words' theme=''/>

ندعو إلى التمسك بالمنهج الصحيح المتكامل لفهم الإسلام الصحيح والعمل به، والدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، لنعود بك إلى الصدر الأول على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم من القرون الفاضلة إلى يوم الدين ...أبو سامي العبدان

الخميس، 28 يناير 2016

حديث افتراق الأمة رواية ودراية



"افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعين في النار، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وإحدى وسبعين في النار، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وثنتين وسبعين في النار، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: هم الجماعة".

صحيح - جاء من حديث عوف بن مالك، ومعاوية بن أبي سفيان، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وأبي أمامة، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن عوف المازني، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي الدرداء، وواثلة بن الاسقع، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن مسعود، وعلي:

أما حديث عوف بن مالك:
فأخرجه ابن ماجه (3992)، وابن أبي عاصم في " السنة " (63)، والطبراني 18/ (129)، وفي "مسند الشاميين" (988)، واللالكائي في" شرح السنة " 1/ 101 من طريق عباد بن يوسف حدثني صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد، عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله : فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات سوى عباد بن يوسف الكندي وهو حسن الحديث.
قال الذهبي في "الميزان" 2/380:
 "وثقه ابن ماجه وابن أبي عاصم!".
ووثقه ابراهيم بن العلاء كما في "تهذيب الكمال 18/140 وذكره ابن حبان في "الثقات " 8 / 435.
 وقال الذهبي في "الكاشف" (2582):
"صدوق يغرب".

وأما حديث معاوية بن أبي سفيان:
فأخرجه أحمد 4/ 102، وعنه أبو داود ( 4597)، والدارمي (2518)، والحاكم 1/ 128، والطبراني (884) و(885)، وفي "مسند الشاميين" (1005) و (1006)، والآجري في "الشريعة" (29)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" 1/ 370 ، 371 ، وابن أبي عاصم في "السنة"(1) و (2) و (65) و (69)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" 1/ 101-102، والمروزي في "السنة" (ص 14-15)، والبيهقي في "الدلائل" 6/ 541-542 من طرق عن صفوان قال: حدثني أزهر بن عبد الله الهوزني، عن أبي عامر عبد الله بن لحي، قال: "حججنا مع معاوية بن أبي سفيان، فلما قدمنا مكة قام حين صلى صلاة العصر، فقال إن رسول الله قال: إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الامة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني: الأهواء - كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله.  والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم ، لغيركم من الناس أحرى ألا يقوم به" والسياق لأحمد.
 وقال الحاكم:
"هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث" وأقره الذهبي.
وقال الحافظ في "تخريج أحاديث الكشاف" (ص 63):
"إسناده حسن".
قلت: وهو كما قال فإن رجال إسناده ثقات سوى أزهر الهوزني فهو حسن الحديث.
قال الذهبي في "الميزان":
"تابعي حسن الحديث، لكنه ناصبي".
 وقال الحافظ في ترجمته من "التقريب":
"صدوق من السادسة غلط من عده في الصحابة".
وأما حديث أنس بن مالك:
فأخرجه ابن ماجه (3993)، وابن أبي عاصم في "السنة" (64) وعنه الضياء في "المختارة" 7/ 90 عن هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا أبو عمرو، حدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله :
"إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة".
وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة " (4041):
 "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات!".
قلت: في إسناده ضعف، لأجل هشام بن عمار.
  قال الذهبي:
"الحافظ، خطيب دمشق وعالمها".
 وقال الحافظ:
"صدوق مقرئ كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح".
ولم يتفرد به فقد توبع عليه:
أخرجه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث " (ص 24)، والصفدي في "الوفيات" 1/ 233 من طريق أحمد بن محمد بن هاشم البعلبكي، حدثنا عبد الملك بن الأصبغ البعلبكي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي به.
 قلت: عبد الملك بن الأصبغ، ذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه جرحا، وقال: إن أباه روى عنه.
وقال أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه": حدثني عبد الملك بن الأصبغ وكان ثقة، وقال: روى عنه أيضا أبو بكر بن أبي داود كذا في "لسان الميزان" 4/ 57
وأحمد بن محمد بن هاشم البعلبكي، شيخ الطبراني، ترجم له ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 3/ 287 -المختصر بقوله:
"حدث عن أبيه".
 ثم ذكر له حديثا، وقد تابعه أبو داود:
أخرجه أبو محمد الدمشقي في "كتاب المعجم" (418) أخبرنا أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي ببغداد قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن علي البسري البندار قراءة عليه: حدثنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد بن أبي مسلم الفرضي: حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن إبراهيم بن العباس الصولي النديم: حدثنا أبو داود سليمان ابن الأشعث: حدثنا عبد الملك بن الأصبغ البعلبكي به.
قلت: وهذا إسناد جيد، أبو منصور الجواليقي، له ترجمة طويلة في "وفيات الأعيان" ومنها، قوله:
"متدين ثقة غزير الفضل وافر العقل".
 وأبو القاسم البسري ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد" 11/ 333، بقوله: "كتبت عنه وكان صدوقا".
وعبيد لله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي مسلم الفرضي المقرئ البغدادي: أحد شيوخ العراق السائر ذكرهم كما في "طبقات الشافعية الكبرى " 5 / 233.
والصولي أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله العلامة، الأديب، ذو الفنون، صاحب التصانيف كما في "السير" 15/ 301 للذهبي.
وسليمان بن الأشعث: هو الإمام أبو داود صاحب السنن.
متابعة أخرى لهشام بن عمار:
أخرجها الضياء في "المختارة" 7/89 من طريق موسى بن عامر بن خريم، حدثنا الوليد بن مسلم به.
وهذه متابعة حسنة، موسى بن عامر بن خريم أبو عامر، قال فيه الذهبي:
 "ثقة مكثر عن الوليد".
وقال الحافظ:
 "صدوق له أوهام".

وجاء مرسلا:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (18675) عن معمر، عن قتادة، قال:
 "سأل النبي عبد الله بن سلام على كم تفرقت بنو إسرائيل؟ فقال: على واحدة، أو اثنتين وسبعين فرقة.
قال: وأمتي أيضا ستفترق مثلهم، أو يزيدون واحدة، كلها في النار إلا واحدة".
وللحديث طرق أخرى عن أنس:
وهي الثانية:
قال أحمد 3/ 120 حدثنا وكيع، عن عبد العزيز يعني الماجشون، عن صدقة ابن يسار، عن النميري، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله :
"إن بني إسرائيل افترقت على ثنتين وسبعين فرقة، وأنتم تفترقون على مثلها، كلها في النار إلا فرقة".
وإسناده ضعيف، فيه النميري وهو زياد بن عبد الله البصري.
قال الذهبي:
"ضعيف، وقد وثق".
وقال الحافظ:
 "ضعيف".
الطريق الثالثة:
أخرجه محمد بن نصر المروزي في "السنة" (53)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (148)، وأبو نعيم في "الحلية" 52/3- 53، وأبو يعلى (4127)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" 1/ 419 مطولا ومختصرا من طريقين عن يزيد الرقاشي، حدثني أنس بن مالك قال: قال رسول الله :
"إن بني إسرائيل تفرقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار، إلا فرقة واحدة، قال: وهي الجماعة".
وهذا إسناد ضعيف، لأجل يزيد الرقاشي فإنه: ضعيف زاهد.
وجاء عنه من طريق أخرى وفيها نكارة:
أخرجه الخطيب في "الفقيه والمتفقه" 1/ 419 من طريق عمرو بن الحارث: أن عبد الله بن غزوان الحمصي، حدثه: أن عمرو بن سعد مولى غفار حدثه أن يزيد الرقاشي حدثه أن أنس بن مالك حدثه قال: قال رسول الله :
 "إن بني إسرائيل تفرقت على واحدة وثمانين ملة، وستفترق أمتي على اثنتين وثمانين ملة، كلها في النار غير ملة واحدة".
 قالوا: وأية ملة هي يا رسول الله؟ قال: الجماعة".
وقال الخطيب:
 "ومن روى إحدى وسبعين ملة أكثر".
وجاء مرسلا:
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (18674) عن معمر، قال: سمعت يزيد الرقاشي، يقول: بينا النبي جالس مع أصحابه: فذكره مطولا.

