلتك لا ليلة لك غيرها فاجتهدت فإذا أصبحت قالت يانفس اليوم يومك لا يوم لك غيره فاجتهدت وقال بكر المزني إذا أردت أن تنفعك صلاتك فقل لعلي لا أصلي غيرها وهذا مأخوذ مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صل صلاة مودع وأقام معروف الكرخي الصلاة ثم قال لرجل تقدم فصل بنا فقال الرجل إني إن صليت بكم هذه الصلاة لم أصل بكم غيرها فقال معروف وأنت تحدث نفسك أنك تصلي صلاة أخرى نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل وطرق بعضهم باب أخ له فسأل عنه فقيل له ليس هو في البيت فقال متي يرجع فقالت له جارية من البيت من كانت نفسه في يد غيره من يعلم متي يرجع ".

الأحد، 22 نوفمبر 2015

شرح حديث " كن في الدنيا كـأنك غريب , أو عابر سبيل "

أخرج البخاري (6416)، وابن أبي عاصم في "ذكر الدنيا" (185)، وابن حبان (698)، وفي "روضة العقلاء" (ص: 148)، والخطابي في "العزلة" (39)، والطبراني (13470)، وأبو نعيم في "الحلية" 3/301، والبيهقي 3/368، وفي "الشعب" (10245)، وفي "الأربعين الصغرى" (32)، وفي "الآداب" (1125): من طريق محمد بن عبد الرحمن أبي المنذر الطفاوي، عن سليمان الأعمش، قال: حدثني مجاهد، عن 
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال:
"
أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل"، وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك" والسياق للبخاري.

هذا إرشاد نبوي كريم، ووصية عظيمة ينبغي ألا تغيب لحظة عن السائرين إلى الله ، والراغبين في مرضاته، فإن المتأمل في حقيقة الدنيا، يعلم أنها لم تكن يوما دار إقامة أبدية - وإن كان ظاهرها يوحي بنضارتها وجمالها - إلا أن حقيقتها فانية، ونعيمها زائل، كالزهرة النضرة التي سرعان ما يذهب بريقها وجمالها، فبعد قليل ينكشف البهرج، وينكب الزغل، نعم تلك هي حقيقة الدنيا التي غرت كثيرا من الناس بزينتها وزخرفها ، فاطمأنوا إليها ورضوا بها وفرحوا، وأعرضوا عن الآخرة ونسوها، وألهتهم دنياهم عن آخرتهم، ولسان حالهم يقول: أنهم مخلدون فيها ولا يكدر سعادتهم أي شيء، وجهلوا أنها لا تصفو فيها سعادة، ولا تدوم فيها راحة، ولا يخلد فيها أحد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
"أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد "أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عمر رضي الله عنهفكيف لعاقل أن يتخذها وطنا له ومحلا لإقامته فيعمرها بخراب آخرته ، حتى إذا جاء أمر الله انكشف له حقيقة زيفها ، وتبين له أنه كان يركض وراء سراب لا حقيقة له : {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور}.
وكان أعلم الناس بحقيقة هذه الدنيا يقول: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة" صلى الله عليه وآله وسلمقال ابن رجب: "فإن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا فيطمئن فيها ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر  يُهَيِّئُ جهازه للرحيل وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم قال تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون أنه قال {إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار }، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها ". ومن وصايا المسيح عليه السلام لأصحابه أنه قال:" لهم اعبروها ولا تعمروها". وروي عنه أنه قال:
" من ذا الذي يبني على موج البحر دارا تلكم الدنيا فلا تتخذوها قرارا". ودخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته فقال يا أبا ذر أين متاعكم ؟! فقال إن لنا بيتا نتوجه إليه فقال إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا فقال إن صاحب المنزل لا يدعنا هاهنا . ودخلوا على بعض الصالحين فقلبوا بصرهم في بيته فقالوا إنا نري بيتك بيت رجل مرتحل فقال لا أرتحل ولكن أطرد طردا ، وكان على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: "إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل ". قال بعض الحكماء: عجبت ممن الدنيا مولية عنه والآخرة مقبلة إليه يشغل بالمدبرة ويعرض عن المقبلةوقال عمر بن عبدالعزيز في خطبته: إن الدنيا ليست بدار قراركم كتب الله عليها الفناء وكتب الله على أهلها منها الظعن فكم من عامر موثق عن قليل يخرب وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة وتزودوا فإن خير الزاد التقوي وإذا لم تكن الدنيا للمؤمن دار إقامة ولا وطنا فينبغي للمؤمن أن يكون حاله فيها على أحد حالين إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة همه التزود للرجوع إلى وطنه أو يكون كأنه مسافر غير مقيم البتة بل هو ليله ونهاره يسير إلى بلد الإقامة فلهذا وصي النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر أن يكون في الدنيا على أحد هذين الحالين فأحدهما أن يترك المؤمن نفسه كأنه غريب في الدنيا يتخيل الإقامة لكن في بلد غربة فهو غير متعلق القلب ببلد الغربة بل قلبه متعلق بوطنه الذي يرجع إليه وإنما هو مقيم في الدنيا ليقضي مرمة جهازه إلى الرجوع إلى وطنه قال الفضيل بن عياض المؤمن في الدنيا مهموم حزين همه مرمة جهازه ومن كان في الدنيا كذلك فلا هم له إلا التزود بما ينفعه عند العود إلى وطنه فلا ينافس أهل البلد الذي هو غريب بينهم في عزهم ولا يجزع من الذل عندهم قال الحسن المؤمن كالغريب لا يجزع من ذلها ولا ينافس في عزها له شأن وللناس شأن لما خلق الله آدم عليه السلام أسكن هو وزوجته الجنة ثم أهبط منها ووعد بالرجوع إليها وصالحوا ذريتهما فالمؤمن أبدا يحن إلى وطنه الأول وحب الوطن من الإيمان كما قيل: كم منزل للمرء يألفه الفتي وحنينه أبدا لأول منزل ". وما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليترك أصحابه دون أن يبين لهم ما ينبغي أن يكون عليه حال المؤمن في الدنيا ، ودون أن يحذرهم من الركون إليها؛ فهو الناصح الأمين بحق، فإنه يتخولهم بالموعظة، ويضرب لهم الأمثالقال العرباض بن سارية:
 "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون ، فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع، فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله عز وجل، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار "رواه أبو داود والترمذي وقال:
"حديث حسن صحيح " .
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم
"إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون ، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله ، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا، ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ".
أخرجه الترمذي (2312) من حديث أبي ذر، وأصله في" الصحيحين ". قوله " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ".
إن عابر السبيل أكمل زهدا من الغريب، لأن عابر السبيل لا قرار له ولا استيطان فهو مستمر في سفره حتى يبلغ منزله ووطنه، والغريب يجلس ويسكن لكنه مستوحش من مقامهولقد أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنكبي عبدالله بن عمر رضي الله عنهما من أجل أن يستحضر ما يقوله، وليسترعي بذلك انتباهه، ويجمع إليه فكره، ويشعره بأهمية ما سيقوله له، فانسابت تلك الكلمات إلى روحه مباشرة: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل.
وهذا من مخاطبة الفرد وإرادة الجمع، فإن هذا لا يخص ابن عمر رضي الله عنهما ، بل يعم جميع الأمة ، وانظر كيف شبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقام المؤمن في الدنيا بحال الغريب؛ فإنك لا تجد في الغريب ركونا إلى الأرض التي حل فيها أو أنسا بأهلها ، ولكنه مستوحش من مقامه، دائم القلق، لم يشغل نفسه بدنيا الناس، بل اكتفى منها بالشيء اليسير الذي يتبلغ به إلى وطنه الأصلي ، ولقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم غربة المؤمن في هذه الدنيا ، والتي تقتضي منه التمسك بالدين، ولزوم الاستقامة على منهج الله تعالى، حتى وإن فسد الناس، أو حادوا عن الطريق، فصاحب الاستقامة له هدف يصبو إليه، وسالك الطريق لا يوهنه عن مواصلة المسير تخاذل الناس ، أو إيثارهم للدعة والراحة، وهذه هي حقيقة الغربة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله : "بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء".
فإذا كان المسلم سالكا لطريق الاستقامة، فلا يغرره كثرة المنحرفين عنه، وعلى المؤمن أن يكون حريصا على قلة مخالطة من كان قليل الورع ، ضعيف الديانة، فيسلم بدينه الذي هو رأس ماله، فمن فرط فيه وعرضه للفتن فقد خاب وخسر، ومن حافظ عليه واعتنى به فقد أفلح ونجح، ولذا كان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم : "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر " رواه مسلم (2720) من حديث أبي هريرةقال المناوي في "فيض القدير" 2/173:
"(اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري) أي: الذي هو حافظ لجميع أموري، فآن من فسد دينه فسدت جميع أموره وخاب وخسر في الدنيا والآخرة ولا يفهم مما سبق آن مخالطة الناس عودة للمذمومة بالجملة، أو أن الأصل هو اعتزال الناس ومجانبتهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم"المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ، ولا يصبر على أذاهم" حديث صحيح - أخرجه أحمد 2/ 43، والترمذي (2507 )، وغيرهماولنا في رسول الله أسوة حسنة فإنه كان يخالط الناس ولا يحتجب عنهم ، وإنما الضابط في هذه المسألة: أن يعتزل المرء مجالسة من يضره في دينه، ويشغله عن آخرته، بخلاف من كانت مجالسته ذكرا لله تعالى، وتذكيرا بالآخرة، وتوجيها إلى ما ينفع في الدنيا والآخرةوقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (كأنك غريب، آو عابر سبيل)، ففي هذه العبارة ترق بحال المؤمن من حال الغريب إلى حال عابر السبيل، فعابر السبيل: لا يأخذ من الزاد سوى ما يكفيه مؤونة الرحلة، ويعينه على مواصلة السفر، لا يقر له قرار، ولا يشغله شيء عن مواصلة السفر، حتى يصل إلى أرضه ووطنهقال داود الطائي: "إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة، حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل، فإن انقطاع السفر عما قريب، والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاض من أمرك ". وهكذا يكون المؤمن، مقبلا على ربه بالطاعات، صارفا جهده ووقته وفكره في مرضات الله تعالى، ولا تشغله دنياه عن آخرته، قد وطن نفسه على الرحيل، فاتخذ الدنيا مطية إلى الآخرة، وأعد العدة للقاء ربهعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له "أخرجه الترمذي (2465)، وغيره، وصححه الألبانيقال محمد بن إسحاق الكلاباذي:
"في الحديث معنيان: أحدهما: الترغيب في الزهد في الدنيا والإعراض عنها، والرغبة في الآخرة والإقبال عليها، والتشجيع في ترك الدنيا بمعنى الإنفاق ممن هي في يديه ، والإعراض عنها ممن ليست عنده، كأنه صلى الله عليه وسلم، يقول: من أعرض عن الدنيا، وأقبل على الآخرة، رزق الفراغ والتنعم وجمع الشمل، وأتته الدنيا أي الرفق فيها والمهنأ منها فيكون له المهنأ دون الشغل ، والرفق من غير تعب فهو غني وإن عدم القوت ، ومن أقبل على الدنيا وأعرض عن الآخرة شغل بما لا يجري ، وتعب فيما لا يغني، فتزداد الدنيا عنه بعدا، لأنه لا يصيب منها إلا المقدور، والمقدور لا يغنيه، وإن كثر لغلبة الحرص عليه والتأسف على فوت ما لم يقدر له . تعب الطلب، والخيبة في التعب، فهو فقير وإن ملك الدنيا. والمعنى الآخر: تنبيه وإرشاد في الرجوع إلى الله تعالى، والإقبال على الله، وأنه أسير القدرة سليب القبضة، وإن أفعاله تبع لفعل الله به، وإنها إنما تكون بالله تعالى، فيكون العبد مأخوذا عن أوصافه، ومصروفا عن نظره إلى أفعاله معترفا بعجزه، مقرا باضطراره ، عالما بضرورته وافتقاره، كأنه صلى الله عليه وسلم، يقول: إنما تكون الآخرة همه من جعل الله الغناء في قلبه وجمع له شمله ، لأنه لا يقبل على الآخرة إلا من استغنى عن الدنيا ، فإن الدنيا حجاب الآخرة فإذا رفع الحجاب عن بصر القلب رأى الآخرة بعين إيقانه، ومن نظر إلى الآخرة شغل عن الدنيا، صارت مرفوعة منه متروكة عنه، قال حارثة: عزفت نفسي عن الدنيا فكأني أنظر إلى أهل الجنة ، إلى آخر الحديث. فمن أغناه الله تعالى عن الدنيا بالزهد فيها، والرغبة عنها صارت الآخرة همه، لأن الإنسان حريص، والنفس راغبة، إما ترغب إلى الدنيا أو إلى الآخرة، فإذا حجبت عن الدنيا بالعزوف عنها، والاستغناء منها افتقرت إلى الآخرة، ورغبت فيها. قيل لعمر بن عبد العزيز لما أفضت الخلافة إليه : قد زهدت في الدنيا أمير المؤمنين؟ فقال: إن أنفسنا تواقة تاقت إلى الدنيا، فلما أصابتها تاقت إلى الآخرة ". وقال ابن رجب:" وأما وصية ابن عمر فهي مأخوذه من هذا الحديث الذي رواه وهي متضمنة لنهاية قصر الأمل وإن الإنسان إذا أمسي لم ينتظر الصباح وإذا أصبح لم ينتظر المساء بل يظن أن أجله يدرك قبل ذلك وبهذا فسر غير واحد من العلماء الزهد في الدنيا قال المروزي قيل لأبي عبدالله يعني أحمد أي شيء الزهد في الدنيا قال قصر الأمل من إذا أصبح قال لا أمسي قال وهكذا قال سفيان قيل لأبي عبدالله بأي شيء نستعين على قصر الأمل قال ما ندري إنما هو توفيق قال الحسن اجتمع ثلاثة من العلماء فقالوا لأحدهم ما أملك قال ما أتي على شهر إلا ظننت أني سأموت فيه قال فقال صاحباه إن هذا هو الأمل فقالا لأحدهم فما أملك قال ما أتت على جمعة إلا ظننت أني سأموت فيها قال فقال صاحباه إن هذا هو الأمل فقالا للآخر فما أملك قال ما أمل من نفسه في يد غيره قال داود الطائي سألت عطوان بن عمرو التيمي قلت ما قصر الأمل قال ما بين تردد النفس فحدث بذلك الفضيل بن عياض فبكي وقال يقول يتنفس فيخاف أن يموت قبل أن ينقطع نفسه لقد كان عطوان من الموت على حذر وقال بعض السلف ما نمت نوما قط فحدثت نفسي أني أستيقظ منه ، وكان حبيب أبو محمد كل يوم يوصي بما يوصي به المحتضر عند موته من يغسله ونحوه ، وكان يبكي كلما أصبح أو أمسي فسألت امرأته عن بكائه فقالت: يخاف الله إذا أمسي أن لا يصبح وإذا أصبح أن لا يمسي، وكان محمد بن واسع إذا أراد أن ينام قال لأهله أستودعكم الله فلعلها أن تكون منيتي لا أقوم منها ، وكان هذا دأبه إذا أراد النوم وقال بكر المزني إن استطاع أحدكم أن لا يبيت إلا وعهده عند رأسه مكتوب فليفعل فإنه لا يدري لعله أن يبيت في أهل الدنيا ويصبح في أهل الآخرة ، وكان أويس إذا قيل له كيف الزمان عليك قال كيف الزمان على رجل إن أمسي يظن أنه لا يصبح وإن أصبح ظن أنه لا يسمي فمبشر بالجنة أو النار وقال عون بن عبدالله ما أنزل الموت كنه منزلته من عد غدا من أجله كم من مسقبل يوما لا يستكمله وكم من مؤمل لغد لا يدركه إنكم لو رأيتم الأجل ومسيره لبغضتم الأمل وغروره ، وكان يقول إن من أنفع أيام المؤمن له في الدنيا ما ظن أنه لا يدرك آخره وكانت امرأة متعبدة بمكة إذا أمست قالت يا نفس الليلة ليلتك لا ليلة لك غيرها فاجتهدت فإذا أصبحت قالت يا نفس اليوم يومك لا يوم لك غيره فاجتهدت وقال بكر المزني إذا أردت أن تنفعك صلاتك فقل لعلي لا أصلي غيرها وهذا مأخوذ مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صل صلاة مودع وأقام معروف الكرخي الصلاة ثم قال لرجل تقدم فصل بنا فقال الرجل إني إن صليت بكم هذه الصلاة لم أصل بكم غيرها فقال معروف وأنت تحدث نفسك أنك تصلي صلاة أخرى نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل وطرق بعضهم باب أخ له فسأل عنه فقيل له ليس هو في البيت فقال متي يرجع فقالت له جارية من البيت من كانت نفسه في يد غيره من يعلم متي يرجع".


السبت، 21 نوفمبر 2015

تخريج حديث : " كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل "

" كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل "


أخرجه البخاري (6416) , وابن أبي عاصم في "ذكر الدنيا" (185) ، وابن حبان (698) ، وفي "روضة العقلاء" (ص :148)، والخطابي في "العزلة" (39) ، والطبراني (13470) ، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 301، 
والبيهقي 3 / 368, وفي "الشعب " (10245) ، وفي "الأربعين الصغرى" (32) , وفي "الآداب" (1125): من طريق محمد بن عبد الرحمن أبي المنذر الطفاوي ، عن سليمان الأعمش ، قال : حدثني مجاهد ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال : 
(( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي ، فقال : " كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل " ، وكان ابن عمر يقول : إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك )) والسياق للبخاري .


وله طريق أخرى عن الأعمش :


أخرجه الآجري في "الغرباء" (20) : من طريق ابن أبي بزة , مؤذن المسجد الحرام قال: حدثنا مالك بن سعير قال: حدثنا الأعمش , عن مجاهد , عن ابن عمر قال : (( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضلة ساقي أو قال: ببعض جسدي وقال: 
«يا عبد الله كن في الدنيا كأنك غريب وعد نفسك من أهل القبور» , قال مجاهد وقال لي عبد الله: يا مجاهد فإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح , وإذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء , وخذ من دنياك لآخرتك )).
وإسناده ضعيف , فيه ابن أبي بزة وهو أحمد بن محمد بن القاسم , ضعفه أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل": 2/ 71 , وذكره العقيلي في كتاب " الضّعفاء الكبير " 1/ 127 فقال: "منكر الحديث، ويوصل الأحاديث" , وذكره ابن حبان في "الثقات" 8/ 37 . 
ولم يتفرّد به , فقد تابعه مؤمل بن إهاب , ويحيى بن كيسان النخعي :
أما متابعة مؤمل بن اهاب :
فأخرجها ابن الأعرابي في "معجمه" (979) , ومن طريقه الخطابي في "العزلة" (ص:39) , والقضاعي في "مسند الشهاب" (644) : من طريق أحمد بن عبيد بن إسماعيل ، ثنا مؤمل بن إهاب ، ثنا مالك بن سعير به .
وأحمد بن عبيد بن اسماعيل بن خالد بن العريان بن الهيثم أبو العباس النخعي الفريابي : مجهول .
وأما متابعة يحيى بن كيسان النخعي :
فأخرجها : الحكيم الترمذي في (نوادره) كما في "اتحاف المهرة" 8/ 642
ولم أجد ترجمة ليحيى بن كيسان النخعي !


وله طرق أخرى عن مجاهد :


الأول : أخرجه الترمذي (2333) ، وابن ماجه (4114) , وأحمد 2/ 24 , وفي "الزهد" (42) , ووكيع في "الزهد" (11) , وابن المبارك في "الزهد" (13) ، وهناد 
في "الزهد" (500) , وابن أبي شيبة في "المصنف" 13/ 217 , والروياني في "مسنده" (1417) , والآجري في "الغرباء" (18) و(19) ، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 313 ، والطبراني (13538) , وفي "الصغير" (63) , وفي "مسند الشاميين" (165) 
, والبيهقى فى "الشعب "(10246) و(10543) ، وفي "الزهد الكبير" ( 471) , وفي "الآداب" (1125) , والرافعي في "أخبار قزوين" 3/ 336 , والخطيب في "تاريخ بغداد" 15 /646، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 17 / 18 و34 / 200 و36/ 
145 و199 و64/ 33, والبغوي (4029) , وابن الأثير في "أسد الغابة" 3/ 240 : من طرق عن ليث , عن مجاهد ، عن ابن عمر قال: 
(( أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ، أو ببعض جسدي ، فقال لي : "يا عبد الله بن عمر ، كن غريبا ، أو عابر سبيل ، وعد نفسك في أهل القبور "، قال مجاهد : وقال لي عبد الله بن عمر : إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء ،
وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح ، وخذ من حياتك قبل موتك ، ومن صحتك قبل سقمك ، فإنك لا تدري ما اسمك
غدا )).
وهذا إسناد ضعيف لضعف ليث، وهو ابن أبي سليم.
وجاء في "تاريخ بغداد" 5 / 155 , و"تاريخ دمشق" : من طريق عباس بن محمد ، قال : سمعت يحيى بن معين ، يقول : سمعت وكيعا ، يقول كثيرا : وأي يوم لنا من الموت ؟ قال يحيى : ورأيت وكيعا أخذ في كتاب الزهد يقرءه ، فلما بلغ حديثا منه ترك الكتاب ، ثم قام فلم يحدث ، فلما كان الغد وأخذ فيه بلغ ذلك الحديث ، قام أيضا ولم يحدث ، حتى صنع ذلك ثلاثة أيام ، قلت ليحيى : وأي حديث هو ؟ قال : حديث مجاهد ، قال : أخذ عبد الله بن عمر ببعض جسدي ، وقال :
(( أخذ رسول الله , صلى الله عليه وسلم , ببعض جسدي ، فقال : " يا عبد الله بن عمر , كن في الدنيا كأنك غريب , أو عابر سبيل ")).




والثاني : أخرجه الإسماعيلي في "معجم شيوخه" 1 / 400 , وابن عدي في "الكامل " 3/ 18 و 4/ 212: من طريق أبي يحيى القتات ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال :
(( أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي , فقال: " كن كأنك غريب في الدنيا أو عابر سبيل وعد نفسك في الموتى" )) واللفظ لابن عدي .
وقال ابن عدي : "وروى عن مجاهد جماعة منهم الأعمش وليث بن أبي سليم ومنصور بن المعتمر وغيرهم ومن حديث أبي يحيى القتات أغرب ".
وأبو يحيى القتات : لين الحديث كما في "التقريب" .


والثالث : أخرجه ابن الجوزي في "مشيخته" (ص:105) : من طريق الدارقطني ، ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق الأنصاري ، ثنا يحيى بن يونس بن يحيى الشيرازي ، ثنا أحمد بن سالم السوائي ، ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب السختياني ، عن مجاهد ، 
عن ابن عمر ، قال : (( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ببعض جسدي ، فقال : "يا عبد الله ، كن في الدنيا كأنك غريب ، أو عابر سبيل ، واعدد نفسك في أهل القبور ". قال مجاهد : ثم أقبل علي ابن عمر فقال : يا مجاهد ، إذا أمسيت
فلا تحدث نفسك بالصباح ، وإذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء ، وخذ من صحتك لسقمك ، ومن حياتك لموتك فإنك لا تدري ما اسمك غدا )) .
وقال ابن الجوزي :
" هذا متن صحيح انفرد بإخراجه البخاري من حديث الأعمش ، عن مجاهد ، وهو غريب من حديث أيوب عن مجاهد , تفرد به السوائي عن حماد بن زيد ".
قلت : أحمد بن سالم السوائي , مصحّف من أحمد بن سلم السوائي , وقد جاء اسمه هكذا في كتاب "الثاني من الأفراد" للدارقطني (8).
وذكره السمعاني في "الأنساب" 3/ 399- 400 بقوله : " ومن القدماء أبو سمرة أحمد بن سلم بن خالد بن جابر بن سمرة القاضي الجورى أخو أبي السائب سلم بن جنادة ( وفي "الأفراد" وهو أخو جنادة بن سلم ) ولي القضاء بجور سنة ست عشرة ومائتين 
يروى عن قيس بن الربيع وشريك بن عبد الله القاضي، روى عنه يحيى بن يونس وجعفر بن محمد ابن رمضان وحمزة بن جعفر، وجماعة كثيرة من أهل شيراز ...".
وقد ذكر ابن حبان في كتاب "المجروحين" 1/ 140 : "احمد بن سمرة أبو سمرة من ولد سمرة بن جندب من أهل الكوفة يروي عن الثقات الأوابد والطامات لا يحل الاحتجاج به بحال روى عن شريك بن عبد الله عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال علي خير البرية حدثناه محمد بن يعقوب الخطيب بالأهواز ثنا معمر بن سهل الأهوازي ثنا أبو سمرة احمد بن سمرة ثنا شريك ".


وله طريق أخرى عن ابن عمر :


أخرجه أحمد 2/ 132 , والنسائي في "الكبرى" (11803) , وأبو نعيم في"الحلية" 6/ 115 , والآجري في"الغرباء" (21): من طريق الأوزاعي، أخبرني عبدة بن أبي لبابة، عن عبد الله بن عمر قال: 
(( أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال: " اعبد الله كأنك تراه، وكن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل " )).
وإسناده صحيح .


ولبعضه شواهد من حديث زيد بن أرقم , وأبي هريرة , وأبي الدرداء , ومعاذ بن جبل .


فأما حديث زيد بن أرقم :


فأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 8/ 202-203 : من طريق خلّاد بن يحيى وعامر بن مدرك , عن عبد العزيز بن أبي رواد , عن أبي سعيد , عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 
" اعبد الله كأنك تراه فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك , وكأنك ميت " , وقال خلاد في حديثه : "واحسب نفسك مع الموتى " وزاد: "واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة".
أبو سعيد , قال في ترجمته الحافظ من "التقريب" : " أبو سعد الأزدي الكوفي قارىء الأزد ويقال أبو سعيد : "مقبول " .
وقال الذهبي في "الكاشف"2/ 428 : " ثقة".
قلت : روى عنه إسماعيل بن عبد الرحمن السدى , وسليمان بن قيس اليشكرى , ويزيد بن أبى زياد , وعبدالعزيز بن أبي رواد , واسرائيل بن موسى , ووثقه ابن حبان 5 / 568 فحديثه جيد وكذا عبدالعزيز بن أبي رواد مثله , ففي "التقريب" :
" صدوق عابد ربما وهم ورمي بالإرجاء" , ورواه موقوفا على زيد بن أرقم :
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 14/ 55: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير ، عن ابن أبي رواد ، قال : حدثني أبو سعيد , عن زيد بن أرقم ، قال :
" اعبد الله كأنك تراه ، فإن كنت لا تراه فإنه يراك ، واحسب نفسك في الموتى ، واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة ".


وأما حديث أبي هريرة :


فأخرجه أحمد 2/ 342 : من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد ، حدثني من سمع أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 
" يا ابن آدم ، اعمل كأنك ترى، وعد نفسك مع الموتى ، وإياك ودعوة المظلوم " .
وهذا إسناد ضعيف : فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف الحديث , وفيه أيضًا مَنْ أُبهم .


وأما حديث أبي الدراداء :


فأخرجه البيهقي في "الشعب" (10544) , وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 68 / 112 و113 : من طريق أبي الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن رجل ، من النخع , قال : شهدت أبا الدرداء حين حضرته الوفاة ، قال : 
(( أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول : " اعبد الله كأنك تراه ، فإن كنت لا تراه فإنه يراك ، واعدد نفسك في الموتى ، وإياك ودعوة المظلوم فإنها مستجابة ، 
ومن استطاع منكم أن يشهد الصلاتين العشاء والصبح ولو حبوا فليفعل " )) .
وهذا اسناد ضعيف ففيه راو مبهم , قال المنذري في "الترغيب" 1/ 164 :" رواه الطبراني في الكبير, وسمى الرجل المبهم جابرا ولا يحضرني حاله".
وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 40 : " رواه الطبراني في الكبير , والرجل الذي من النخع لم أجد من ذكره وسماه جابرا ".
قلت : وفيه أيضا عنعنة أبي اسحاق .وقد صحّ موقوفًا على أبي الدرداء : 
أخرجه البيهقي في "الشعب" (10253) , وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 47 / 168: من طريق أبي العباس الأصم ، نا العباس الدوري ، نا عبيد الله بن موسى ، نا شيبان بن عبد الرحمن ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن أبي الدرداء :
" اعمل لله كأنك تراه ، واعدد نفسك مع الموتى ، وإياك ودعوات المظلوم فإنهن يصعدن إلى الله عز وجل ، كأنهن شرارات نار " .
وهذا اسناد جيد , وعاصم هو ابن بهدلة : صدوق له أوهام حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين مقرون كما في "التقريب" , وله طرق أخرى موقوفة عليه: 
الأولى : أخرجه مسدد بن مسرهد في "مسنده" كما في "المطالب العالية" 13/ 130 , وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 47 / 167 : حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن عبد الله بن مرة ، عن أبي الدرداء ، قال : 
" اعبد الله كأنك تراه , وعد نفسك في الموتى , وإياك ودعوة المظلوم , واعلم أن قليلا يغنيك خير من كثير يلهيك , وأن البر لا يبلى , وأن الإثم لا ينسى " . 
وهذا اسناد صحيح , وله طريقان آخران عن منصور :
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 47 / 167 : من طريق أبي بكر الباغندي ، نا سليمان ، نا عبد العزيز بن مسلم ، نا منصور بن المعتمر ، عن عبد الله بن مرة ، قال : قال رجل لأبي الدرداء : أوصني يا أبا الدرداء ، قال : فذكره .
وإسناده فيه ضعف من أجل الباغندي ففيه لين كما قال الذهبي .
وأخرجه أبو داود في "الزهد" (240) : من طريق جرير ، عن منصور ، عن عبد الله بن مرة ، قال : قال أبو الدرداء : فذكره .


والثانية : أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (ص:542) , وأبو حاتم في "الزهد" (ص:48) , وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 47 / 168 : من طريق الحسن , قال : قال أبو الدرداء : 
ابن آدم ! " اعمل لله كأنك تراه ، واعدد نفسك في الموتى ، وإياك ودعوة المظلوم " .
وإسناده ضعيف , فإن الحسن وهو البصىري : ثقة , يرسل كثيرا ويدلس , ولم يلق أبا الدرداء .
قال أبو زرعة : الحسن عن أبي الدرداء مرسل .


والثالثة : أخرجه أحمد في "الزهد" (766):حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثني المثنى بن عوف، حدثني أبو عبد الله، يعني الجسري، أن رجلا، انطلق إلى أبي الدرداء فسلم عليه فقال: 
أوصني فإني غاز، فقال له: "اتق الله كأنك تراه حتى تلقاه، وعد نفسك في الأموات ولا تعدها في الأحياء وإياك ودعوة المظلوم ".
واسناده منقطع فإن أبا عبدالله الجسري واسمه حميري بن بشير لم يسمع من أبي الدرداء.


وأما حديث معاذ :


فأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 13/ 225 , وهناد في "الزهد" 2/ 531 , وابن أبي الدنيا في "الصمت" (22) , والشاشي في "مسنده" (1400) , والطبراني (374) , : من طريق محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، قال : قال معاذ بن جبل قلت : يا رسول الله ، أوصني ، فقال : 
" اعبد الله كأنك تراه ، واعدد نفسك من الموتى ، واذكر الله عز وجل عند كل حجر وعند كل شجر ، وإذا عملت سيئة ، فاعمل بجنبها حسنة ، السر بالسر ، والعلانية بالعلانية " ، ثم قال : 
" ألا أخبرك بأملك الناس من ذلك ؟ " قلت : بلى يا رسول الله ، فأخذ بطرف لسانه ، فقلت : يا رسول الله ، كأنه يتهاون به ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا هذا ؟ " ، وأخذ بطرف لسانه)) والسياق للطبراني .
واسناده منقطع بين أبي سلمة ومعاذ , فإن أبا سلمة وهو ابن عبدالرحمن بن عوف لم يدرك معاذا كما قال المنذري في "الترغيب" 4/ 122 و4/ 53
وقال المنذري في موضع آخر من "الترغيب" 3/ 341: "رواه ابن أبي الدنيا بإسناد جيد".
وقال الهيثمي في "المجمع" 2/ 40 : "رواه الطبراني، وأبو سلمة لم يدرك معاذا، ورجاله ثقات".
قلت : إسناد ابن أبي الدنيا هو نفسه اسناد الطبراني , ورجاله ثقات إلا أنه منقطع .
وأخرجه البيهقي في "الشعب" (544) :أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، ثنا أبو الفضل بن حميرويه ، أنا أحمد بن نجدة ، ثنا منصور ، ثنا الوليد بن أبي ثور ، عن عبد الملك بن عمير ، عن رجل ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه ، 
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن ، فقال : " اعبد الله ، ولا تشرك به شيئا ، واعمل لله كأنك تراه ، واذكر الله عند كل حجر ، وشجر ، وإن عملت سيئة في سر فأتبعها حسنة في سر ، وإن عملت سيئة علانية فأتبعها حسنة في علانية ، 
واتق الله ، وإياك ودعوة المظلوم ".
وهذا اسناد ضعيف وفيه علل ثلاث :
الأولى : فيه إبهام الراوي عن معاذ .
الثانية : الوليد بن أبي ثور : ضعيف .
الثالثة : شيخ البيهقي أبي نصر بن قتادة : لم أجد له ترجمة , ولقد أكثر البيهقي الرواية عنه في مصنفاته , وقال الألباني في في "الضعيفة" 8/ 337: " لم أعرفه، وقد سماه في بعض المواطن بـ "عمر بن عبد العزيز بن قتادة"، وتارة يقول: 
".. ابن عمر بن قتادة".



كتبه
أحوج الناس لعفو ربه
أبو سامي العبدان
حسن التمام
التاسع من صفر عام 1437 من هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام