words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الأحد، 25 أكتوبر 2015

العذر بالجهل

 " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب , حتى لا يدرى ما صيام , ولا صلاة , ولا نسك , ولا صدقة , وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة , فلا يبقى في الأرض منه آية , وتبقى طوائف من الناس , الشيخ الكبير والعجوز , يقولون : أدركنا آباءنا على هذه الكلمة , لا إله إلا الله , فنحن نقولها " , فقال له صلة : ما تغني عنهم لا إله إلا الله , وهم لا يدرون ما صلاة , ولا صيام , ولا نسك , ولا صدقة ؟ فأعرض عنه حذيفة , ثم ردها عليه ثلاثا , كل ذلك يعرض عنه حذيفة , ثم أقبل عليه في الثالثة , فقال : يا صلة تنجيهم من النار , ثلاثا ".

صحيح على شرط مسلم - أخرجه ابن ماجه (4049) , ونعيم بن حماد في "الفتن" (1663) , والبزار 2838-البحر الزخار , والحاكم  4/ 473 و545 , والبيهقي في "الشعب" (2028)  : عن أبي معاوية، عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي، عن حذيفة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره
وقال الحاكم:
هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه " وأقره الذهبي .
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة" 4/ 194 : "  هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رواه مسدد في مسنده عن أبي عوانة عن أبي مالك بإسناده ومتنه ورواه الحاكم في المستدرك من طريق أبي كريب عن أبي معاوية به وقال صحيح على شرط مسلم".
وذكر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى شيئًا من فوائد هذا الحديث  في "الصحيحة" 1/173 بقوله : " وفي هذا الحديث نبأ خطير، وهو أنه سوف يأتي يوم على الإسلام يمحى أثره، وعلى القرآن فيرفع فلا يبقى منه ولا آية واحدة، وذلك لا يكون قطعا إلا بعد
أن يسيطر الإسلام على الكرة الأرضية جميعها، وتكون كلمته فيها هي العليا.كما هو نص قول الله تبارك وتعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) ، وكما شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فيأحاديث كثيرة سبق ذكر بعضها في المقال الأول من هذه المقالات (الأحاديث الصحيحة) .وما رفع القرآن الكريم في آخر الزمان إلا تمهيدا لإقامة الساعة على شرار الخلق الذين لا يعرفون شيئا من الإسلام البتة، حتى ولا توحيده!
وفي الحديث إشارة إلى عظمة القرآن، وأن وجوده بين المسلمين هو السبب لبقاء دينهم ورسوخ بنيانه وما ذلك إلا بتدارسه وتدبره وتفهمه ولذلك تعهد الله تبارك وتعالى بحفظه، إلى أن يأذن الله برفعه. فما أبعد ضلال بعض المقلدة الذين يذهبون إلى أن الدين محفوظ بالمذاهب الأربعة، وأنه لا ضير على المسلمين من ضياع قرآنهم لو فرض وقوع ذلك! ! هذا ما كان صرح لي به أحد كبار المفتين من الأعاجم وهو يتكلم العربية الفصحى بطلاقة وذلك لما جرى الحديث بيني وبينه حول الاجتهاد والتقليد. قال - ما يردده كثير من الناس -: إن الاجتهاد أغلق بابه منذ القرن الرابع! فقلت له: وماذا نفعل بهذه الحوادث الكثيرة التي تتطلب معرفة حكم الله فيها اليوم؟
قال: إن هذه الحوادث مهما كثرت فستجد الجواب عنها في كتب علمائنا إما عن عينها أو مثلها.
قلت: فقد اعترفت ببقاء باب الاجتهاد مفتوحا ولا بد!
قال: وكيف ذلك؟
قلت: لأنك اعترفت أن الجواب قد يكون عن مثلها، لا عن عينها وإذ الأمر كذلك، فلابد من النظر في كون الحادثه في هذا العصر، هي مثل التي أجابوا عنها، وحين ذلك فلا مناص من استعمال النظر والقياس وهو الدليل الرابع من أدلة الشرع،
وهذا معناه الاجتهاد بعينه لمن هو له أهل! فكيف تقولون بسد بابه؟ ! ويذكرني هذا بحديث آخر جرى بيني وبين أحد المفتين شمال سورية، سألته: هل تصح الصلاة في الطائرة؟ قال: نعم. قلت: هل تقول ذلك تقليدا أم اجتهادا؟ قال: ماذا
تعني؟ قلت: لا يخفى أن من أصولكم في الإفتاء، أنه لا يجوز الإفتاء باجتهاد، بل اعتمادا على نص من إمام، فهل هناك نص بصحة الصلاة في الطائرة؟ قال: لا،
قلت: فكيف إذن خالفتم أصلكم هذا فأفتيتم دون نص؟ قال: قياسا.
قلت: ما هو المقيس عليه؟ قال: الصلاة في السفينة.
قلت: هذا حسن، ولكنك خالفت بذلك أصلا وفرعا، أما الأصل فما سبق ذكره،
وأما الفرع فقد ذكر الرافعي في شرحه أن المصلي لو صلى في أرجوحة غير معلقة بالسقف ولا مدعمة بالأرض فصلاته باطلة. قال: لا علم لي بهذا.
قلت: فراجع الرافعي إذن لتعلم أن (فوق كل ذي علم عليم) ، فلو أنك تعترف أنك من أهل القياس والاجتهاد وأنه يجوز لك ذلك ولو في حدود المذهب فقط، لكانت النتيجة أن الصلاة في الطائرة باطلة لأنها هي التي يتحقق فيها ما ذكره الرافعي
من الفرضية الخيالية يومئذ. أما نحن فنرى أن الصلاة في الطائرة صحيحة لا شك في ذلك، ولئن كان السبب في صحة الصلاة في السفينة أنها مدعمة بالماء بينها وبين الأرض، فالطائرة أيضا مدعمة بالهواء بينها وبين الأرض. وهذا هو الذي بدا
لكم في أول الأمر حين بحثتم استقلالا، ولكنكم لما علمتم بذلك الفرع المذهبي صدكم عن القول بما أداكم إليه بحثكم! ؟
أعود إلى إتمام الحديث مع المفتي الأعجمي، قلت له: وإذا كان الأمر كما تقولون: إن المسلمين ليسوا بحاجة إلى مجتهدين لأن المفتي يجد الجواب عن عين المسألة أو مثلها، فهل يترتب ضرر ما لو فرض ذهاب القرآن؟ قال: هذا لا يقع،
قلت: إنما أقول: لو فرض، قال: لا يترتب أي ضرر لو فرض وقوع ذلك!
قلت: فما قيمة امتنان الله عز وجل إذن على عباده بحفظ القرآن حين قال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ، إذا كان هذا الحفظ غير ضروري بعد الأئمة ؟ ! والحقيقة أن هذا الجواب الذي حصلنا عليه من المفتي بطريق المحاورة، هو جواب
كل مقلد على وجه الأرض، وإنما الفرق أن بعضهم لا يجرؤ على التصريح به، وإن كان قلبه قد انطوى عليه. نعوذ بالله من الخذلان. فتأمل أيها القارىء اللبيب مبلغ ضرر ما نشكو منه، لقد جعلوا القرآن في حكم المرفوع، وهو لا يزال بين ظهرانينا والحمد لله،
 فكيف يكون حالهم حين يسرى عليه في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية؟ ! فاللهم هداك.