الطريق الرابعة:
قال أحمد 3/ 145 حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن أنس بن مالك، أن رسول الله ، قال:
"إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة، فهلكت سبعون فرقة، وخلصت فرقة واحدة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، تهلك إحدى وسبعون فرقة، وتخلص فرقة قالوا: يا رسول الله، من تلك الفرقة؟ قال: الجماعة الجماعة".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، فيه علتان:
الأولى: ضعف ابن لهيعة: فإنه صدوق خلط بعد احتراق كتبه.
والثانية: سعيد بن أبي هلال الليثي مولاهم، أبو العلاء المصري، مولى عروة بن شييم الليثي، روايته عن أنس مرسلة كما في "تهذيب الكمال" 11/ 95.


الطريق الخامسة:
أخرجه الآجري في "الشريعة" (25)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" 1/ 371 من طريق أبي معشر، عن يعقوب بن زيد بن طلحة، عن زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه ذكر حديثا طويلا قال فيه: وحدثهم رسول الله عن الأمم فقال:
"تفرقت أمة موسى عليه السلام على إحدى وسبعين ملة، سبعون منها في النار وواحدة في الجنة، وتفرقت أمة عيسى عليه السلام على اثنتين وسبعين ملة، إحدى وسبعون منها في النار وواحدة في الجنة"، وقال رسول الله :
 "وتعلو أمتي على الفرقتين جميعا بملة واحدة، اثنتان وسبعون منها في النار، وواحدة في الجنة"، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: الجماعة".
قلت: وهذ إسناد ضعيف، فيه أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي: ضعيف أسن واختلط.
الطريق السادسة:
قال الآجري في "الشريعة" (26) أخبرنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي قال: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال: حدثنا شبابة يعني ابن سوار قال: أخبرنا سليمان بن طريف، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله :
 "يا ابن سلام، على كم تفرقت بنو إسرائيل؟، قال: على واحدة وسبعين أو اثنتين وسبعين فرقة، كلهم يشهد على بعض بالضلالة، قالوا: أفلا تخبرنا لو قد خرجت من الدنيا فتفرق أمتك، على ما يصير أمرهم؟ قال نبي الله : بلى، إن بني إسرائيل تفرقوا على ما قلت، وستفترق أمتي على ما افترقت عليه بنو إسرائيل، وستزيد فرقة واحدة لم تكن في بني إسرائيل". وذكر الحديث
قلت: وهذا الحديث إسناد رجاله ثقات سوى سليمان بن طريف وهو أبو عاتكة ويقال سلمان بن طريف، وطريف بن سلمان، ذكروه ضمن الرواة عن أنس، وهو ضعيف كما في "التقريب".
وقال ابن بطة في "الابانة الكبرى" 1/ 373 حدثنا أحمد بن سلمان، قال: حدثنا الحسن بن مكرم، قال: حدثنا شبابة بن سوار به.

الطريق السابعة:
أخرجه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث"(ص 24) من طريق بشر بن الحسين، قال: حدثنا الزبير بن عدي، عن أنس، أن رسول الله ، قال:
"افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة".
وهذا إسناد تالف لأجل بشر بن الحسين، قال الذهبي في ترجمته من "الميزان" 1/ 315:
"صاحب الزبير بن عدي، قال البخاري: فيه نظر.
وقال الدارقطني: متروك.
 وقال ابن عدي: عامة حديثه ليس بمحفوظ.
وقال أبو حاتم: يكذب على الزبير ...
قال ابن حبان: يروي بشر بن الحسين عن الزبير نسخة موضوعة شبيها بمائة وخمسين حديثا".

الطريق الثامنة:
أخرجه أبو يعلى (3938) و (3944)، والآجري في "الشريعة" (27)،
 وابن بطة في "الابانة الكبرى" 1/ 373 من طريق مبارك بن سحيم، عن
عبد العزيز بن صهيب، عن أنس عن النبي ، قال:
 "افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا السواد الأعظم".
 وإسناده ضعيف جدا، فإن مبارك بن سحيم: متروك.

الطريق التاسعة:
أخرجه ابن عدي في "الكامل" 3/ 516 من طريق خلف بن ياسين الزيات، حدثنا الأبرد بن الأشرس، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله :
" تفترق أمتي على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا، ومن هم يا رسول الله قال الزنادقة وهم أهل القدر".
وقال ابن عدي:
"ولم أر لخلف بن ياسين هذا غير هذا الحديث، وإن كان له غيره فليس له إلا دون خمسة أحاديث ورواياته عن مجهولين والأبرد بن الأشرس ليس بالمعروف". 
قلت: ولوائح الوضع ظاهرة عليه، والأبرد بن الأشرس، ذكره الذهبي في
 "المغني في الضعفاء"(224) بقوله:
"أبرد بن أشرس عن يحيى بن سعيد المدني، قال ابن خزيمة كذاب وضاع".
والحديث صحيح عن أنس بمجموع هذه الطرق باستثناء الطرق الثلاثة الاخيرة فإنها واهية جدا لاسيما الأخيرة فإنها موضوعة والله أعلم.

وأما حديث أبي هريرة:
فأخرجه أبو داود (4596)، والترمذي (2640)، وابن ماجه (3991)، وأحمد 2/ 332، وأبو يعلى (5910) و (5978) و (6117)، والمروزي في "السنة" (58)، وابن حبان (6247) و (6731)، وابن أبى عاصم في "السنة" (66)، والآجري في "الشريعة" (22)، والحاكم 1/ 6 و 128، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (273)، والبيهقي 10/ 208 من طرق عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله :
 "افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة".
وقال الترمذي:
"حديث حسن صحيح".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" وأقره الذهبي.
وقال الحاكم:
"وقد احتج مسلم بمحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة ".
فتعقبه الذهبي بقوله:
 "ما احتج مسلم بمحمد بن عمرو منفردا بل بانضمامه إلى غيره".
قلت: ومحمد بن عمرو هو ابن علقمة بن وقاص الليثي، قال أبو حاتم:
 "صالح الحديث، يكتب حديثه، وهو شيخ".
 وقال النسائي: ليس به بأ
س"، وقال مرة: "ثقة".
 وتكلم فيه ابن معين، والجوزجاني.
وقال الذهبي في "الميزان":
"شيخ مشهور حسن الحديث".
وقال الحافظ في "التقريب":
 "صدوق، له أوهام".

وأما حديث أبي أمامة:
فأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" 7/ 554، وعنه ابن أبي عاصم في "السنة" (68)، والحارث 2/716-بغية الباحث، والطبراني (8051) و(8052) و(8053) و(8054)، وفي "الأوسط" (9085)، والمروزي في "السنة"
 (ص 56)، والبيهقي 8/ 188، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" 3/623-624، واللالكاني في "شرح أصول الاعتقاد" (151) و (152)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" 2/339 من طرق عن أبي غالب، عن أبي أمامة، قال:
"افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، أو قال: اثنتين وسبعين فرقة، وتزيد هذه الأمة فرقة واحدة، كلها في النار إلا السواد الأعظم".
 فقال له رجل: يا أبا أمامة من رأيك أو سمعته من رسول الله ؟ قال: إني إذا لجريء، بل سمعته من رسول الله غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثة".
وفي رواية أبي نعيم:
"قالوا: يا أبا أمامة، أليس في السواد الأعظم ما فيه؟ قال: والله إنا لنكره ما يعملون".
وقال أبو نعيم:
"حدث بهذا الحديث عنه الحمادان، ومعمر، وسفيان بن عيينة، ومبارك بن فضالة، والربيع بن صبيح، وأشعث بن عبد الملك، وسلام بن مسكين، وأبو مري قطري بن عبد الله الحداني، وعمران بن مسلم، وحميد بن مهران، وعمر ابن أبي خليفة، وعبد الله بن شوذب، وداود بن سليك، وسلم بن زرير، وخليد ابن دعلج، والحسين بن واقد منهم من طوله ومنهم من اختصره".
قلت: أبو غالب هو حزور الأصبهاني صاحب أبي أمامة، وقيل: اسمه سعيد الحزّور، وقيل: نافع، يُعرف بصاحب المحجن.
قال ابن سعد: منكر الحديث، وقال: كان ضعيفا.
وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين: صالح الحديث.
وقال أبو حاتم: ليس بالقوى.
وقال الترمذي في بعض أحاديثه: هذا "حديث حسن"، وفي بعضها: هذا "حديث حسن صحيح".
وقال النسائي: ضعيف.
وقال الدارقطني: ثقة.
 وقال البرقاني عن الدارقطني: أبو غالب حزور بصري يعتبر به.
وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات.
وقال الحافظ في "التقريب":
"صدوق يخطئ".
قلت: وقد تفرّد بقوله "السواد الأعظم" وهي زيادة منكرة لا تقبل من أبي غالب فقد جاء الحديث من طرق كثيرة ليس فيها هذا التفسير والله أعلم.

وأما حديث سعد بن أبي وقاص:
فأخرجه البزار (1199)، والمروزي في "السنة"(57) من طريقين عن أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن موسى بن عبيدة، عن أخيه عبد الله بن عبيدة، عن عائشة ابنة سعد، عن أبيها، قال: قال رسول الله :
 "افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين ملة، ولن تذهب الليالي والأيام حتى تفترق أمتي على مثلها".
وقال البزار:
"وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن سعد إلا من هذا الوجه، ولا نعلم روى
 عبد الله بن عبيدة، عن عائشة، عن أبيها إلا هذا الحديث".
وأخرجه الآجري في "الشريعة" (28)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (267) من طريقين آخرين عن أحمد بن يونس، فال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن موسى بن عبيدة، عن بنت سعد، عن أبيها، قال: قال رسول الله :
"إن بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين ملة، وإن أمتي ستفترق على مثلها، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة ".
كذا بإسقاط عبد الله بن عبيدة، ولا أدري هل العهدة في هذا على أبي بكر ابن عياش أو على موسى بن عبيدة؟!
 فإن أبا بكر بن عياش، ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح كما في "التقريب".
 وموسى بن عبيدة: ضعفوه كما قال الذهبي.
 وقال الحافظ:
"ضعيف ولا سيما في عبد الله بن دينار، وكان عابدا".
قلت: ومهما يكن فإن إسناده ضعيف فمداره على موسى بن عبيدة وقد عرفت حاله والله أعلم.

وأما حديث عمرو بن عوف المزني:
فأخرجه الطبراني 17/ (3)، والمروزي في "السنة" (42) مختصرا، وكذا الآجري في "الشريعة" (33)، والحاكم 1/ 129 من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو ابن عوف بن زيد، عن أبيه، عن جده، قال:
"كنا قعودا حول رسول الله في مسجده، فقال: لتسلكن سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل، ولتأخذن مثل أخذهم إن شبرا فشبر، وإن ذراعا فذراع، وإن باعا فباع، حتى لو دخلوا جحر ضب دخلتم فيه، ألا إن بني إسرائيل افترقت على موسى على إحدى وسبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم، وإنها افترقت على عيسى ابن مريم على إحدى وسبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم، ثم إنهم يكونون على اثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة إلا فرقة واحدة الإسلام وجماعتهم".
 والسياق للحاكم.
قلت: وإسناده ضعيف جدا، فيه كثير بن عبد الله: واه.
 قال أبو داود: كذاب، قاله الذهبي.
وقال الحافظ:
 "ضعيف، أفرط من نسبه إلى الكذب".

وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:
فأخرجه الترمذي (2641)، والمروزي في "السنة" (59)، والحاكم 1/ 128، وابن وضاح في " البدع والنهي عنها" (250)، والآجري في "الشريعة (23)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" (264) و (265)، والعقيلي في "الضعفاء" 2/ 262 من طرق عن عبد الرحمن بن زياد الافريقي، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله :
"ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي".
وقال الترمذي:
 "هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه".
وجوّده أبو الفضل العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (ص 1133).
قلت: متنه جيد ففيه تفسير الجماعة، وإسناده ضعيف من أجل الإفريقي.
وأما حديث أبي الدرداء، وواثلة بن الأسقع:
فقد جاء مقرونا معهما بأبي أمامة وأنس، وهو عند الآجري في "الشريعة" (111)، وفي "الغرباء" (5)، والطبراني 8/ (7659)، والهروي في "ذم الكلام" 1/ 64، وابن حبان في "المجروحين" 2/ 225-226، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" 2/ 488، والبيهقي في "الزهد الكبير" (199)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 14/ 505 مطولا ومختصرا من طريق كثير بن مروان الفلسطيني، عن عبد الله بن يزيد الدمشقي قال: حدثني أبو الدرداء، وأبو أمامة الباهلي، وأنس ابن مالك، وواثلة بن الأسقع قالوا:
"خرج علينا رسول الله ونحن نتمارى في شيء من الدين فغضب علينا غضبا شديدا لم يغضب مثله ثم انتهر، فقال: يا أمة محمد لا تهيجوا على أنفسكم وهج النار، ثم قال: بهذا أمرتكم أليس عن هذا نهيتكم أوليس قد هلك من قبلكم بهذا، ثم قال: ذروا المراء لقلة خيره ذروا المراء، فإن نفعه قليل ويهيج العداوة بين الإخوان، ذروا المراء فإن المراء لا تؤمن فتنته، ذروا المراء فإن المراء يورث الشك، ويحبط العلم ذروا المراء فإن المؤمن لا يماري، ذروا المراء فإن المماري قد تمت خسارته، ذروا المراء فكفاك إثما أن لا تزال مماريا، ذروا المراء فإن المماري لا أشفع له يوم القيامة، ذروا المراء فأنا زعيم بثلاثة بيوت في الجنة في وسطها ورياضها وأعلاها لمن ترك المراء وهو صادق، ذروا المراء فإن أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر المراء، ذروا المراء فإن الشيطان قد أيس أن يعبد ولكنه قد رضي منكم بالتحريش وهو المراء في الدين، ذروا المراء فإن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلهم على الضلال إلا السواد الأعظم، قالوا: يا رسول الله وما السواد الأعظم؟! قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي، من لم يمار في دين ولم يكفر أحدا من أهل التوحيد بذنب، ثم قال: إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ فطوبى للغرباء، قالوا يا رسول الله ومن الغرباء؟، قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس، ولا يمارون في دين الله ولا يكفرون أحدا من أهل التوحيد بذنب " واللفظ لابن حبان.
وقال الهيثمي في "المجمع" 1/ 156:
"وفيه كثير بن مروان، وهو ضعيف جدا ".
قال ابن حبان:
"منكر الحديث جدا لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا على جهة التعجب".
قلت: وعبد الله بن يزيد الدمشقي هو مثل كثير إن لم يكن شر منه.
قال مهنى بن يحيى كما في "تاريخ بغداد" 11/ 449، و "موسوعة أقوال الإمام أحمد" 2/ 301:
"سألت أحمد، عن عبد الله بن يزيد بن آدم، يحدث عن أبي أمامة؟ قال: كان قدم هاهنا أيام أبي جعفر - يعني قدم بغداد - قلت: كيف هو؟ قال: أحاديثه موضوعة. قلت: من أين هو؟ قال: من الشام".

وأما حديث جابر بن عبد الله:
فأخرجه بحشل في "تاريخ واسط" (ص 235) عن محمد بن الهيثم، قال: حدثنا شجاع بن الوليد، عن عمرو بن قيس، عن جدته، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله :
 "تفرقت اليهود على واحدة وسبعين فرقة، كلها في النار، وتفرقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار، وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله: أخبرنا من هم؟ قال: السواد الأعظم.
وما أدري من عمرو بن قيس ولا جدته، على أنه جاء في "تخريج الإحياء" للزبيدي (عمرو بن قيس عمن حدثه عن جابر)، وكذا في "الكافي الشافي" (ص 63) للحافظ قال:
 "في إسناده راو لم يسم".

وأما حديث عبد الله بن مسعود:
فأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (70)، والمروزي في "السنة" (54)، والحاكم 2/ 480، والطبراني (10531)، وفي "الأوسط" (4479)، وفي "الصغير" (624)، والبيهقي في "الشعب" (9064) و(9065) مطولا ومختصرا من طريق الصعق بن حزن، عن عقيل بن يحيى، عن أبي إسحاق الهمداني، عن سويد بن غفلة، عن ابن مسعود رضي الله عنه، ﴿وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها، فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون﴾ قال ابن مسعود: قال لي النبي : "يا عبد الله بن مسعود فقلت: لبيك يا رسول الله ، ثلاث مرار، قال: هل تدري أي عرى الإيمان أوثق؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أوثق الإيمان الولاية في الله بالحب فيه والبغض فيه، يا عبد الله بن مسعود. قلت: لبيك يا رسول الله، ثلاث مرار، قال: هل تدري أي الناس أفضل؟. قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أفضل الناس أفضلهم عملا إذا فقهوا في دينهم، يا عبد الله بن مسعود. قلت: لبيك وسعديك، ثلاث مرار، قال: هل تدري أي الناس أعلم؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلفت الناس، وإن كان مقصرا في العمل وإن كان يزحف على استه، واختلف من كان قبلنا على اثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاث، وهلك سائرها، فرقة وازت الملوك وقاتلتهم على دين الله ودين عيسى ابن مريم حتى قتلوا، وفرقة لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك فأقاموا بين ظهراني قومهم فدعوهم إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم فقتلتهم الملوك، ونشرتهم بالمناشير، وفرقة لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بالمقام بين ظهراني قومهم فدعوهم إلى الله وإلى دين عيسى ابن مريم فساحوا في الجبال وترهبوا فيها، فهم الذين قال الله ﴿ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها﴾ إلى قوله ﴿فاسقون﴾ فالمؤمنون الذين آمنوا بي وصدقوني والفاسقون الذين كفروا بي وجحدوا بي".
وقال الحاكم:
"هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه!".
 فتعقبه الذهبي بقوله: "ليس بصحيح فإن الصعق وإن كان موثقا، فإن شيخه منكر الحديث قاله البخاري".
قلت: وله طريق أخرى عن ابن مسعود:
 أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (71)، والطبراني (10357) من طريق هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني بكير بن معروف، عن مقاتل ابن حيان، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود: مطولا ومختصرًا.
وقال الهيثمي 7/260:
"رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير بكير بن معروف وثقه أحمد وغيره وفيه ضعف".
قلت: بكير بن معروف الأسدي: صدوق فيه لين، وتقدم الكلام على هشام ابن عمار، لكن علة هذا الحديث هو الوليد بن مسلم فإنه ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية، فيتقى من حديثه ما قال فيه (عن)، فلا بد أن يصرح في كل طبقات السند والله أعلم 0

وأما حديث علي:
فأخرجه المروزي في "السنة" (60) من طريق أبي صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء البكري، قال: سمعت علي بن أبي طالب، وقد دعا رأس الجالوت وأسقف النصارى، فقال: إني سائلكم عن أمر وأنا أعلم به منكما فلا تكتماني يا رأس الجالوت أنشدتك الله الذي أنزل التوراة على موسى وأطعمكم المن والسلوى وضرب لكم في البحر طريقا، وأخرج لكم من الحجر اثنتي عشرة عينا، لكل سبط من بني إسرائيل عين إلا ما أخبرتني على كم افترقت بنو إسرائيل بعد موسى؟ فقال له: ولا فرقة واحدة، فقال له علي ثلاث مرار: كذبت والله الذي لا إله إلا هو، لقد افترقت على إحدى وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة، ثم دعا الأسقف، فقال: أنشدك الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى وجعل على رحله البركة وأراكم العبرة فأبرأ الأكمه وأحيا الموتى، وصنع لكم من الطين طيورا وأنبأكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم، فقال: دون هذا أصدقك يا أمير المؤمنين، فقال: على كم افترقت النصارى بعد عيسى من فرقة؟ فقال: لا والله ولا فرقة، فقال ثلاث مرار: كذبت والله الذي لا إله إلا هو لقد افترقت على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة، فأما أنت يا يهودي فإن الله يقول: ﴿ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ [الأعراف: 159] فهي التي تنجو وأما أنت يا نصراني فإن الله يقول: ﴿منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون﴾ [المائدة: 66] فهي التي تنجو، وأما نحن فيقول: ﴿وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون﴾ [الأعراف: 181] وهي التي تنجو من هذه الأمة".
قلت: وهذا إسناد ضعيف، فيه خمس علل:
الأولى: أبو الصهباء البكري: في حديثه لين.
الثانية: أبو معاوية البجلي: مجهول الحال.
الثالثة: الانقطاع، فإن أبا معاوية البجلي، يقال: إنه عمار الدهني، ويقال: غيره.
قال المزي في "تهذيب الكمال"34/ 303:
"قال الحاكم أبو أحمد: إنه عمار الدهني.
وقال أبو عمر بن عبد البر: أبو معاوية البجلي، ويقال: الأشجعي عمرو بن معاوية، سمع أبا عمرو الشيباني.
روى عنه سفيان بن عيينة ما أظن له إلا حديث ابن مسعود في الكبائر، روى له النسائي في "مسند علي".
 وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" 12 / 240:
"هذا الذي ذكره ابن عبد البر ليس هو صاحب الترجمة بل هو آخر متأخر عنه والصواب فيه الأشجعي".
  قلت: فإذا تقرر أنه عمار الدهني، فقد سأله أبو بكر بن عياش بقوله: "أسمعت سعيد بن جبير؟! فقال: لا".
رواه العقيلي في "الضعفاء" 3/ 323
الرابعة: أبو صخر وهو حميد بن زياد: صدوق يهم.
الخامسة: أنه موقوف، ولكن له حكم الرفع، وله طرق أخرى عنه، وهي الثانية:
أخرجه المروزي في "السنة" (61) من طريق عطاء بن مسلم الحلبي، قال: سمعت العلاء بن المسيب، يحدث عن شريك البرجمي، قال: حدثني زاذان أبو عمر، قال: قال علي: يا أبا عمر أتدري على كم افترقت اليهود؟ قال: قلت الله ورسوله أعلم، فقال: افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وهي الناجية والنصارى على ثنتين وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة هي الناجية، يا أبا عمر أتدري على كم تفترق هذه الأمة؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: تفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة وهي الناجية، ثم قال علي: أتدري كم تفترق في؟ قلت: وإنه يفترق فيك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم اثنتا عشرة فرقة كلها في الهاوية إلا واحدة في الناجية وهي تلك الواحدة يعني الفرقة التي هي من الثلاث والسبعين وأنت منهم يا أبا عمر".
قلت: وهذا إسناد ضعيف لأمرين:
 الأول: شريك البرجمي: ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 240 - ولم يزد على قوله فيه: "عن زاذان، عن علي قوله".
 وكذا ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": 4/ 365 - لم يزد على قوله:
"روى عن زاذان، روى عنه العلاء بن المسيب سمعت أبي يقول ذلك".
وذكره ابن حبان في "الثقات"6/444!
قلت: لم يرو عنه سوى العلاء بن المسيب، فهو مجهول العين.
الثاني: عطاء بن مسلم الحلبي، قال فيه الذهبي:
"ليس بذاك ".
وقال الحافظ:
"صدوق يخطئ كثيرا ".
وله طريق أخرى:
أخرجه ابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (249) من طريق عبد الملك بن حبيب البزاز المصيصي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد القرادي، عن العلاء بن المسيب، عن معاوية العبسي، عن زاذان قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تقوم الساعة حتى تكون هذه الأمة على بضع وسبعين ملة، كلها في الهاوية، وواحدة في الناجية".
قلت: وما أدري من هذا القرادي، ولعله تحرّف عن الفزاري، فقد ذكروا أن عبد الملك يروي عن أبي إسحاق الفزاري وهو إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء ابن خارجة بن حصن بن حذيفة الفزاري، أبو إسحاق الكوفي.
وجاء هذا الحديث عند ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (274) من طريقين عن بشر بن موسى قال: حدثنا معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق، عن العلاء بن المسيب، عن معاوية القيسي، عن زاذان به.
فصار معاوية من العبسي إلى القيسي، وعلى كل حال فإن مدار الإسناد عليه ولم أجد مَنْ ترجم له.
وطريق أخرى:
قال البوصيري في "إتحاف الخيرة" (5295): قال محمد بن يحيى بن أبي عمر: حدثنا مروان، حدثنا حسان بن أبي يحيى الكندي، عن شيخ من كندة قال:
"كنا جلوسا عند علي فأتاه أسقف نجران، فأوسع له، فقال له رجل: توسع لهذا النصراني يا أمير المؤمنين؟! فقال علي: إنهم كانوا إذا أتوا رسول الله أوسع لهم. فسأله رجل: على كم افترقت النصرانية يا أسقف؟ فقال: افترقت على فرق كثيرة لا أحصيها. قال علي: أنا أعلم على كم افترقت النصرانية من هذا وإن كان نصرانيا، افترقت النصرانية على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت اليهودية على ثنتين وسبعين فرقة، والذي نفسي بيده لتفترقن الحنفية على ثلاث وسبعين فرقة؟ فتكون اثنتان وسبعون، في النار، وفرقة في الجنة".
وقال البوصيري:
"هذا إسناد ضعيف".
الطريق الثالث:
أخرجه ابن بطة في "الابانة الكبرى" (275) من طريق الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا سوادة بن سلمة، أن
 عبد الله بن قيس، قال: اجتمع عند علي جاثليتو النصارى، ورأس الجالوت، فقال الرأس: أتجادلون؟ على كم افترقت اليهود؟ قال: على إحدى وسبعين فرقة، فقال علي: لتفترقن هذه الأمة على مثل ذلك، وأضلها فرقة وشرها الداعية إلينا أهل البيت وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما".
 قلت: وهذا إسناد ضعيف، فيه علتان:
الأولى: عبد الله بن قيس، لا أدري مَن هو، ولعله أبو موسى الأشعري، أو هو عبد الله بن قيس أبو حميضة، ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" 5/ 172 بقوله: "عبد الله بن قيس، أبو حميضة: سمع عليا رضي الله عنه، في ﴿بالأخسرين أعمالا﴾ قال: هم الرهبان".
وذكره ابن حبان في "الثقات" 5/42 ولم يزد على قوله:
 "يروي عن علي، روت عنه أم السكن بن أبي كريمة".
وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 5/ 139:
"روى سكن بن أبي كريمة عن أمه عنه، وقال في نسبته: الزبيدي".
قلت: على أقل أحواله أن يكون مجهول الحال.
الثانية: سوادة بن سلمة لم أجد له ترجمة.
الطريق الرابع:
أخرجه الآجري في "الشريعة" (1860) من طريق أبي معاوية الضرير قال: حدثنا محمد بن سوقة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن علي، رضي الله عنه قال:
 "تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة شرهم قوم ينتحلون حبنا أهل البيت ويخالفون أعمالنا ".
وهذا إسناد منقطع فإن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من علي.
الطريق الخامس:
 أخرجه أبو نعيم في "الحلية" 8/5 من طريق إبراهيم بن الحسن التغلبي، حدثنا عبد الله بن بكير، عن محمد بن سوقة، عن أبي الطفيل، عن علي، قال:
"تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، شرها فرقة تنتحل حبنا وتفارق أمرنا".
وقال أبو نعيم:
 "رواه أبو نعيم، عن عبد الله بن بكير نحوه.
ورواه ابن سلمة الحراني عن محمد بن عبد الله الفزاري، عن محمد بن سوقة، نحوه".
قلت: واسناده جيد.
الطريق السادس:
أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (995) حدثنا أسيد بن عاصم، حدثنا عامر بن إبراهيم، عن يعقوب، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن علي، قال:
" تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة وأنتم على ثلاث وسبعين وإن من أضلها وأخبثها من يتشيع أو الشيعة".
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات سوى ليث بن أبي سليم، وخلاصة القول إن هذا الحديث ثابت عن علي لاسيما الطريق الخامسة عنه، وباقي الطرق صالحة للاعتبار فهي ليست شديدة الضعف، وإن هذا الحديث من علامات النبوة فإن من أشر الفرق الضالة: الشيعة لا أبقى الله لهم أثرا، ولا رحم فيهم مغرز إبرة.

__________________________________________
سياق الحديث:

"افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعين في النار، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وإحدى وسبعين في النار، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وثنتين وسبعين في النار، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: هم الجماعة" (1) 
[وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَبُ بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله] (2)  
[ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي] (3)
 __________
1 - أخرجه ابن ماجه (٣٩٩٢)، وابن أبي عاصم في "السنة" (٦٣)، والطبراني 18/70، وفي "مسند الشاميين" (٩٨٨)، واللالكائي في" شرح السنة " 1/101 من حديث عوف بن مالك، وأخرجه أحمد 4/ ١٠٢، وعنه أبو داود (٤٥٩٧)، والدارمي 2 /٢٤١، والحاكم ١/ ١٢٨ وغيرهم من حديث معاوية، وأخرجه ابن ماجه (٣٩٩٣)، وابن أبي عاصم في "السنة" (٦٤)، وعنه الضياء في "المختارة" 7/ ٩٠ من حديث أنس، وأخرجه أبو داود (٤٥٩٦)، والترمذي (٢٦٤٠) وصححه، وابن ماجه (٣٩٩١)، وأحمد 2/332، والحاكم 1/47 و ٢١٧، وصححه، وأقره الذهبي من حديث أبي هريرة.

2 - ما بين المعقوفتين رواه أحمد 4 / ١٠٢، وعنه أبو داود (٤٥٩٧)، والدارمي 2 /٢٤١، والحاكم ١/ ١٢٨، والطبراني (٨٨٤) و (885)، وفي "مسند الشاميين" (١٠٠٥) و(١٠٠٦)، والآجري في "الشريعة" (٢٩)، وابن بطة في "الإبانة الكبرى" 1/ ٣٧٠، ٣٧١، وابن أبي عاصم في "السنة" (١) و(٢) و (٦٥) و(٦٩)، واللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" 1/101-102، والمروزي في "السنة" (ص ١٤-١٥)، والبيهقي في "الدلائل" 6/541-542 من حديث ابن عمرو.

3 - ما بين المعقوفتين رواه الترمذي وحسنه (٢٦٤١)، والمروزي في "السنة" (٥٩)، والحاكم 1/128، وجوّده أبو الفضل العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (ص :1133).
__________________________________________________
شرح الحديث:

 المراد بالفرق: هي الفرق المذمومة المخالفة لأهل السنة في أصول الدين كالتوحيد وتقدير الخير والشر، وشروط النبوة والرسالة وموالاة الصحابة، وما جرى مجرى هذه الأبواب، وهذا من معجزاته لأنه أخبر عن غيب وقع، وقد حدث في آخر أيام الصحابة خلاف القدرية من معبد الجهني وأتباعه، ثم حدث الخلاف بعد ذلك شيئا فشيئا، وقد جعل بعض العلماء أصول هذه الفرق: الحرورية، والقدرية، والجهمية، والمرجئة، والرافضة، والجبرية، وأن هذه الست انقسمت كل فرقة منها إلى اثنتي عشرة فرقة، فصارت اثنتين وسبعين فرقة!
قال الشاطبي في "الموافقات" 5/ 151:
 "الغالب في هذه الفرق أن يشار إلى أوصافهم ليحذر منها، ويبقى الأمر في تعيينهم مرجى كما فهمنا من الشريعة، ولعل عدم تعيينهم هو الأولى الذي ينبغي أن يلتزم ليكون سترا على الأمة، كما سترت عليهم قبائحهم، فلم يفضحوا في الدنيا بها في الحكم الغالب العام، وأمرنا بالستر على المذنبين ما لم يبد لنا صفحة الخلاف، ليس كما ذكر عن بني إسرائيل أنهم كانوا إذا أذنب أحدهم ليلا أصبح وعلى بابه معصيته مكتوبة ...
وقال: فإذا كان من مقتضى العادة أن التعريف بهم على التعيين يورث العداوة والفرقة وترك الموالفة، لزم من ذلك أن يكون منهيا عنه، إلا أن تكون البدعة
فاحشة جدا كبدعة الخوارج، فلا إشكال في جواز إبدائها وتعيين أهلها، كما عين رسول الله الخوارج، وذكرهم بعلامتهم حتى يعرفون ويحذر منهم، ويلحق بذلك ما هو مثله في الشناعة أو قريب منه بحسب نظر المجتهد، وما سوى ذلك، فالسكوت عن تعيينه أولى".
وقال في "الاعتصام" 2/730 -732:
 "إن التعيين يكون في موطنين:
الأول- ما أشار إليه هنا –
 والثاني: حيث تكون الفرقة تدعو إلى ضلالتها وتزيينها في قلوب العوام ومن لا علم عنده، فإن ضرر هؤلاء على المسلمين كضرر إبليس، وهم من شياطين الإنس، فلابد من التصريح بأنهم من أهل البدعة والضلالة، ونسبتهم إلى الفرق إذا قامت له الشهود على أنهم منهم.
 كما اشتهر عن عمرو بن عبيد وغيره، فروى عاصم الأحول، قال: جلست إلى قتادة فذكر عمرو بن عبيد فوقع فيه ونال منه، فقلت: أبا الخطاب: ألا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض؟ فقال: يا أحول أولا تدري أن الرجل إذا ابتدع بدعة فينبغي لها أن تذكر حتى تحذر؟ فجئت من عند قتادة وأنا مغتم بما سمعت من قتادة في عمرو بن عبيد، وما رأيت من نسكه وهديه، فوضعت رأسي نصف النهار وإذا عمرو بن عبيد والمصحف في حجره وهو يحك آية من كتاب الله، فقلت: سبحان الله! تحك آية من كتاب الله؟ قال إني سأعيدها، قال: فتركته حتى حكها، فقلت له: أعدها، فقال: لا أستطيع.
فمثل هؤلاء لابد من ذكرهم والتشريد بهم، لأن ما يعود على المسلمين من ضررهم إذا تركوا، أعظم من الضرر الحاصل بذكرهم والتنفير عنهم إذا كان سبب ترك التعيين الخوف من التفرق والعداوة.
ولا شك أن التفريق بين المسلمين وبين الداعين للبدعة وحدهم - إذا أقيم - عليهم أسهل من التفرق بين المسلمين وبين الداعين ومن شايعهم واتبعهم، وإذا تعارض الضرران يرتكب أخفهما وأسهلهما، وبعض الشر أهون من جميعه، كقطع اليد المتآكلة، إتلافها أسهل من إتلاف النفس.
 وهذا شأن الشرع أبدا: يطرح حكم الأخف وقاية من الأثقل.
فإذا فقد الأمران فلا ينبغي أن يذكروا ولا أن يعينوا إن وجدوا، لأن ذلك أول مثير للشر وإلقاء العداوة والبغضاء، ومتى حصل باليد منهم أحد ذاكره برفق، ولم يره أنه خارج من السنة، بل يريه أنه مخالف للدليل الشرعي، وأن الصواب الموافق للسنة كذا وكذا.
 فإن فعل ذلك من غير تعصب ولا إظهار غلبة فهو أنجح وأنفع، وبهذه الطريقة دعي الخلق أولا إلى الله تعالى، حتى إذا عاندوا وأشاعوا الخلاف وأظهروا الفرقة قوبلوا بحسب ذلك".
قلت: وقد كُشف في هذا الزمان حالُ كثير من أهل البدع والأهواء وكُشف سترهم، وفُضح من تلبس بلباس السنة وهي منه براء، وهذا كله من فضل الله على أهل السنة، ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار ﴾، إن الله تكفّل بحفظ دينه فهو القائل: ﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾، ومن حفظه لدينه وذكره، أن هَيَّأَ لهذه الأمة رجالا يذبون عن دينه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فهاهم صحابة رسول الله ذبوا عن دينه وكتابه ورسوله بألسنتهم وأسنتهم، ولم يألوا جهدًا في حماية بيضة هذا الدين، وتبعهم على ذلك التابعون الأخيار ثم تابعوهم إلى عصرنا هذا بل إلى أن تقوم الساعة، فإن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينها، فكلما انحرف الكثير من الناس عن جادة الدين - الذي أكمله الله لعباده وأتم عليهم نعمته ورضيه لهم دينا - بعث إليهم علماء أو عالما بصيرا بالإسلام، وداعية رشيدا، يبصر الناس بكتاب الله وسنة رسوله الثابتة، ويجنبهم البدع، ويحذرهم محدثات الأمور، ويردهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم: كتاب الله وسنة رسوله ، فسمى ذلك: تجديدا بالنسبة للأمة، لا بالنسبة للدين الذي شرعه الله وأكمله، فإن التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة، أما الإسلام نفسه فمحفوظ بحفظ كتاب لله تعالى وسنة رسوله المبينة له.
روى ابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (ص 26) عن عمر بن الخطاب t أنه قال:
 "الحمد لله الذي امتن على العباد بأن يجعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله أهل العمى، كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وضال تائه قد هدوه، بذلوا دماءهم وأموالهم دون هلكة العباد، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، يقتلونهم في سالف الدهر إلى يومنا هذا بالحدود ونحوها، فما نسيهم ربك ﴿وما كان ربك نسيا﴾ [مريم: 64]، جعل قصصهم هدى، وأخبر عن حسن مقالتهم، فلا تقصر عنهم، فإنهم في منزلة رفيعة، وإن أصابتهم الوضيعة ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" 3/ ٣٤٦- ٣٥٨:
 " كثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة والجماعة، ويجعل من خالفها أهل البدع وهذا ضلال مبين.
 فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر، وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله .
فمن جعل شخصا من الأشخاص غير رسول الله من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة - كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك - كان من أهل البدع والضلال والتفرق.
 وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية أهل الحديث والسنة، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله وأعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها وأئمتهم فقهاء فيها وأهل معرفة بمعانيها واتباعا لها: تصديقا وعملا وحبا وموالاة لمن والاها ومعاداة لمن عاداها الذين يردون المقالات المجملة إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم وجمل كلامهم إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول ، بل يجعلون ما بعث به الرسول من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه.
وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك يردونه إلى الله ورسوله، ويفسرون الألفاظ المجملة التي تنازع فيها أهل التفرق والاختلاف، فما كان من معانيها موافقا للكتاب والسنة أثبتوه، وما كان منها مخالفا للكتاب والسنة أبطلوه، ولا يتبعون الظن وما تهوى الأنفس فإن اتباع الظن جهل واتباع هوى النفس بغير هدى من الله ظلم، وجماع الشر الجهل والظلم قال الله تعالى: ﴿وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا﴾ إلى آخر السورة.
وذكر التوبة لعلمه سبحانه وتعالى أنه لا بد لكل إنسان من أن يكون فيه جهل وظلم ثم يتوب الله على من يشاء فلا يزال العبد المؤمن دائما يتبين له من الحق ما كان جاهلا به ويرجع عن عمل كان ظالما فيه، وأدناه ظلمه لنفسه كما قال تعالى: ﴿الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور﴾ وقال تعالى ﴿هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور﴾ وقال تعالى ﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾.
ومما ينبغي أيضا أن يعرف أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام على درجات:
 منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة، ومن يكون قد رد على غيره من الطوائف الذين هم أبعد عن السنة منه، فيكون محمودا فيما رده من الباطل وقاله من الحق، لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق وقال بعض الباطل فيكون قد رد بدعة كبيرة ببدعة أخف منها، ورد بالباطل باطلا بباطل أخف منه وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة.
ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولا يفارقون به جماعة المسلمين، يوالون عليه ويعادون، كان من نوع الخطأ، والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثل ذلك، ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتها: لهم مقالات قالوها باجتهاد وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة، بخلاف من والى موافقه وعادى مخالفه وفرق بين جماعة المسلمين وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات، واستحل قتال مخالفه دون موافقه فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات، ولهذا كان أول من فارق جماعة المسلمين من أهل البدع الخوارج المارقون.
 وقد صحّ الحديث في الخوارج عن النبي من عشرة أوجه خرّجها مسلم في "صحيحه"، وخرّج البخاري منها غير وجه.
 وقد قاتلهم أصحاب النبي مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فلم يختلفوا في قتالهم كما اختلفوا في قتال الفتنة يوم الجمل وصفين، إذ كانوا في ذلك ثلاثة أصناف: صنف قاتلوا مع هؤلاء، وصنف قاتلوا مع هؤلاء، وصنف أمسكوا عن القتال وقعدوا.
 وجاءت النصوص بترجيح هذه الحال، فالخوارج لما فارقوا جماعة المسلمين وكفروهم واستحلوا قتالهم جاءت السنة بما جاء فيهم، كقول النبي "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة".
 وقد كان أولهم خرج على عهد رسول الله فلما رأى قسمة النبي قال: يا محمد اعدل فإنك لم تعدل فقال له النبي : "لقد خبت وخسرت إن لم أعدل"، فقال له بعض أصحابه: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال: "إنه يخرج من ضئضئ هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم" الحديث.
فكان مبدأ البدع هو الطعن في السنة بالظن والهوى، كما طعن إبليس في أمر ربه برأيه وهواه.
وأما تعيين الفرق الهالكة فأقدم من بلغنا أنه تكلم في تضليلهم يوسف بن أسباط، ثم عبد الله بن المبارك وهما إمامان جليلان من أجلاء أئمة المسلمين قالا: أصول البدع أربعة: الروافض والخوارج والقدرية والمرجئة.
 فقيل لابن المبارك: والجهمية؟ فأجاب: بأن أولئك ليسوا من أمة محمد.
وكان يقول: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية.
وهذا الذي قاله اتبعه عليه طائفة من العلماء من أصحاب أحمد، وغيرهم، قالوا:
إن الجهمية كفار فلا يدخلون في الاثنتين والسبعين فرقة كما لا يدخل فيهم المنافقون الذين يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام وهم الزنادقة.
وقال آخرون من أصحاب أحمد وغيرهم: بل الجهمية داخلون في الاثنتين والسبعين فرقة وجعلوا أصول البدع خمسة فعلى قول هؤلاء: يكون كل طائفة من "المبتدعة الخمسة" اثنا عشر فرقة وعلى قول الأولين: يكون كل طائفة من "المبتدعة الأربعة" ثمانية عشر فرقة.
 وهذا يبنى على أصل آخر وهو "تكفير أهل البدع" فمن أخرج الجهمية منهم لم يكفرهم، فإنه لا يكفر سائر أهل البدع بل يجعلهم من أهل الوعيد بمنزلة الفساق والعصاة، ويجعل قوله هم في النار مثل ما جاء في سائر الذنوب مثل أكل مال اليتيم وغيره كما قال تعالى: ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا﴾.
ومن أدخلهم فيهم فهم على قولين: منهم من يكفرهم كلهم وهذا إنما قاله بعض المتأخرين المنتسبين إلى الأئمة أو المتكلمين.
وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير "المرجئة" و "الشيعة" المفضلة ونحو ذلك ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع - من هؤلاء وغيرهم – خلافا عنه أو في مذهبه حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم وهذا غلط على مذهبه وعلى الشريعة.
ومنهم من لم يكفر أحدا من هؤلاء إلحاقا لأهل البدع بأهل المعاصي، قالوا: فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحدا بذنب فكذلك لا يكفرون أحدا ببدعة.
والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير "الجهمية المحضة" الذين ينكرون الصفات وحقيقة قولهم إن الله لا يتكلم ولا يرى، ولا يباين الخلق، ولا له علم ولا قدرة ولا سمع ولا بصر ولا حياة بل القرآن مخلوق وأهل الجنة لا يرونه كما لا يراه أهل النار وأمثال هذه المقالات.
وأما الخوارج والروافض ففي تكفيرهم نزاع وتردد عن أحمد وغيره.
 وأما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفروهم ولما يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال.
 وفصل الخطاب في هذا الباب بذكر أصلين:
أحدهما: أن يعلم أن الكافر في نفس الأمر من أهل الصلاة لا يكون إلا منافقا فإن الله منذ بعث محمدا وأنزل عليه القرآن وهاجر إلى المدينة صار الناس ثلاثة أصناف: مؤمن به، وكافر به مظهر الكفر ومنافق مستخف بالكفر، ولهذا ذكر الله هذه الأصناف الثلاثة في أول سورة البقرة ذكر أربع آيات في نعت المؤمنين، وآيتين في الكفار، وبضع عشر آية في المنافقين، وقد ذكر الله الكفار والمنافقين في غير موضع من القرآن كقوله: ﴿ولا تطع الكافرين والمنافقين﴾، وقوله: ﴿إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا﴾، وقوله: ﴿فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا﴾، وعطفهم على الكفار ليميزهم عنهم بإظهار الإسلام وإلا فهم في الباطن شر من الكفار كما قال تعالى: ﴿إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار﴾، وكما قال: ﴿ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله﴾، وكما قال: ﴿قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين . وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون﴾.
 وإذا كان كذلك فأهل البدع فيهم المنافق الزنديق فهذا كافر ويكثر مثل هذا في الرافضة والجهمية فإن رؤساءهم كانوا منافقين زنادقة، وأول من ابتدع الرفض كان منافقا، وكذلك التجهم فإن أصله زندقة ونفاق، ولهذا كان الزنادقة المنافقون من القرامطة الباطنية المتفلسفة وأمثالهم يميلون إلى الرافضة والجهمية لقربهم منهم.
 ومن أهل البدع من يكون فيه إيمان باطنا وظاهرا لكن فيه جهل وظلم
حتى أخطأ ما أخطأ من السنة، فهذا ليس بكافر ولا منافق ثم قد يكون منه عدوان وظلم يكون به فاسقا أو عاصيا، وقد يكون مخطئا متأولا مغفورا له خطؤه، وقد يكون مع ذلك معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه فهذا أحد الأصلين.
والأصل الثاني: أن المقالة تكون كفرا: كجحد وجوب الصلاة والزكاة والصيام والحج وتحليل الزنا والخمر والميسر ونكاح ذوات المحارم، ثم القائل بها قد يكون بحيث لم يبلغه الخطاب وكذا لا يكفر به جاحده كمن هو حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه شرائع الإسلام فهذا لا يحكم بكفره بجحد شيء مما أنزل على الرسول إذا لم يعلم أنه أنزل على الرسول ومقالات الجهمية هي من هذا النوع فإنها جحد لما هو الرب تعالى عليه ولما أنزل الله على رسوله ، وتغلط مقالاتهم من ثلاثة أوجه:
 أحدها: أن النصوص المخالفة لقولهم في الكتاب والسنة والإجماع كثيرة جدا مشهورة وإنما يردونها بالتحريف.
 الثاني: أن حقيقة قولهم تعطيل الصانع وإن كان منهم من لا يعلم أن قولهم مستلزم تعطيل الصانع، فكما أن أصل الإيمان الإقرار بالله فأصل الكفر الإنكار لله.
الثالث: أنهم يخالفون ما اتفقت عليه الملل كلها وأهل الفطر السليمة كلها، لكن مع هذا قد يخفي كثير من مقالاتهم على كثير من أهل الإيمان حتى يظن أن الحق معهم لما يوردونه من الشبهات.
ويكون أولئك المؤمنون مؤمنين بالله ورسوله باطنا وظاهرا، وإنما التبس عليهم واشتبه هذا كما التبس على غيرهم من أصناف المبتدعة فهؤلاء ليسوا كفارا قطعا، بل قد يكون منهم الفاسق والعاصي، وقد يكون منهم المخطئ المغفور له، وقد يكون معه من الإيمان والتقوى ما يكون معه به من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه.
وأصل قول أهل السنة الذي فارقوا به الخوارج والجهمية والمعتزلة والمرجئة أن الإيمان يتفاضل ويتبعض، كما قال النبي "يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان" وحينئذ فتتفاضل ولاية الله وتتبعض بحسب ذلك.
وإذا عرف أصل البدع فأصل قول الخوارج أنهم يكفرون بالذنب، ويعتقدون ذنبا ما ليس بذنب، ويرون اتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب - وإن كانت متواترة - ويكفرون من خالفهم ويستحلون منه لارتداده عندهم ما لا يستحلونه من الكافر الأصلي كما قال النبي فيهم "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان" ولهذا كفروا عثمان وعليا وشيعتهما، وكفروا أهل صفين - الطائفتين - في نحو ذلك من المقالات الخبيثة.
وأصل قول الرافضة: أن النبي نص على علي نصا قاطعا للعذر، وأنه إمام معصوم ومن خالفه كفر، وأن المهاجرين والأنصار كتموا النص وكفروا بالإمام المعصوم، واتبعوا أهواءهم وبدلوا الدين وغيروا الشريعة وظلموا واعتدوا، بل كفروا إلا نفرا قليلا: بضعة عشر أو أكثر ثم يقولون: إن أبا بكر وعمر ونحوهما ما زالا منافقين، وقد يقولون: بل آمنوا ثم كفروا، وأكثرهم يكفر من خالف قولهم ويسمون أنفسهم المؤمنين ومن خالفهم كفارا ويجعلون مدائن الإسلام التي لا تظهر فيها أقوالهم دار ردة أسوأ حالا من مدائن المشركين والنصارى ولهذا يوالون اليهود والنصارى والمشركين على بعض جمهور المسلمين، وعلى معاداتهم ومحاربتهم: كما عرف من موالاتهم الكفار المشركين على جمهور المسلمين، ومن موالاتهم الإفرنج النصارى على جمهور المسلمين، ومن موالاتهم اليهود على جمهور المسلمين، ومنهم ظهرت أمهات الزندقة والنفاق كزندقة القرامطة الباطنية وأمثالهم، ولا ريب أنهم أبعد طوائف المبتدعة عن الكتاب والسنة ولهذا كانوا هم المشهورين عند العامة بالمخالفة للسنة فجمهور العامة لا تعرف ضد السني إلا الرافضي فإذا قال أحدهم: أنا سني فإنما معناه لست رافضيا، ولا ريب أنهم شر من الخوارج، لكن الخوارج كان لهم في مبدأ الإسلام سيف على أهل الجماعة وموالاتهم الكفار أعظم من سيوف الخوارج فإن القرامطة والإسماعيلية ونحوهم من أهل المحاربة لأهل الجماعة وهم منتسبون إليهم وأما الخوارج فهم معروفون بالصدق، والروافض معروفون بالكذب.
والخوارج مرقوا من الإسلام وهؤلاء نابذوا الإسلام.
وأما القدرية المحضة فهم خير من هؤلاء بكثير وأقرب إلى الكتاب والسنة لكن المعتزلة وغيرهم من القدرية هم جهمية أيضا وقد يكفرون من خالفهم ويستحلون دماء المسلمين فيقربون من أولئك.
 وأما المرجئة فليسوا من هذه البدع المغلظة بل قد دخل في قولهم طوائف من أهل الفقه والعبادة، وما كانوا يعدون إلا من أهل السنة، حتى تغلظ أمرهم بما زادوه من الأقوال المغلظة، ولما كان قد نسب إلى الإرجاء والتفضيل قوم مشاهير متبعون: تكلم أئمة السنة المشاهير في ذم المرجئة المفضلة تنفيرا عن مقالتهم كقول سفيان الثوري: من قدم عليا على أبي بكر والشيخين فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، وما أرى يصعد له إلى الله عمل مع ذلك، أو نحو هذا القول، قاله لما نسب إلى تقديم على بعض أئمة الكوفيين، وكذلك قول أيوب السختياني: من قدم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار قاله لما بلغه ذلك عن بعض أئمة الكوفيين، وقد روي أنه رجع عن ذلك، وكذلك قول الثوري ومالك والشافعي وغيرهم في ذم المرجئة لما نسب إلى الإرجاء بعض المشهورين.
وكلام الإمام أحمد في هذا الباب جار على كلام من تقدم من أئمة الهدى ليس له قول ابتدعه ولكن أظهر السنة وبينها، وذب عنها وبين حال مخالفيها وجاهد عليها، وصبر على الأذى فيها لما أظهرت الأهواء والبدع، وقد قال الله تعالى: ﴿وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون﴾ فالصبر واليقين بهما تنال الإمامة في الدين فلما قام بذلك قرنت باسمه من الإمامة في السنة ما شهر به وصار متبوعا لمن بعده كما كان تابعا لمن قبله.
وإلا فالسنة هي ما تلقاه الصحابة عن رسول الله وتلقاه عنهم التابعون ثم تابعوهم إلى يوم القيامة، وإن كان بعض الأئمة بها أعلم وعليها أصبر، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم".
وقال في "العقيدة الواسطية":
" وكل ما يقولونه أو يفعلونه – أي أهل السنة والجماعة - من هذا أو غيره، فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة، وطريقتهم: هي دين الإسلام، الذي بعث الله به محمدا ، لكن لما أخبر : "أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة".
وفي حديث عنه أنه قال: "هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي".
 صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة، وفيهم: الصديقون، والشهداء، والصالحون، ومنهم: أعلام الهدى، ومصابيح الدجى أولوا المناقب المأثورة، والفضائل المذكورة ، وفيهم: الأبدال، ومنهم: الأئمة، الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، وهم الطائفة المنصورة، الذين قال فيهم النبي
: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى تقوم الساعة".
وقال كما في "مجموع الفتاوى" 5/ 71:
"وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف في كتابه الذي سماه "اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات" قال في آخر خطبته: فاتفقت أقوال المهاجرين والأنصار في توحيد الله عز وجل ومعرفة أسمائه وصفاته وقضائه قولا واحدا وشرعا ظاهرا، وهم الذين نقلوا عن رسول الله ذلك حتى قال "عليكم بسنتي" وذكر الحديث وحديث "لعن الله من أحدث حدثا".
قال: فكانت كلمة الصحابة على الاتفاق من غير اختلاف - وهم الذين أمرنا بالأخذ عنهم إذ لم يختلفوا بحمد الله تعالى في أحكام التوحيد وأصول الدين من الأسماء والصفات كما اختلفوا في الفروع، ولو كان منهم في ذلك اختلاف لنقل إلينا، كما نقل سائر الاختلاف - فاستقر صحة ذلك عند خاصتهم وعامتهم، حتى أدوا ذلك إلى التابعين لهم بإحسان، فاستقر صحة ذلك عند العلماء المعروفين، حتى نقلوا ذلك قرنا بعد قرن، لأن الاختلاف كان عندهم في الأصل كفر ولله المنة.
ثم إني قائل - وبالله أقول - إنه لما اختلفوا في أحكام التوحيد وذكر الأسماء والصفات على خلاف منهج المتقدمين من الصحابة والتابعين، فخاضوا في ذلك من لم يعرفوا بعلم الآثار ولم يعقلوا قولهم بذكر الأخبار، وصار معولهم على أحكام هوى حسن النفس المستخرجة من سوء الظن به على مخالفة السنة والتعلق منهم بآيات لم يسعدهم فيها ما وافق النفوس، فتأولوا على ما وافق هواهم وصححوا بذلك مذهبهم: احتجت إلى الكشف عن صفة المتقدمين ومأخذ المؤمنين ومنهاج الأولين، خوفا من الوقوع في جملة أقاويلهم التي حذر رسول الله أمته، ومنع المستجيبين له حتى حذرهم.
 ثم ذكر: أبو عبد الله خروج النبي وهم يتنازعون في القدر وغضبه وحديث "لا ألفين أحدكم" وحديث "ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة" فإن الناجية ما كان عليه هو وأصحابه، ثم قال: فلزم الأمة قاطبة معرفة ما كان عليه الصحابة ولم يكن الوصول إليه إلا من جهة التابعين لهم بإحسان، المعروفين بنقل الأخبار ممن لا يقبل المذاهب المحدثة، فيتصل ذلك قرنا بعد قرن ممن عرفوا بالعدالة والأمانة الحافظين على الأمة ما لهم وما عليهم من إثبات السنة ...".

وقال الصنعاني في "افتراق الأمة" (ص80-81):
"وكان الأحسن بالناظر في الحديث أن يكتفي بالتفسير النبوي لتلك الفرقة فقد كفاه معلم الشرائع الهادي إلى كل خير المؤنة، وعين له الفرقة الناجية بأنها من كان على ما هو وأصحابه، وقد عرف بحمد الله من له أدنى همة في الدين ما كان عليه النبي وأصحابه، ونقل إلينا أقوالهم وأفعالهم حتى أكلهم وشربهم ونومهم ويقظتهم، حتى كأنا رأيناهم رأي عين، وبعد ذلك فمن رزقه الله إنصافا من نفسه، وجعله من أولي الألباب لا يخفاه حال نفسه أولا هل هو متبع لما كان عليه النبي وأصحابه أو غير متبع؟ ثم لا يخفي حال غيره من كل طائفة هل هي متبعة أو مبتدعة؟ ومن ادعى أنه متبع للسنة النبوية متقيد بها يصدق دعواه أقواله وأفعاله أو تكذبها فإن ما كان عليه قد ظهر بحمد الله لكل إنسان فلا يمكن التباس المبتدع بالمتبع".

كتبه الفقير إلى الله تعالى
29 - شوال - 1436 هجري


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النشر لكل مسلم يريد نشر الخير إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

أبو سامي العبدان حسن التمام