((حكم تارك الصلاة)):

هذا وفي الحديث فائدة فقهية هامة، وهي أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة ولو كان لا يقوم بشيء من أركان الإسلام الخمسة الأخرى كالصلاة وغيرها، ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم تارك
الصلاة خاصة، مع إيمانه بمشروعيتها، فالجمهور على أنه لا يكفر بذلك، بل يفسق وذهب أحمد إلى أنه يكفر وأنه يقتل ردة، لا حدا، وقد صح عن الصحابة أنهم كانوا لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي والحاكم،
وأنا أرى أن الصواب رأي الجمهور، وأن ما ورد عن الصحابة ليس نصا على أنهم كانوا يريدون بـ (الكفر) هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار ولا يحتمل أن يغفره الله له، كيف ذلك وهذا حذيفة بن اليمان - وهو من كبار أولئك الصحابة -
يرد على صلة بن زفر وهو يكاد يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له، فيقول: ما تغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة.... " فيجيبه حذيفة بعد إعراضه عنه: " يا صلة تنجيهم من النار. ثلاثا ".
فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة، ومثلها بقية الأركان ليس بكافر، بل هو مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة. فاحفظ هذا فإنه قد لا تجده في غير هذا المكان.
وفي الحديث المرفوع ما يشهد له، ولعلنا نذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. ثم وقفت على " الفتاوى الحديثية " (84 / 2) للحافظ السخاوي، فرأيته يقول بعد أن ساق بعض الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة وهي مشهورة معروفة:
" ولكن كل هذا إنما يحمل على ظاهره في حق تاركها جاحدا لوجودها مع كونه ممن نشأ بين المسلمين، لأنه يكون حينئذ كافرا مرتدا بإجماع المسلمين، فإن رجع إلى الإسلام قبل منه، وإلا قتل. وأما من تركها بلا عذر، بل تكاسلا مع اعتقاد وجوبها، فالصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه لا يكفر، وأنه - على الصحيح أيضا - بعد إخراج الصلاة الواحدة عن وقتها الضروري، كأن يترك الظهر مثلا حتى تغرب الشمس أو المغرب حتى يطلع الفجر - يستتاب كما يستتاب المرتد،
ثم يقتل إن لم يتب، ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، مع إجراء سائر أحكام المسلمين عليه. ويؤول إطلاق الكفر عليه لكونه شارك الكافر في بعض أحكامه. وهو وجوب العمل، جمعا بين هذه النصوص وبين ما صح أيضا عنه
صلى الله عليه وسلم أنه قال: خمس صلوات كتبهن الله - فذكر الحديث. وفيه: " إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له " وقال أيضا: " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة " إلى غير ذلك. ولهذا لم يزل المسلمون يرثون تارك الصلاة
ويورثونه ولو كان كافرا لم يغفر له، ولم يرث ولم يورث ".
وقد ذكر نحو هذا الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله في " حاشيته على المقنع "، (1 / 95 - 96) وختم البحث بقوله: " ولأن ذلك إجماع المسلمين، فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي الصلاة، ترك تغسيله والصلاة عليه، ولا منع ميراث موروثه مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كفر لثبتت هذه الأحكام. وأما الأحاديث المتقدمة، فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة، كقوله عليه الصلاة والسلام: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر "، وقوله " من حلف بغير الله فقد أشرك "
وغير ذلك. قال الموفق: وهذا أصوب القولين ".
أقول: نقلت هذا النص من " الحاشية " المذكورة، ليعلم بعض متعصبة الحنابلة، أن الذي ذهبت إليه، ليس رأيا لنا تفردنا به دون أهل العلم، بل هو مذهب جمهورهم، والمحققين من علماء الحنابلة أنفسهم، كالموفق هذا، وهو ابن قدامة
المقدسي، وغيره، ففي ذلك حجة كافية على أولئك المتعصبة، تحملهم إن شاء الله تعالى، على ترك غلوائهم، والاعتدال في حكمهم.
بيد أن هنا دقيقة، قل من رأيته تنبه لها، أو نبه عليها، فوجب الكشف عنها وبيانها.
فأقول: إن التارك للصلاة كسلا إنما يصح الحكم بإسلامه، ما دام لا يوجد هناك ما يكشف عن مكنون قلبه، أو يدل عليه، ومات على ذلك، قبل أن يستتاب كما هو الواقع في هذا الزمان، أما لو خير بين القتل والتوبة بالرجوع إلى المحافظة على الصلاة، فاختار القتل عليها، فقتل، فهو في هذه الحالة يموت كافرا، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا تجري عليه أحكامهم، خلافا لما سبق عن السخاوي لأنه لا يعقل - لو كان غير جاحد لها في قلبه - أن يختار القتل عليها، هذا أمر مستحيل، معروف بالضرورة من طبيعة الإنسان، لا يحتاج إثباته إلى برهان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموعة الفتاوى " (2 / 48) : " ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل، لم يكن في الباطن مقرا بوجوبها ولا ملتزما بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين، كما استفاضت الآثار عن الصحابةبكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة.... فمن كان مصرا على تركها حتى يموت، لا يسجد لله سجدة قط، فهذا لا يكون قط مسلما مقرا بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب واعتقاد أن تاركها يستحق القتل، هذا داع تام إلى فعلها، والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور، فإذا كان قادرا ولم يفعل قط، علم أن الداعي في حقه لم يوجد ".

قلت : هذا الحديث فيه دليل على أن الإنسان  يُعذر بالجهل , فهؤلاء الذين ذكروا في هذا الحديث يجهلون أركان الإسلام العملية فإن قوله ( لا يدرون ما صلاة , ولا صيام , ولا نسك , ولا صدقة ) دليل على اندراسها حتى نسيها الناس ولم يبقَ من أركان الإسلام سوى لا إله إلا الله فهم يقولونها لأنهم أدركوا آبائهم يقولونها فهم يقولونها ولا يعرفون غير هذه الكلمة الطيبة , ولم يقل الراوي أنهم لا يصلون ولا يصومون الخ , بل قال ( لا يدرون ما صلاة , ولا صيام , ولا نسك , ولا صدقة ) ,  وفي الحقيقة ان هذا الحديث لا دليل فيه على عدم كفر تارك الصلاة كسلا , وإنما هذا يُؤخذ من أحاديث أخرى غير هذا , وقد نص الفقهاء على أن جاحد وجوب الصلاة، إذا كان جاهلا، وكان في أرض بادية، وبعيد، ما يعرف عن الإسلام، لا يعرف وجوب الصلاة، أنه لا يكفر بذلك، بل يعذر بجهله، إذا كان مثله يجهل، بخلاف من ينكر وجوب الصلاة، وهو بين الناس، وبين المسلمين، هذا لا عذر له، ولا يمكن أن يقال: إنه جاحد، فهؤلاء جهال، عذرهم الجهل، فلا يصلح الحديث للإحتجاج به على عدم كفر تارك الصلاة والله أعلم .

وكتبه 
أبو سامي العبدان
حسن التمام
الحادي عشر من شهر الله المحرم عام 1437 من هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم 





السبت، 24 أكتوبر 2015

لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة


"لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضا الحكم وآخرهن الصلاة".

حسن - أخرجه أحمد 5/ 251، وعنه عبد الله بن أحمد في "السنة" (764)، ومن طريقه - ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (4)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (3872)، والحاكم 4/ 92، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 36/ 266 - وأبو بكر الخلال في "السنة" (1330)، والطبراني 8/ (7486)، وفي "مسند الشاميين" (1602)، والبيهقي في "الشعب" (7118)، وأخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (407)، والبيهقي في "الشعب" (4894) عن أبي جعفر عبد الله بن محمد المسندي، وابن أبي الدنيا في "العقوبات" (294)، وابن حبان (6715) من طريق إسحاق بن إبراهيم المروزي، ثلاثتهم (أحمد بن حنبل، وأبو جعفر المسندي، وإسحاق ابن إبراهيم) عن الوليد بن مسلم، حدثني عبد العزيز بن إسماعيل بن
عبيد الله، أن سليمان بن حبيب حدثهم، عن أبي أمامة الباهلي، عن رسول الله  قال: فذكره.
وهذا إسناد حسن، عبد العزيز بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي الدمشقي روى عنه جمع، وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" 5/ 377:
"ليس به بأس".
ووثقه ابن حبان 7/ 110، وباقي رجاله ثقات سليمان بن حبيب هو المحاربي الداراني.
وقد وقع في إسناد الحاكم (عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله)
 وقال الحاكم:
"عبد العزيز هذا هو ابن عبيد الله بن حمزة بن صهيب، وإسماعيل: هو ابن
عبيد الله بن أبي المهاجر، والإسناد كله صحيح، ولم يخرجاه".
فتعقبه الذهبي بقوله:
"عبد العزيز ضعيف".
قال الشيخ مقبل الوادعي في "تتبعه أوهام الحاكم التي سكت عنها الذهبي"
 4/ 191:
"الذهبي تبع في هذا الحاكم على أن عبد العزيز هو ابن عبيد الله الخ، وليس كذلك بل هو ابن اسماعيل بن عبيد الله كما في "مسند أحمد" وشيخه سليمان بن حبيب".
قلت: وهو كما قال الوادعي هو عبد العزيز بن إسماعيل بن عبيد الله فقد أخرجه الحاكم 4/ 92 من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا الوليد بن مسلم به، فوقع عنده (عبد العزيز، عن إسماعيل بن
عبيد الله!) وهو وهم نجم عن تحرّف (بن) إلى (عن) فقد رواه عبد الله بن أحمد نفسه في "السنة" (764)، وأبو بكر الخلال في "السنة" (1330)، والطبراني 8/ (7486)، وفي "مسند الشاميين" (1602)، والبيهقي في "الشعب" (7118) عن محمد بن عبد الله الحضرمي، كلهم عن الإمام أحمد ( وهو في "مسنده" 5/ 251 ) حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني عبد العزيز ابن إسماعيل بن عبيد الله به.
وهو كذلك عند كل من رواه عن الوليد بن مسلم، فقد أخرجه المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (407)، والبيهقي في "الشعب" (4894) عن أبي جعفر عبد الله بن محمد المسندي، وابن أبي الدنيا في "العقوبات" (294)، وابن حبان (6715) من طريق إسحاق بن إبراهيم المروزي، كلاهما عن الوليد بن مسلم به، والحديث مذكور في ترجمة عبد العزيز بن إسماعيل بن عبيد الله كما في "تاريخ دمشق" 36/ 265-266، و "تاريخ الإسلام" 4/ 439.
وله شاهدان:
1 - أخرجه أحمد 4/232 من طريق ضمرة، عن يحيى بن أبي عمرو، عن ابن فيروز الديلمي، عن أبيه، قال: قال رسول الله :
"لينقضن الإسلام عروة، عروة كما ينقض الحبل قوة، قوة".
وهذا إسناد رجاله ثقات سوى ضمرة وهو بن ربيعة الفلسطيني: صدوق يهم قليلا كما في "التقريب".
وأخرجه ابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (175) من طريق أسد بن موسى قال: حدثنا ضمرة، عن السيباني، عن عبد الله بن الديلمي، قال:
 "تذهب السنة سنة سنة، كما يذهب الحبل قوة قوة، وآخر الدين الصلاة، وليصلين قوم ولا خلاق لهم".
وهذا هو الصحيح أنه موقوف على ابن الديلمي، فقد تابعه عليه الأوزاعي: أخرجه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" 3/ 386، ومن طريقه اللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (127) حدثنا محمد بن عقبة الشيباني، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (226) من طريق معاوية بن عمرو، كلاهما (محمد بن عقبة الشيباني، ومعاوية بن عمرو) عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي عمرو، عن
 عبد الله الديلمي، قال:
"إن أول ذهاب الدين ترك السنة، يذهب الدين سنة سنة، كما يذهب الحبل قوة قوة".
وأخرجه الدارمي (97) أخبرنا أبو المغيرة، حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن عبد الله بن الديلمي، قال بلغني:
"أن أول ذهاب الدين ترك السنة يذهب الدين سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة".
وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" 5/ 144، ومن طريقه ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص 14) من طريق محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن عبد الله بن محيريز قوله.
وهذا إسناد ضعيف، محمد بن كثير الصنعاني: صدوق كثير الغلط كما في "التقريب".
2 - أخرجه أحمد في "الزهد" (1003)، وابن أبي شيبة 13/ 381، والخلال في "السنة" (1292)، والدولابي في "الكنى" (1420)، والطبري في "تهذيب الآثار" (1006) – مسند ابن عباس، والحاكم 4/ 469، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (8) و (716) و (1260)، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 281، وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (153) تاما ومختصرا من طريق عكرمة بن عمار، عن أبي عبد الله الفلسطيني، حدثني عبد العزيز بن أخي حذيفة، عن حذيفة رضي الله عنه، قال:
 
"أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ولتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، وليصلين النساء وهن حيض، ولتسلكن طريق من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، وحذو النعل بالنعل، لا تخطئون طريقهم، ولا يخطأنكم حتى تبقى فرقتان من فرق كثيرة فتقول إحداهما: ما بال الصلوات الخمس، لقد ضل من كان قبلنا إنما قال الله تبارك وتعالى: ﴿أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل﴾ لا تصلوا إلا ثلاثا، وتقول الأخرى: إيمان المؤمنين بالله كإيمان الملائكة ما فينا كافر ولا منافق، حق على الله أن يحشرهما مع الدجال" والسياق للحاكم، وقال:
"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه " وأقره الذهبي!
قلت: أنّى لإسناده الصحة، عبد العزيز بن أخي حذيفة: مستور الحال.
وأبو عبد الله الفلسطيني هو حميد بن زياد اليمامي وهو مجهول، قال ابن حبان في "الثقات" 6/ 191:
"حميد بن زياد اليمامي يروي عن عبد العزيز بن اليمان أخي حذيفة عن حذيفة (لتركبن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل) رواه موسى بن إسماعيل عن أبي عبد الله صاحب الصدقة عن حميد".
وقال أبو نعيم في "معرفة الصحابة" 4/ 1881:
"عبد العزيز بن اليمان أخو حذيفة، ذكره بعض المتأخرين، وهو وهم، وصوابه عبد العزيز بن أخي حذيفة بن اليمان".
وعكرمة بن عمار صدوق يغلط.
وأخرجه الداني في "السنن الواردة في الفتن" (271) من طريق ليث بن أبي سليم، عن ابن حصين، عن أبي عبد الله الفلسطيني، قال: سمعت حذيفة به.
وأخرجه أيضا (273) من طريق الأوزاعي، عن رجل من أهل الحجاز، عن الصنابحي، عن حذيفة.
وأخرجه أبو داود في "الزهد" (275)، والطبري في "تهذيب الآثار" (1007) من طريق يزيد بن الوليد، عن رجل من أهل الشام، عن عمه، عن حذيفة.
وعند أبي داود (عن عمر) بدل (عن عمه).
وأخرجه الآجري في "الشريعة" (35)، وعنه الداني في "السنن الواردة في الفتن" (225) و (274) حدثنا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي، قال: حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا يونس بن يزيد، عن الزهري، عن الصنابحي، عن حذيفة بن اليمان، قال:
"لتتبعن أثر من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، لا تخطئون طريقتهم ولا تخطئنكم، ولتنقضن عرى الإسلام عروة فعروة، ويكون أول نقضها الخشوع حتى لا يرى خاشعا، وحتى يقول أقوام: ذهب النفاق من أمة محمد فما بال الصلوات الخمس؟ 
لقد ضل من كان قبلنا حتى ما يصلون بينهم أولئك المكذبون بالقدر، وهم أسباب الدجال، وحق على الله أن يلحقهم بالدجال".
وإسناده فيه ضعف من أجل عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين: صدوق ربما أخطأ، قال أبو حاتم: كان كاتب ديوان، ولم يكن صاحب حديث كما في "التقريب".
وقال الذهبي:
"وثقه أحمد، وضعفه دحيم".
 وباقي رجاله ثقات، اسحاق بن أبي حسان الأنماطي البغدادي، وثقه الدارقطني، وهو أمثل إسناد عن حذيفة، وله حكم الرفع لأنه مما لا يُقال بالرأي.


كتبه الفقير إلى الله تعالى
أبو سامي العبدان
10 - شهر الله المحرم - 1437 هجري



الخميس، 22 أكتوبر 2015

تخريج حديث إن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً، وسيخرجون منه أفواجاً




"إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا، وسيخرجون منه أفواجا".

حسن - أخرجه أحمد 3/ 343، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" كما في "تخريج الكشاف" للزيلعي 4/ 314، والثعلبي في "تفسيره" 10/ 320، والداني في "السنن الواردة في الفتن" (420)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (137) من طريق الأوزاعي، حدثني أبو عمار، حدثني جار لجابر بن عبد الله، قال: قدمت من سفر فجاءني جابر بن عبد الله يسلم علي، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس، وما أحدثوا، فجعل جابر يبكي، ثم قال: سمعت رسول الله يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير جار جابر فلا يعرف، وأما أبو عمار
فهو شداد بن عبد الله.
وقال الهيثمي 7/ 281:
"رواه أحمد وجار جابر لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح".
وأخرجه الدارمي (90)، والداني في "السنن الواردة في الفتن" (417) عن القاسم بن كثير، والحاكم 4/ 496 من طريق عبد الله بن وهب، كلاهما عن عبد الرحمن بن شريح، يحدث عن أبي الأسود القرشي، عن أبي فروة مولى أبي جهل، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: تلا رسول الله :
﴿إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا﴾، فقال رسول الله : ليخرجن منه أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" وأقره الذهبي!
قلت: إسناد رجاله ثقات سوى أبي قرة مولى أبي جهل، لم يرو عنه غير أبي الأسود، ولقد تحرّف اسمه عند كل مَنْ رواه عنه.
وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 9/ 428:
 "أبو قرة مولى ابن أبي جهل روى عن أبي هريرة روى عنه أبو الاسود محمد ابن عبد الرحمن يتيم عروة سمعت أبي يقول ذلك".
فهو مجهول الحال، والحديث يحتمل التحسين إذا انضم له حديث جابر، وقد رواه ابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (183) قال مالك: وبلغني أن أبا هريرة: تلا ﴿إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا﴾، ثم قال: والذي نفسي بيده، إن الناس ليخرجون اليوم من دين الله أفواجا كما دخلوا فيه أفواجا".
وهذا إسناد معضل.

كتبه الفقير إلى الله تعالى
أبو سامي العبدان
حسن التمام


مشروعية رفع اليدين في تكبيرات الجنازة ...

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد:
فقد جاء في كتاب "أحكام الجنائز" للعلّامة المحدّث ناصر الدين الألباني
تحت الفقرة (75) قوله رحمه الله تعالى: " ويشرع له – أي: المصلي على الجنازة - أن يرفع يديه في التكبيرة الأولى، وفيه حديثان:
الأول: عن أبي هريرة: " أن رسول الله ﷺ كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة، ووضع اليمنى على اليسرى ".
أخرجه الترمذي (2/ 165)، والدارقطني (192)، والبيهقي (284)، وأبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (ص 262) بسند ضعيف، لكن يشهد له الحديث الاتي وهو:
الثاني: عن عبد الله بن عباس " أن رسول الله كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة، ثم لا يعود ".
أخرجه الدارقطني بسند رجاله ثقات غير الفضل بن السكن فإنه مجهول، وسكت عنه ابن التركماني في " الجوهر النقي " (4/ 44)! ثم قال الترمذي عقب الحديث الأول: هذا حديث غريب، واختلف أهل العلم في هذا، فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال بعض أهل العلم: لا يرفع يديه إلا في أول مرة، وهو قول الثوري وأهل الكوفة، وذكر عن ابن المبارك أنه قال في الصلاة على الجنازة: لا يقبض بيمينه على شماله، ورأي بعض أهل العلم أن يقبض على شماله كما يفعل في الصلاة ".
وفي المجموع " للنووي (5/ 232): " قال ابن المنذري في كتابه " الاشراف والاجماع ": أجمعوا على أنه يرفع في أول تكبيرة، واختلفوا في سائرها ". انتهى كلامه طيّب الله ثراه.
وكنت آخذ بهذا القول زمنا، ثم لمّا تبيّن لي ضعف هذين الحديثين مع ثبوت أثرين عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، ولاسيما أنه لا يُعلم لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهما، ولأنهما رافقا النبي ﷺ، فسمعا أقواله وأفعاله وتقريراته وأحكامه، فكانا بذلك أعرف الناس به، وهما من أكثر الناس إخـلاصا وحرصا علي الخير فالأخذ بقولهما أولى من الأخذ بقول غيرهما، ولا يوجد ما ينفي مشروعية الرفع فثبت لي مشروعية الرفع في كل تكبيرات الجنازة، وهذا بحث قمتُ بإعداده لمناقشة الأدلة والله الموفق:


الحديث الأول:

عن أبي هريرة: "أن رسول الله ﷺ كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى".

ضعيف - أخرجه الترمذي (1077)، والدارقطني 2/ 438، وابن البختري في "فوائده" (541)، والبيهقي 4/ 38 من طريقين عن إسماعيل بن أبان الوراق، عن يحيى بن يعلى، عن أبي فروة يزيد بن سنان، عن زيد وهو ابن أبي أنيسة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة به.
وقال الترمذي:
" هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، واختلف أهل العلم في هذا فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة على الجنازة وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم لا يرفع يديه إلا في أول مرة وهو قول الثوري وأهل الكوفة وذكر عن ابن المبارك أنه قال في الصلاة على الجنازة لا يقبض يمينه على شماله ورأى بعض أهل العلم أن يقبض بيمينه على شماله كما يفعل في الصلاة قال أبو عيسى يقبض أحب إلي".
وأعله ابن القطان بأبي فروة يزيد بن سنان.
وأخرجه أبو يعلى (5858)، والدارقطني 2/ 438، وأبو الفضل الزهري في "حديثه" (688) من طرق عن الحسن بن حماد سجادة، حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، حدثنا يزيد بن سنان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة:
" أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فوضع يده اليمنى على يده اليسرى".
قلت: فلم يذكر الحسنُ بنُ حمّاد ( زيدَ بنَ أبي أنيسة ) فخالف اسماعيلَ بن أبان، والراجح رواية إسماعيل بن أبان فإنه ثقة، وأما الحسن بن حماد فإنه صدوق، وقد يكون هذا الاضطراب في إسناده ممن فوقهما وهما يزيد بن سنان، ويحي بن يعلى فكلاهما ضعيف.
وقد أخرجه الخطيب البغدادي في "تلخيص المتشابه في الرسم" 1/ 525 من ابن كاسب، حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا يحيى بن يعلى أبو المحياة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة:
 "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر على الجنازة رفع يديه أول تكبيرة، ثم يضع يمينه على شماله حتى يفرغ".
وقال الخطيب:
" هكذا قال: عن يحيى بن يعلى، عن الزهري، ولم يسمع يحيى من الزهري، وقد رواه الحسن بن حماد سجادة، عن يحيى بن يعلى، عن يزيد بن سنان، عن زيد بن أبي أنيسة عن الزهري، وقد رواه جماعة، عن يحيى، عن أبي فروة يزيد بن سنان، عن زيد بن أبي أنيسة، عن الزهري، ورواه الحسين بن عيسى البسطامي، عن إسماعيل بن أبان، عن يحيى بن يعلى، عن يونس بن خباب، عن الزهري، وزاد في المتن، قال: وقرأ بفاتحة الكتاب، وقوله: ثم يضع يمينه على شماله، لم نكتبه إلا من هذا الوجه وفيه نظر".
قلت: وهذه الروايات التي ذكرها الخطيب تُخالف ما تقدم في روايات الحديث المتقدمة، فقد جعل رواية الحسن بن حماد مطابقة لرواية اسماعيل بن أبان، ثم ذكر رواية الحسين بن عيسى البسطامي عن اسماعيل بن أبان عن يحي بن يعلى عن يونس بن خباب عن الزهري وزاد فيه قراءة سورة الفاتحة، فصار يونس بن خباب بدل يزيد بن سنان وسقط منه ابن أبي أنيسة، فثبت أن الاضطراب فيه من يحي بن يعلى.
فقد قال البخاري: "مضطرب الحديث".
وقال البزار: "يغلط في الأسانيد".


الحديث الثاني

عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله ﷺ كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة، ثم لا يعود".

ضعيف – أخرجه والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 449، والدارقطني
 2/ 438 من طريق الفضل بن السكن، حدثني هشام بن يوسف عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس به.
وهذا إسناد ضعيف من أجل الفضل بن السكن فإنه مجهول، وقد خالفه ابراهيم بن موسى الفراء (وهو ثقة حافظ) فرواه عن هشام بن يوسف عن معمر عن بعض أصحابه:
"أن ابن عباس كان يرفع يديه في التكبيرة الأولى ثم لا يرفع بعد".
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" 3/ 449.
وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (6362)، والعقيلي في "الضعفاء" 3/ 449 عن معمر عن بعض أصحابنا به.
قلت: وحتى هذا الموقوف لا يثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، ففيه مَنْ
 أبهم، بل ذكر الحافظ ثبوت الرفع عنه، فقد قال في "التلخيص" 2/ 291: "وقد صح عن ابن عباس أنه كان يرفع يديه في تكبيرات الجنازة، ورواه سعيد ابن منصور".
وقد ثبت أيضا رفع اليدين في كل تكبيرات الجنازة عن ابن عمر رضي الله عنهما:
أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 296، والبخاري في "جزء رفع اليدين" (106)، وابن المنذر في "الأوسط" (3130)، والبيهقي 4/ 44 عن عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر:
"أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، ينضم إلى أثر ابن عباس رضي الله عنهما، والعمل بقول الصحابي إذا لم يخالف نصا من الشرع أولى من غيره لاسيما أنه لا يُعلم لهما مخالف من الصحابة رضي الله عنهما، ولأنهما رافقا النبي ﷺ، فسمعا أقواله وأفعاله وتقريراته وأحكامه، فكانا بذلك أعرف الناس به، وهما من أكثر الناس إخـلاصا وحرصا على الخير فالأخذ بقولهما أولى من الأخذ بقول غيرهما، وأضف إلي ذلك أن ابن عمر رضي الله عنهما له مزية خاصة لما عـرف عنه من شدة التحري في اتباع السنة كما هو معروف عنه عند علماء الحديث خاصة وغيرهم من الفقهاء، بل إنه كان يتابع النبي ﷺ في الأمور الجبلية التي لا شأن لها بالعبادات كما هو معروف عنه رضي الله عنه، فقد جاء أن رسول الله ﷺ نزل بين عرفات والمزدلفة في الشعب فبال، فكان ابن عمر إذا جاء إلى ذلك المكان ينزل ويبول، فقالوا له: يا ابن عمر! هذه ليست عبادة، لأن الرسول ﷺ ما فعل هذا ليتأسى الناس به، فإذا كان إنسان ليس به بول وليس هناك حاجة داعية لأن يأتي ويبول بالقوة! فقال: الرسول فعل هذا، أي: أنا أتبعه.
قلت: هذه شدة رغبة منه رضي الله عنه في اتباع نبيه الله ﷺ، فهل يصح أن يُقال بعد هذا أنه فعل ذلك باجتهاد منه، اللهم لا، ولا يصح أن يُنسب مثل هذا إلى هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه، فالراجح أن ابن عمر رأى النبي ﷺ يرفع يديه في تكبيرات الجنازة فتأسى به.
وقد نقل الترمذي في "سننه" كما تقدم أن هذا رأي أكثر أصحاب النبي ﷺ وغيرهم كانوا يقولون برفع الرجل يديه في تكبيره على الجنازة، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، فلَاح لك قوة الأخذ بهذه السنة، لكن بقي عليّ شيء وجب بيانه وهو ما الذي منع الشيخ الألباني رحمه الله تعالى العمل بهذه السنة؟!
الجواب هو أنه رحمه الله تعالى كان يحسّن حديث أبي هريرة "أن رسول الله ﷺ كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ووضع اليمنى على اليسرى".
وقد عرفتَ أنه حديث ضعيف غير صالح للاحتجاج به.
وقال الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز":
"نعم روي البيهقي بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه على كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة، فمن كان يظن أنه لا يفعل ذلك إلا بتوقيف من النبي صلي الله عليه وسلم فله أن يرفع".
قلت: فتوجه المصير إلى الأخذ بأثرَي ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، فإن الاقتداء بهما في رفع اليدين أولى من عدم الرفع.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
 "السنة رفع اليدين مع التكبيرات الأربع كلها، لما ثبت عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يرفعان مع التكبيرات كلها، ورواه الدارقطني [[1]] مرفوعا من حديث ابن عمر بسند جيد" انتهى من " مجموع الفتاوى " 13/148.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
"الصواب أن رفع اليدين في تكبيرة الجنازة سنة في كل التكبيرات، كما جاء ذلك صريحا عن ابن عمر، ومثل هذا من الأمور التوقيفية التي لا تكون إلا عن نص، بل جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة ..." انتهى من "دروس وفتاوى".
وقال الشيخ ابن عثيمين معلقا على قول صاحب "زاد المستقنع":
 (ويرفع يديه مع كل تكبيرة) " ويرفع " الضمير يعود على المصلي، أي: يرفع يديه مع كل تكبيرة على صفة ما يرفعهما في صلاة الفريضة، أي: يرفعهما حتى يكونا حذو منكبيه، أو حذو فروع أذنيه، وقوله: " مع كل تكبيرة " هذا هو القول الصحيح والدليل على ذلك ما يلي:
1 - ورود السنة بذلك، بسند جيد، كما قال الشيخ عبد العزيز بن باز ـ حفظه الله، وأعله الدارقطني بعمر بن شبة، لكن قال الشيخ عبد العزيز: إن عمر ثقة، والزيادة من الثقة عند علماء الحديث مقبولة، إذا لم تكن منافية وهنا لا تنافي، لأن المسكوت عنه ليس كالمنطوق، ولا منافاة إلا إذا تعارض منطوقان، أما إذا كان أحدهما ناطقا والثاني ساكتا فلا معارضة، لأن عدم النقل ليس نقلا للعدم.
2 - أنه صح عن ابن عمر رضي الله عنهما موقوفا، وله حكم الرفع، لأن مثله لا يثبت بالاجتهاد.
ولو قيل: لعل ابن عمر ـرضي الله عنهما قاس ذلك على غيرها من الصلوات؟
فالجواب: أن الصلوات الأخرى ليس فيها رفع في كل تكبيرة، كما ثبت ذلك من حديث ابن عمر نفسه.
3 - أن المعنى يقتضيه لأنه إذا حرك يديه اجتمع في الانتقال من التكبيرة الأولى قول وفعل، كسائر الصلوات، فإن الصلوات يكون مع القول فعل إما ركوع، أو سجود، أو قيام، أو قعود، فكان من المناسب أن يكون مع القول فعل، ولا فعل هنا يناسب إلا رفع اليدين، لأن الركوع والسجود متعذران فيبقى رفع اليدين.
وحينئذٍ يكون رفع اليدين في كل تكبيرة مؤيدا بالأثر، والنظر.
وقوله: " مع كل تكبيرة " سبق في كتاب الصلاة أنه إن شاء ابتدأ رفع اليدين مع ابتداء التكبير، وإن شاء إذا كبر رفع، وإن شاء رفع ثم كبر ".

كتبه أحوج الناس لعفو ربه
أبو سامي العبدان
حسن التمام
التاسع من رمضان 1436 من هجرة النبي ﷺ







[1] - يشير الشيخان رحمهما الله تعالى إلى ما أخرجه الدارقطني في "العلل" من طريق عُمر بن شبة، قال: حَدَّثَنا يزيد بن هارون، قال: أَخبرَنا يَحيَى بن سَعيد، عَن نافع، عَن ابن عُمر، أَن النَّبي ﷺ كان إِذا صلى على جِنازة رفع يديه في كل تكبيرة، وإِذا انصرف سلم".
وقد سُئل عنه الدارقطني في "العلل" فقال: " يَرويه يَحيَى بن سَعيد الأَنصاري، واختُلِفَ عنه
فرواه عُمر بن شبة، عن يزيد بن هارون، عن يَحيَى بن سَعيد، عَن نافع، عَن ابن عُمر، عن النَّبي ﷺ.
وخالفه جماعة، رَوَوه عن يزيد بن هارون، مَوقوفًا.
وكذلك رَواه عَبد الرَّحمَن بن اليمان شيخ يروي عنه الأَوزاعي، وأَبو شهاب الحناط، وغيرهما، عَن نافع عَن ابن عُمر مَوقوفًا وهو الصواب ... وقال: وكذلك رواه أبو حمزة السكري،
وعياش بن عباس، عن يحيى بن سعيد موقوفا ".

ضعف حديث خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي



"خير الذكر الخفي وخير الرزق ما يكفي".

ضعيف - أخرجه أحمد 1/ 172، وفي "الزهد" (55)، وابن أبي شيبة 10/ 375 و 13/ 240، وإسحاق بن راهويه كما في "المطالب العالية" (3282)، وأبو يعلى (731)، والبيهقي في "الشعب" (549)، وابن عبد البر في "جامع العلم وفضله" (1349) عن وكيع ( وهو عنده في "الزهد" (118) و (339) )، والمعافي بن عمران في "الزهد" (60)، وأحمد 1/ 180، وإبراهيم الحربي في "غريب الحديث" 2/ 845، وابن الأعرابي في "الزهد" (94)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1218)، والبيهقي في "الشعب" (9884) عن يحيى بن سعيد، وأحمد 1/ 187، وعبد بن حميد (137) – المنتخب، وابن الأعرابي في "الزهد" (95)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1219)، والبيهقي في "الشعب" (548) عن عثمان بن عمر  والشاشي (183)، وابن حبان (809) من طريق ابن وهب، وابن الأعرابي في "الزهد" (95) من طريق عبد المجيد بن جعفر، ستتهم عن أسامة بن زيد، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة، أن سعد بن مالك، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: فذكره.
وإسناده ضعيف، فيه ثلاث علل :
الأولى: الانقطاع فإن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة لم يدرك سعدًا .
الثانية: محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة: ضعيف كثير الإرسال كما في "التقريب".
والثالثة: أسامة وهو ابن زيد الليثي: صدوق يهم كما في "التقريب"، وقد اضطرب في إسناده:
فأخرجه نعيم بن حماد في "الفتن" (402) عن ابن المبارك، وأخرجه الدورقي في "مسند سعد" (74)، وابن السني في "القناعة" (28) عن عبيد الله بن موسى، كلاهما (ابن المبارك، وعبيد الله بن موسى) عن أسامة بن زيد، أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة، أخبره أن عمر بن سعد ذهب إلى أبيه سعد...فذكر قصة، ثم ذكر الحديث.
وأخرجه ابن السني في "القناعة" (29)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1220) من طريق عيسى بن يونس، عن أسامة بن زيد، عن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة، قال: قال عمر بن سعد قال: قلت لأبي: يا أبتاه، أنت من أهل بدر، وأنت ممن اختار عمر للشورى، ولم يبق من أصحاب بدر غيرك، فلو أبرزت شخصك لم يختلف عليك رجلان فقال: أجلس، حتى إذا لم يبق من أجلي إلا ظمئي دابة أخرج فأضرب الناس بعضهم ببعض؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
وأخرجه أحمد 1/ 172 و 180 حدثنا علي بن إسحاق، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" (172)، والبيهقي في "الشعب" (550) من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني، كلاهما عن ابن المبارك، عن أسامة بن زيد، قال: أخبرني محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان: أن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة، عن سعد بن أبي وقاص به.
وأخرجه الطبراني في "الدعاء" (1883) من طريق يحيى الحماني، حدثنا عبد الله بن المبارك، عن أسامة بن زيد، قال: أخبرني محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، أن محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة، أخبره أن عمر بن سعد أخبره أنه سمع أباه: فذكره.

حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام